هجرة وهجير ومعركة الشاعر أحمد سعد

الشاعر أحمد محمد سعد قصة عمر في ديوان شعر:

أيها السائل عن شعري وعن مستوى علمي ومنحى أدبي
أنا من عامل أسمو أدباً ولأم الضاد يرقى نسبي

من شعراء الوزن والقافية صاحب ديوان (هجرة وهجير) صُقلت حاسته الشعرية الهجرة على وهج الهجير فانتفضت من مكمنها كأنها الهديل وانشقت عن أكمامها تتفتح كالورود.

الشاعر أحمد محمد سعد (أبو عصام) من مواليد بلدة معركة جنوب لبنان 1924 تزوج ابنة عمه وأنجب منها ثمانية أولاد سافر إلى السنغال وعاد إلى الوطن، درس وختم القرآن الكريم، التحق بثانوية الجامعة الوطنية ودرس اللغة الفرنسية في السنغال كما درس الإنكليزية أيضاً، انتخب نائب رئيس لفرع الجامعة الثقافية في العالم فرع (ديوربل) 1974، انتسب للحركة الثقافية (في لبنان)، سعى لإعطاء الشعر العربي قيمة إضافية تبرز بوضوح من خلال كتابات وجدانية عميقة اختزنها وتفجرت قصائد معبرة.

من مؤلفاته «حصاد الثمانين» بعد «الهجرة والهجير»، «ومضات مشعة عن الإمام الصدر»، «صدى الأعماق» و«مروى» .

في تقديمه لديوان الشاعر أحمد سعد هجرة وهجير يقول النائب المرحوم السيد جعفر شرف الدين الأديب والباحث العاملي ونجل المغفور له العلامة السيد عبد الحسين شرف الدين أنه «ومن شعراء الوزن والقافية صاحب هذا الديوان (هجرة وهجير) هذا الذي صقلت حاسته الشعرية الهجرة على وهج الهجير فانتفضت من مكمنها كأنها الهديل وانشقت عن أكمامها تتفتح كما الورود فإذا هي تتلألأ كالدر انفلت من مكنونه.

ذلك إن كعك هذا الشعر من عجين هذا الجبل. بل من عجين إحدى أمهات قراه فمعركة عركت عيون أبنائها وأوقدت ذبالة أذهانهم وعجمت عود زنودهم فجاؤوا على شكلها ومثالها مناضلين في المناضلين وشهداء في طليعة الشهداء وشعراء في الصف الأول من الشعراء.

وكما غلت نساؤهم الزيت ودلقته غسيلنا على العدو الصهيوني حين جاس خلال الديار. فقد غلت قريحتهم بالشعر المقاوم فصبوه حميماً على ذلك العدو. وأهابوا بأهلهم فإذا كل مواطن مقاوم وإذا بكل قافية قنبلة. فيا للزيت يغلي كالدهن ويا للشعر يرق حتى يصبح أحدّ من السيف».

فمن ديوانه حصاد الثمانين نقتطف هذه الثنائيات:

هي الحياة حقول نحن نزرعها بالشوك حيناً وحيناً بالرياحين
من يزرع الحقل شوكاً في شيبته سيحصد الشوك حتماً في الثمانين

«صدى الأعماق»

عنيت بالأمس ألحان الشباب على أوتار حي، وأحلامي وأشواقي
واليوم انشد أنغام المشيب على أصداء عمري ومن قلبي وأعماقي

«هويتي»

أيها السائل عن أصلي، وعن مستوى شعري، ومنحى أدبي
أنا، من عامل، أسمو أدباً ولأم الغاء يرقى نسبي

والشاعر من روّاد ندوة «العليه» التي تعقد في قرية مجدل سلم برعاية العلامة السيد أحمد شوقي الأمين، ويقول الشاعر أنه عندما عرّج لزيارة العلامة السيد محمد حسن الأمين في دارته في ديركيفا ولم يجده ترك له أبيات نقتطف منها:

شوقي إليك: تضوُّر وتعطُّش وعطش الرضيع إلى ثدي المرضعِ
ها قد أتيت إلى ربوعك هائماً كيما أبرّد في حماك توَلّعي
لم ألف غير أطايب وأزاهرٌ من نرجس وبنفسج وسكوكعِ
والروض شفّ دوالياً دوانياً صوان بين معرِّش ومشرّع
والورد والريحان يزهو عابقاً والطير بين مزقزقٍ ومسجِّع
يا سيِّداً حمل المهابة والتقى علماً يرف من الأشم الأروع
إن في القريض: فأنت قطب عكاظة أو في البديع: ففيك سرّ المبدع
أنت المعلّى، رائداً ومحلّيا جاز السماك، كشاعرٍ ومشرِّع!

وكان شاعرنا فجع في العام 1988 بفقد نجله البكر عصام وكان في ريعان شبابه ففاضت نفسه بهذه الأبيات المعتصرة ألماً ولوعة وحسرة وكانت شقيقة الشاعر غادة قد توفيت قبل أشهر:

يا قلب ما فعلت بك الأيام عصفت بك الأرزاء والآلام
بالأمس شيّعت الصبايا غادة واليوم شيّع بالقلوب، عصام
ولدي الحبيب كفى بفقدك أنني صفو الحياة بها عليّ حرام
لا خير بعدك في حياة ملؤها كدرٌ وهمّ دائمٌ وسقام

وله في نفس المناسبة هذين البيتين:

ولدي وإن شطّ المزار ففي الحشا كبد مع الدمع السخين تسيل
فإذا فأيت ظرّى فأنت في طيّ الجوارح قاطن ونزيل

أما في الوطنيات فنقطف هذين البيتين من قصيدة أباة الضيم:

هبّوا بني وطني إلام نياما نحيا بعزّ أو نموت كراما
أولستم خلف الآلى قد حلّقوا وبنوا على هام النجوم مقاما

وعندما عاد من السنغال بعد سبعة وثلاثين عاماً من الهجرة وألقى عصا الترحل على حدّ قوله وكان ذلك مطلع العام 1975 بداية الحرب الأهلية اللبنانية – لسوء حظ شاعرنا – فإن الخراب والدمار الذي لحق بالوطن أحبط الأمل الذي كان يمنّي به نفسه بعودة مظفرة حميدة إلى ربوعه فقال متأسّياً:

إيه يا موطن الحضارة مالي لا أرى في سماك غير الضبابِ
كيف عاد الحداء آهاً وشجواً وهديل الحمام نعق الغرابِ
إن أعد مجهد الفؤاد فحسبي أنني اليوم عائد لترابي

الجمال العادي

غير أن حياة شاعرنا لم تكن كلّها حزن وألم فتقلّب الأيام سمة الدنيا «يوم لك ويوم عليك» وكان لأبي عصام يوم أرّخه بقصيدة رائعة وذلك بعد مشاهدته على شاطئ بحر أفريقي يرتاده السؤّاح حساناً غيداً يستجممن ويستحممن عاريات فكان لهذا المشهد وقعٌ طريف على شاعرنا الذي أراد لهذه المناسبة أن تكون امتحاناً لشخصه فهو ابن نشأة قروية محافظة دينية من جهة ومن جهة ثانية مطعّمة بثقافة المهجر التي لا تستغرب كل غريب:

عَبَث البحر بالنهي والوقار ومضى الموج بالحيا والعذار
يا لَتلك الصدور وهي عَوارٍ صيرتني من الرزانة عاري
أم لتلك الأجساد تنضح ناراً فتحيل القلوب جذوة نار
كأفاعي الجحيم تنفث سحراً وأنا آثم الملم عاري
كيف تقوى على الصمود دروعي كيف أنجو من لجة التيار
أنت قاضي الهوى وحكمك فصل بدعاوى الهوى وحكمك جار
أَفتِنا يا رعاك ربي فإني ضائع في متاهة الأفكار
أفاثم أن تنظر العين حسناً أبدعته يد العزيز الباري
أحرام صيد الغواني؟ وحل صيد قلبي وعفتي ووقاري؟
يا رعى الله عهد ليلى وقيس ولحى الله عهد «جُوجُو» وماري!

* رسالة من الإمام السيد موسى الصدر إلى الشاعر أحمد محمد سعد:
أخي الكريم: أنت مع كل هذا في مهجرك معمر لا مستعمر أخ للمواطن لا مترفّع محتفر بهذا كله، لا يمكن أن أنساك أبداً كما لا أتمكن من شكرك على كريم عاطفتك وضيافتك، وبهيج استقبالك واحتفالك، وسخي مساهمتك وكثير تفاعلك من خلال فترة إقامتي عندك.
…وإني أسأله تعالى أن يجعلني شاعراً بواجبي تجاهك، مؤدياً أمانتي متحملاً مسؤولياتي، وللدفاع عن حقوقك وأن أتوقف لتجديد زيارتك وتكرار الاتصال بك.
 

إعداد: وسام الأمين

السابق
الشاعر نايف حمادة صوّر بشعره روح الجنوب
التالي
مايكل دبغي لم يحقّق حلم.. العودة