كي لا نخدع انفسنا

يبدو أن عقولنا قد اضطربت وإلا فكيف نستطيع أن نُفسر أن دولة اسرائيل مستعدة لاطلاق سراح 400 مخرب، وبينهم عشرات قتلوا اسرائيليين بأيديهم حقا، والاختلاف في عدد القتلة الذي سيضطرون الى أن يسكنوا لفترة محدودة بطبيعة الامر، خارج يهودا والسامرة؟ ولا تقل عن هذا إدهاشا، حقيقة أن استطلاعات الرأي العام تشهد بأن أكثر الجمهور يؤيد الصفقة التي تتبلور حتى لو استجابوا لمطالب حماس، وهذا ما يُبين لماذا عاضد عدد من المسؤولين السابقين من الشعبة الامنية ـ المشهورة ـ مطلب اتمام الصفقة من دون صلة بثمنها تقريبا.

ولا تصدق ايضا حقيقة أن قادة المؤسسة الامنية التي تتولى عملها متحدون على رأي أن الصفقة السابقة لاستبدال تننباوم وجثث الجنود بقتلة أقل كثيرا أفضت الى قتلى اسرائيليين، وأن اطلاق سراح 400 مخرب سيسبب قتلا آخر لمدنيين اسرائيليين. هل يُسوغ اطلاق سراح جندي أسير موت جنود ومدنيين آخرين في المستقبل؟ وماذا عن الجنود الذين سيضطرون الى تعريض أنفسهم للخطر في مطاردتهم المطلقين الذين سيعاودون طريقتهم، وجمهور الشباب الذين سيشجعهم اطلاقهم فيحاولون تقليدهم؟

والى هذا، ماذا عن شعور العدل وقليل من الانتقام يصحب ذلك في أن من سلب حياة واحد منا بقسوة سيتعفن في السجن حتى نهاية حياته؟ اذا تفضلت حماس بقبول اقتراح حكومة اسرائيل، فسنرى مرة اخرى عشرات من قتلة الاسرائيليين يستقبلهم أبناء شعبهم بابتهاج. في الجولة القادمة التي ستأتي مثل سابقاتها ولن يساعد كلام متان فلنائي الفارغ، سنرى ايضا منفذي العملية في ايتمار يفرج عنهم لاحتفالات نصر مع سائر قتلة الاسرائيليين، ويكون الدرس الواضح أن دمنا مشاع وان من ذبح طفلا في مهده يحرر بعد بضع سنين في السجن كأنه سرق شيئا لا قيمة له.

يقول السابقان ليبكين شاحك وبيري، في هذا إننا سنستجيب لمطالب حماس بشأن شاليط غير أنه ستنشأ لجنة تُعد تفصيلا يحدد الثمن الذي تكون دولة اسرائيل مستعدة لدفعه منذ الآن فصاعدا ـ كم قاتلا يساوي جندي حي ومواطن حي ومواطن ميت وعامل اجنبي وجثة جندي وهكذا. لكن سُئل الاثنان ماذا سيحدث اذا لم تتفضل حماس بقبول التفصيل الاسرائيلي. في هذه الحال، أجابا بسلطة ستنشأ لجنة امور شاذة.
قد نكون نخدع أنفسنا لا أحد آخر. إن قائمتنا التفصيلية ستكون نقطة بدء فقط وتعلمون أن قوة السوابق أقوى أكثر من قوة نقاط البدء.

ستقوى المفارقة لأننا نحتجز آلاف السجناء الذين لهم أقرباء في الجانب الثاني من الجدار، بيد انه في حين يُسجن جندينا في عزلة، يمكث قتلة يهود حكم عليهم بأربعة مؤبدات في جماعات كبيرة في رفقة اخوانهم، ويكون لهم الحق في الكتب والصحف والزيارات العائلية والاصدقاء والتمتع بالتدخين وتناول الطعام والثرثرة معا عن الثورة.

كل ما يجب علينا أن نفعله هو أن نعطيهم بالضبط لا أقل ولا أكثر، ما توجبه وثيقة جنيف. يا سيدي رئيس الحكومة، إن منع الاجازات الجامعية مهما يكن مؤلما غير كاف. ينبغي اعلان أن القتلة المحكوم عليهم خطرون وأن يمكثوا في عزلة مطلقة في زنازين صغيرة وأن يُسمح لهم بأن يلتقوا مرة كل بضعة اشهر كما توجب المواثيق الدولية، الممثل السويسري لفرع الصليب الاحمر المحلي ليثرثر معهم عدة دقائق بالعربية بلهجة خاصة بالمندوبين السويسريين. إن اساءة شديدة الى هذا الحد لشروط سجنهم ستفضي بطبيعة الامر الى شغب شديد بين السجناء وهو أمر يقتضي تجنيد مئات السجانين وبناء سجون جديدة، لكن هذا العمل سيضغط على حماس ضغطا يفضي بها الى قبول اقتراح أقل كثيرا من ذلك الموضوع على مائدتها.

السابق
عرقجي: القرار الظني مسيس
التالي
أبو مازن.. لماذا يصر على التحطم؟