سفير الشعر الجنوبي العاملي الشاعر محمد علي الحوماني

 هو علم من أعلام النهضة الأدبية في جبل عامل وقد أصبح «الحوماني» كما يحلو للجنوبيين ترداد اسمه اختصاراً، عنواناً للشعر للعاملي وبات ميزاناً يقارن به كل شاعرٍ في زمنه إذا ما زين أو قورن، كما أصبح رمزاً للموهبة الشاعرية وطول الباع في إحكام بنيان القصائد الغر وتأصيلها.
ولد في حاروف سنة 1896 ، وتلقى علومه الإبتدائية في النبطية، وعام 1922 ارتحل إلى النجف الأشرف حيث درس الفقه والأصول، والبيان والمنطق على النخبة من أعلام الجامعة الدينية الكبرى، وإثر داء ألمَّ به عاد إلى لبنان، وقد اشتغل بالتدريس مدة طويلة أستاذاً للأدب العربي في الأردن والشام، وفي كلية طرابلس، وأصدر عدة كتب ودواوين شعرية قيمة، منها «دين وتمدين»، و«نقد السائس والمسوس»، و«أنت أنت»، و«النخيل»، و«حواء» وغيرها، قاد الحركة الاجتماعية، وأسس جمعية الإصلاح الخيرية ومدرستها، وأنشأ مجلة «العروبة» التي كان لها الأثر البليغ في إثارة الأفكار وبعث الهمم، وهو صاحب مواقف شعرية وخطابية اهتزت لها أعواد المنابر في سائر بلاد العرب، فقد جاب العواصم والمدن، والمهاجر الإفريقية والأميركية وكان صاحب الصوت الداوي، والبيان الساحر والشخصية القوية، وفي عام 1939 – 1940 أسهم مع السادة: عبد الله المشنوق، والدكتور عمر فروخ، والدكتور محمد خيري النويري في إصدار مجلة الأمالي، كما أسهم أخيراً في تحرير جملة من صحف القاهرة، وله مناظرات وردود ومطارحات مع جملة من أدباء العرب منهم الفيلسوف أمين الريحاني، والكاتب المعروف أديب التقي، وأعضاء الرابطة القلمية في نيويورك وسواهم.
امتاز بهذه الإحاطة والشمول لنواحٍ متعددة، فهو الكاتب العالم، والأديب الاجتماعي، والخطيب المفوه، والشاعر الملهم الموهوب، توفي في 18 نيسان سنة 1964 ودفن في بلدته حاروف.
نماذج من شعره:
مهنة الأديب
كم ذا أنظم شعراً وراحتي منه صفر
لم أدرِ والشّعر فني إن الخصاصة شعر
يامن ترى الجهل فقراً العلم عنديَ فقر!
مالي أرى الرّزق طيراً له الجهالةُ وِكرُ
فلم تقعْ قط عينيْ عليه إلا يفرُّ
أراه لكن خيالاً على جفوني يمرُّ

ألف شمس
ربما أنضج التجارب درسي لثلاثين من سنيي وخمس
ولقد تكشف الغطاء ليومي عن مآتي غدي بصيرة أمسي
كم أذود الكرى وأنشد حظي بين ناب من الزمان وضرس
وأعاف المبيت بين نهود وشفاه من الكواكب لعس
ضاق بي مرحب القضاء فما أصبح إلا على قذى حيث أمسي
رب يوم ذممته تحت ليل طالعتني من أفقه ألف شمس
أحرقوني بعد الممات إذا لم يبن من دارة الكواكب رمسي
من شعره الغزلي قوله:
أحبك فاسقني بكفيك شربة من الماء صرف الماء واقتربي مني
ولا تمزجي بالدمع كأسي فلم أصن دموعك في قلبي لاشرب من جفني
أحبك وأجنِ لي بخديك زهرة من الروض ما شاءت لحاظك أن تجني
أحبك وأحكِ لي بعينيك قصة عن السحر عما فيه من عجب الفن
ولا تسألي الفنان عما يصوغه فقد خفقت روحي به وروت عني
أحبك وأمشِ بي مع الفجر لحظة إلى غرد يشدو على وتر الغصن
ولا تسأليه ما الذي هز عطفه فقد فر من صدري وعشعش في دني
أحبك وأصغِ لي أحدثك ساعة عن الدمع في الأوتار والدَّم في اللحن
أحدثك عن روحي وروحك في فم يقول ليَ اشرب إذ أقول لهُ عنِّ

بين شاعرين
أرسل الشاعر الحوماني للسيد عبد الحسين محمود الامين يطلب منه فحماً للوقود فأبطأ، فكتب له هذين البيتين:
وقفت نفسي على ثناء عليك نثراً بدا ونظما
(أهديك) درّاً فهل تراني أراك تهدي إلي فحما
فأجابه السيد بهذه الأبيات:
يا شاعراً في اليم برد أرجفت فيه وما ألمّا
فليتني ثائراً لأهدي بيتي (لبيت الأديب) فحما
سأنثر الفحم في حماكم فاغنمه نثراً أتى ونظما!
وبعثت درّاً به لغير الفحام – فازدد – هديت – فهما
وأخلف السيد عبد الحسين ما وعد به الحوماني من الفحم عن قصد فكتب إليه الحوماني:
ظننت أن لا وفاء إلاّ عند الثريا – وعند ظني –
صدّقت حدساً فيه فكان منكم وكان مني
فأجابه السيد مشطراً ومخمساً ووفى بوعده:
«التشطير»
(ظننت أن لا وفاء إلاّ) لديك والظنُّ ليس يغني
وكان ظنّي بأنك راقٍ (عند الثريا – وعند ظني)
(صدقت حدساً حدست فيه) إذ رحتَ في فحمِنا تغني
أسأت فيه إلى القوافي (فكان منكم وكان مني)
«التخميس»
زعمت ما قد زعمت جهلاً فقلتُ جدّا وقلتَ هزلا
أمعجبا بالقريض مهلا (ظننت أن لا وفاء إلاّ)
لديك والظن ليس يغني
تفديك نفسي أأنتَ باق على ودادٍ بلا نفاقِ
أخلفت ظني لدى السّباق وكان ظني بأنك راقِ
و(عند الثريا وعند ظني)
أهنتَ في شعرك البديهي بغير ذنب: من تصطفيه؛
يا من يغنّي بملء فيه (صدقت حدساً حدست فيه)
إذ رحت في فحمنا تغني
بُنيت طبعاً على الخلاف منكم أصافي وكم تُجافي
أخو يراعٍ أخو اعتساف أسأت فيه إلى القوافي
(فكان منكم وكان مني)
فأجابه الحوماني وقد وصل الفحم فتيتاً وندياً من المطر غير بالغ نصف ما وعد به:
بثلثِ ما قد وُعدت فيه بعثتَ لكن فَتيتَ فحم
أظنُّكم قد لمستموه فجاء منكم نديّ جسمِ
فهل بعثتم به مداداً أخط فيه رقيمَ نظمي
لله نظم جررت فيه عليَّ حرباً بغير سلم
وأي نظم نسبتَ فيه إليَّ جهلا (بغير علم)
وكم (نفاق) أخذت فيه أخاك لكن بغير جرم
بعثتُ فيه وقد براني كانون سقماً فزدت سقمي
وأوسعتني الوشاة همّا بما افتروه فزدت همّي
نفضتُ كفي أمس مما وُعِدت لكن بغير عزم
فابتعْتُ فحماً بغير كَسرٍ وغيرِ ماء وغيرِ ذمِّ
أحمدَ ربي إلى أناسٍ غُنيت عن فحمهم (بفحمي)
وفي جلسة شعرية أمام «نوفرة» في سنة 1925 قال الحوماني:
و«نوفرةٌ» إن صعدت من ثقوبها تناثر من أسلاكها حُبَبُ الدَّرِ
رأت فوقها بدر السما فتطلّعت إليه ومن شوقِ مدامعها تجري
ومذ أيقنتْ أن لا لقاء تراجعت ممثِّلة في قلبها صورةَ البدرِ

لكلّ شِعر مَأثور مُناسبة
وحدث أنّه شكا، يوماً، من ألم في ضرس له منخور أراد خلعه، وقصد طبيب الأسنان الدكتور أديب مظهر لهذه الغاية. وكان أديب مظهر هذا أديباً وشاعراً وصاحب مواقف وطنيّة. فقيل للحوماني إن الطبيب توجّه إلى ساحة الشهداء للاشتراك في مظاهرة تطالب بحلّ المجلس النيابي. فما كان من الشاعر الحوماني إلاّ أن تناول قصاصة كتب عليها بيتين من الشعر وتركها في عيادة الدكتور مظهر، قال:
قد جئتُ أخلعُ واحداً من أضرُسي فإذا الطبيبُ مضى لخلع المجلسِ
يا حَبَّذا أَلمي.. ليبرأ موطني من كلِّ منخورِ الضميرِ، مُسَوِّسِ
 

السابق
بلمار: يمكن للمدعي العام أن يقدم قرارات اتهام إضافية
التالي
الشاعر نايف حمادة صوّر بشعره روح الجنوب