الشاعر نايف حمادة صوّر بشعره روح الجنوب

 رحل في الشهر الأخير من العام 2007 المنصرم شاعر اللغة المحكية الجنوبي نايف حمادة، عن عمر ناهز الستين، إلاّ أن رحيله المفاجئ خلّف الحسرات ليس فقط في قلوب أفراد أسرته وأهل قريته ومحبيه في ديركيفا القرية الجنوبية الوادعة، بل أيضاً في نفوس كل من أحبّ شعره اللطيف الرشيق الحلو المعاني، والمنمَّق الألفاظ، والزاخر بالعاطفة النبيلة الصادقة.
«نايف حمادة شاعر هذا الديوان مدرسة تقوم بذاتها ولعله يكاد أن يكون نسيج وحدة، فتح عينيه على الدنيا في أواخر الأربعينات لأبوين يعملان في الزراعة، وهكذا اكتحلت عيناه منذ بدايات الطفولة بحب الأرض وليلتصق بها مسكوناً بتلك الأحاسيس الجميلة التي تسكب في الأشياء أحلى الأمنيات وأروع المعاني».
بهذه الكلمات قدّم المربّي الأستاذ محمد نور الدين في مقدمته عن الشاعر الرّاحل نايف حمادة في ديوانه الأخير «ديوان سبائك الذهب».

جوقات الزجل الشعبي
تنقّل شاعرنا بين الجوقات الزجلية وكانت تجمعه حفلات حاشدة مع الشعراء: أنيس الفغالي، خليل شحرور، زين شعيب، نقولا حنّا، رفعت مبارك، جورج أبو أنطوان وآخرين.. انتسب إلى نقابة شعراء الزجل في لبنان منذ تأسيسها وحاز على الكثير من التنويهات من وزارة الثقافة ومن المستشارية الثقافية للسفارة الإيرانية في بيروت.
وتكريماً للشاعر الراحل وبرعاية وزارة الثقافة اللبنانية سوف يقام حفل تكريم وتوقيع لكتابه «ديوان سبائك ذهب» في 13 حزيران 2008 في قصر الأونسكو وذلك بحضور جمع غفير من أعلام الأدب والثقافة إضافة إلى أهل وأصدقاء ومحبي الشاعر الراحل.

مختارات من شعره:
وتحت عنوان جنوبيات اخترنا باقة من شعره الوطني ونثرات من أبيات وجدانية تفيض حبّاً بالأرض وتعلّقاً بالجذور الطيبة والمهج المعطاءة فالأرض هي غرامه الأول عندما يقول:
لا تسألوني بشو أنا مغروم كل الألي من العمر ترجايي
إرجع على الضيعة ع أحلى كروم عا أرض بدها زرع وسقايي
بحقولها متل الفراشة حوم ونقي ع ذوقي الزهر تنقايي
حتى أنّ دمه ليس سوى عناقيد أرضه المعصورة:
دمّي العناقيد وأنا المعصور بحزني سكبوني حب وسقوها
من بين عشاق الصبا والحور خمرة بلا كاسات شربوها
وفي وصف بيته القروي فإن العاطفة والذكريات المجبولة رقّة وحساسية تظهر في هذه الأبيات:
البيت اللي رباني تنعشر عام بقناطرو بدلفو بداخونو
بصوت المزاريب العليها نام خدّي ودفاني ع كانونو
بيسوى قصور ومملكة حكام مطرح ما كانوا ومين ما يكونو
وفي ذكرى تحرير الجنوب في 25 أيار عام 2000 كانت لشاعرنا الراحل في هذه المناسبة الجليلة قصيدة تؤرِّخ النصر المهيب
أيار لما زهّر مطلو سنونو ربيع وحب عاحلو
بمحراب قندول الروابي صار يأذّن علي وقلوبنا يصلّو
ومن قبل أيار وبعد أيار بحيي النصر والسامع بقلّو
بجرح الطفل وبدمعة الختيار رسمنا العلم يا واقف بظلو
بواريد عشق مشكّله بقمار كانوا من شبابيكنا يطلوا
بريحان صافي يكتبوا أشعار وكتر مارقّ الليل وتجلوا
طلعنا من عيون الشمس دوّار شمس وكتر ما سيوفنا نسلّوا
الأرض العطيناها الحياة بذار طلعت سنابلها بيارق عز
مطرَّز عادايرها الوطن كلّو

من رائحة الأرض
ومن إحدى روائعه الوطنية العابقة بالعاطفة العاملية المجبولة برائحة الأرض والخضرة يقول:
يا أهلنا البتضحيه شمختوا لما بوجه الغاصب صرختوا
مش بس رسختوا وطن أمجاد أنتوا حياة المجد رسَّختوا
يا مدوّخين السِّحر بالإفساد وإلاّ بلحن النصر مادختوا
الوديان لبستكم ثياب جداد ومتل العشب بالأرض فرّختوا
الأرض العاحبّ ترابها معتاد وياما عمل من شوكها تختو
بيشيل من حزنو لها أعياد وحيّو الشجر والداليه أختو
وفي صورة رائعة لمنظر ضيع الجنوب المعلّقة على روابي جبل عامل يقول:
يا ضياعنا يا نجوم مشرورة مطرح ما في علّيق ونهورة
إلها عصافيرك بها الوديان حكاية عشق مع كلّ زعرورة
يا ضياع شقت عتمة النسيان وصارت قمم ورجالها نسورة

متل الغصن والعصفور
أما شعره الغزلي فقد اتّصف بالعاطفة العفوية وبالرقّه الجذابة بما يشعر القارئ أن شاعرنا الراحل كان عاشقاً حتى آخر العمر الذي أراد سبحانه وتعالى ألاّ يكون مديداً ولكنه زاخراً بالحب والعطاء والتفاني فهو يقول:
كلما صباح الخير قلتيلي ومن هموم قلبي هم بتشيلي
ومنصير مثل الغصن والعصفور تتكتكلك وعالتكتكي تميلي
كل الدوالي وخمرها المعصور ما يدوخ فيها ولا بتغنيلي
وتاضل إسكر من عيون الحور كلما يقفّي كاس صبيلي
ومين قال بتكون السعادة قصور؟ يامين خيمة قش يبنيلي
جيرانها يكونوا شجر وطيور قبل الفجر توعى تغنيلي
ومن حولها ضو القمر بيدور وبسقفها معلّق مقابيلي
وفي السياسة كان للشاعر المراحل نايف حمادة صولات وجولات ففي قصيدته المعنون «سايكس بيكو» يقول:
لبنان ما هزّوا مداميكو ولا فكروا ضربوا وتفكيكو
إلاّ صحاب الحقد والغايات أعوان بوش الابن وشريكو
مش عن محبة وعشق للأرزات جمر السيادة تم تحريكو
نحنا ينعرف في أنانيات وكلمين عم يعمل بتكتيكو
تايقسموا لبنان كانتونات وكل طايفي تتقوقع بكانتون
ونترحّم على سايكس وبيكو
وفي مبارزة جبليّة بين المرحومين شاعر الأرض والحب نايف حمادة وشاعر الفخر زين شعيب بادره شاعرنا بالقول:
يا بو علي عاخنصرك مش مشكلي سبعين سبعة وتسبع وتخلع ولي
كنت بزمانك عازمانك تعتلي وتطوي السباع وعبستك نعش البلي
تفكّر تجاعيد الكبر عاجبهتك بيخمنو عا الناس عبسة مرجلي!
فأجابه زين شعيب:
رضيت بتجاعيدي عاجَبْها محنَّكي عبسة أسد قفوة عرينو مملكي
بإسف يا نايف قول عنك مش ذكي وإحكي بحقك مثل ما غيري حكي
لما الأسد بالغاب كبرت شيبتو صفّا لأفواه الأرانب مضحكي!
 

السابق
سفير الشعر الجنوبي العاملي الشاعر محمد علي الحوماني
التالي
هجرة وهجير ومعركة الشاعر أحمد سعد