الراي: بيروت «تربط الأحزمة» في ملاقاة… القرار الاتهامي

 بدا لبنان وكأنه يقف فوق «فوهة»… القرار الاتهامي في جريمة اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري وسائر «القضايا» المتصلة به، كالموقف المحتمل للحكومة من بند التعاون مع المحكمة الدولية في بيانها الوزاري، ومصير الحكومة برمتها في ضوء القرار المرتقب صدوره من لاهاي، وارتداداته على لبنان، الدولة والشعب والحياة السياسية والمؤسستين القضائية والعسكرية، اضافة الى ما يمكن ان يشكله من «وقائع جديدة» على المستويين الاقليمي والدولي.
وفي وقت لم تشأ اي جهات محلية او دولية تبني اي من الروايات الكثيرة والمتناقضة عن موعد صدور القرار الاتهامي، فان وهجه العاصف بدا يحضر من زاويتين مختلفتين، واحدة تكاد ان تقلب الطاولة في لجنة صوغ البيان الوزاري نتيجة خلاف جوهري على بند المحكمة الدولية، يهدد استمراره في انفجار حكومة الرئيس نجيب ميقاتي من الداخل وسقوطها، وثانية ترتبط بـ «السيناريوات الافتراضية» لطرفي الصراع في ملاقاة القرار الاتهامي الذي اشيع عن انه سيتهم عناصر من «حزب الله» بالتورط في اغتيال الحريري.
هذا «العصف الاستباقي» للقرار الاتهامي حضر في المقرات الرئيسية كالسرايا الحكومية ومبنى البرلمان وخيم على اجواء ما يشبه «خلايا الازمة» لتحالف «14 آذار» المعارض و«حزب الله»، اضافة الى انه فرض نفسه في كواليس المؤسسات الرسمية المعنية كالقضاء والجيش واجهزة الامن. فالجميع بدوا كأنهم في حال «التدبير رقم 3» تحسباً، بعدما قيل الكثير عن ان القرار الاتهامي قد يصدر خلال ايام، قد تقصر او تطول لكن الاكيد ان لبنان دخل مدار هذا القرار كتطور بالغ الخطورة والحساسية.
وقالت اوساط ديبلوماسية عربية في بيروت انه بغض النظر عن الموعد الدقيق لصدور القرار الاتهامي وآليات تبلغه الى لبنان، فانه سيشكل حدثاً زلزالياً قد يفوق التوقعات لما قد يشتمل عليه مضمونه من معطيات تتجاوز ما كان اشيع من تسريبات حول محتواه في مراحل مختلفة من عمر التحقيق الدولي المستمر منذ اعوام، وهو الامر الذي يجعل من الكشف عنه تطوراً يصعب التكهن بمفاعيله.
غير ان اوساطاً اخرى في بيروت بدت اكثر ميلاً الى القول ان القرار الاتهامي الذي كان «اعلن» قبل صدوره عبر التسريبات الاعلامية من جهة و«الحرب الاستباقية» من «حزب الله» عليه، تحول «رصاصة مطاطية» يمكن ان يخدش من دون ان يجرح في اشارة الى ان نجاح «حزب الله» في تهشيمه في المرحلة السابقة افقده الكثير من وقعه الصادم، وتالياً فان ارتداداته ستكون «تحت السيطرة».
هذه المفارقة المتباينة للقرار الاتهامي الذي يشق طريقه الى بيروت لم تحجب الانظار عن المعركة الحامية التي تدور على تخومه داخل لجنة صوغ البيان الوزاري التي «لم تجرؤ» حتى الان على مناقشة بند المحكمة الدولية على الطاولة، حيث تقتصر «المفاجئة الصعبة» في شأن هذا الملف على القنوات الخلفية بين ميقاتي و«حزب الله»، وسط معلومات عن خلاف جوهري على هذا المستوى تجرى محاولات لتفكيكه يشارك فيها الزعيم الدرزي وليد جنبلاط.
والاكثر اثارة في هذا الاطار جاء تحذير رئيس البرلمان نبيه بري الذي ذكر بان انقضاء مهلة الـ 30 يوماً لاتفاق الحكومة على البيان الوزاري يجعلها مستقيلة، ويفتح الباب تالياً امام استشارات نيابية لاختيار رئيس لتشكيل الحكومة، الامر الذي اثار موجة من التساؤلات حول احتمال سقوط حكومة ميقاتي بـ «ضربة» البيان الوزاري او عدمه مع اجتياز اكثر من نصف مهلة الـ 30 يوماً.
هذه المناخات المفتوحة على احتمالات غامضة ساهمت في «ربط الاحزمة» في بيروت الى يحكمها «الانتظار الثقيل» للاستحقاق الاخطر منذ اغتيال الحريري ـ الاب في 14 فبراير من العام 2005، والمتمثل بالقرار الاتهامي كحدث لبناني واقليمي ودولي سترسم في ضوئه ملامح مرحلة صدامية ربما تكون اكثر مأسوية في لبنان.
في موازاة ذلك انهمكت بيروت بمجموعة مواقف معبّرة عكست تصاعُد الاحتقان «العمودي» بين 8 و 14 آذار وتصاعُد وتيرة «الكباش» ضمن فريق الأكثرية على خلفية سبل بت بند المحكمة الدولية. وهذه المواقف هي:
* دخول بري على خط «الضغط» للاسراع في انجاز البيان الوزاري، قارعاً «ناقوس» مهلة الثلاثين يوماً التي تملكها الحكومة لبت هذا البيان منذ صدور مرسوم تشكيلها والتي تنتهي في 13 يوليو.
وحرص بري على تأكيد ان الـ 30 يوماً هي «مهلة إسقاط وليست مهلة حث»، لافتا الى انه «في حال أخفقت الحكومة في وضع بيانها الوزاري قبل 13 المقبل، تصبح حكما مستقيلة وتتحوّل حكومة تصريف أعمال، ما يستوجب عندها إجراء استشارات نيابية جديدة لتكليف شخصية بتشكيل الحكومة».
واكد امام النواب الذين اجتمع بهم في «لقاء الاربعاء» أن هناك جهوداً مكثفة وحثيثة للاسراع في إنجاز البيان الوزاري تجري في غضون الايام القليلة تمهيداً لمثول الحكومة أمام المجلس النيابي من أجل نيل الثقة. وقال: «لست خائفاً رغم كل هذا المناخ الضاغط على لبنان وإن شاء الله سيتجاوز كل الصعوبات والضغوط التي نتعرض لها»، ملاحظاً «أن هناك ما يشبه السباق المفتعل بين القرار الاتهامي الذي يكثر الحديث عنه كلما اقتربنا من الحلول وبين البيان الوزاري»، مشيرا الى «أن ذلك يندرج أيضاً في إطار التشويش وإعاقة مسيرة الدولة وانطلاقة الحكومة».
* تأكيد ميقاتي «استمرار الاتصالات مع كل من بري و«حزب الله» والنائب وليد جنبلاط من أجل التوصل الى صياغة مشتركة للفقرة المتعلقة بالمحكمة الخاصة بلبنان في البيان على قاعدة التزام لبنان قرارات الشرعية الدولية وعدم القيام بأي خطوة تعرض لبنان للآخطار، وفي الوقت ذاته حماية واقعنا اللبناني الداخلي وسلمنا الأهلي».
أضاف «ان لبنان لا يمكنه الخروج على الشرعية الدولية خصوصا أنه أحد مؤسسي الامم المتحدة وعضو في مجلس الأمن، ولكن علينا أن نقارب كل المسائل بهدوء. أنا لا أنظر الى موضوع المحكمة من منطلق الدفاع عن فريق دون آخر بل أنطلق من مقاربة واحدة متوازنة تأخذ في الاعتبار مصلحة لبنان واللبنانيين».
وعن قول بري ان مهلة الشهر لانجاز البيان الوزاري هي مهلة إسقاط، رد: «لن أدخل في جدال حول دستورية هذا الموضوع، لكن الأكيد أنه، إذا لم نتوصل الى وضع البيان الوزاري لدى انتهاء المهلة الدستورية، فإنني سأتخذ الاجراء الذي يمليه عليّ احترامي للدستور وقناعاتي الوطنية».
وعما يشاع من أنه يجري اتصالات خارجية لتأخير إصدار القرار الاتهامي، قال: «في الاساس لم نتبلغ أي معطيات عن موعد صدور القرار وكل ما يتردد في هذا الاطار يبقى في إطار التسريبات والمواقف الاعلامية. أما ما يقال عن قيامي باتصالات لتأخير إصدار القرار فهو كلام عار الصحة جملة وتفصيلا، خصوصا أنني أكدت أكثر من مرة ان لا دخل للبنان بعمل المحكمة الدولية لأنها هيئة قضائية مستقلة بموجب قرار صادر عن الأمم المتحدة».
* تحذير الأمانة العامة لقوى «14 آذار»، غداة اجتماع قادتها مساء اول من امس حيث بحثوا في آفاق المرحلة المتصلة بصدور القرار الاتهامي، الحكومة من «مغبّة الإقدام على موقف يتعارض وإرادة اللبنانيين في تحقيق العدالة إنصافاً للشهداء وتأكيداً على ارتباط السلم الأهلي ومستقبل الدولة بهذه العدالة، كما يضع لبنان في مواجهة مع الشرعية الدولية وقراراتها، لا سيما القرارين 1757 (انشاء المحكمة الدولية) و1701»، ومؤكدةً أنها «ستتصدى بحزم لأيّ محاولةِ تنصّلٍ من هذه الإلتزامات جميعاً».
واعلنت الأمانة العامة بعد اجتماعها امس أنه «تأسيساً على موقفها المعلن من حكومة النظام السوري – حزب الله، واستناداً إلى ما برز من مواقفها وأدائها منذ تشكيلها»، تجدّد «تصميم 14 آذار على مواجهة حكومة إعادة لبنان إلى الوراء، بمعارضة سياسية – شعبية ديموقراطية سلمية شاملة».
يذكر ان زعيم «التيار الوطني الحر» النائب العماد ميشال عون كان اعلن اول من امس ان الحوار في موضوع المحكمة «محصور بين رئيس الحكومة وحزب الله»، متسائلاً «لنفترض ان البيان الوزاري لم يتضمن اي فقرة او عبارة في ما خصّ المحكمة الدولية، فهل ستتوقف المحكمة عن عملها وبالتالي لا يصدر القرار الظني؟ لماذا يتم دائماً تعظيم الامور واستعمال الكلمات المضخمة»؟ 

السابق
فيلسوف النظام … وليد المعلم
التالي
أحمدي نجاد يحذر من اعتقالات في صفوف حكومته