54 منعطفاً قاتلاً في مرجعيون

هل يمكن أن تكون منطقة البقاع الغربي من ضمن «كل لبنان»؟ حيث أن وزير الأشغال العامة والنقل غازي العريضي غالباً ما يستعمل هذه العبارة، واصفاً وزارة الأشغال انها لكل لبنان وليست لمنطقة دون أخرى، وهل تقع هذه المنطقة على خارطة الأشغال لدى مجلس الإنماء والإعمار؟ أسئلة برسم الوزارة والمجلس لا تنجلي الإجابة عنها إلا عندما يرى أبناء المنطقة شوارعهم في حال جيدة، بالحد الأدنى.

طريق القرعون ـ مرجعيون، تربط محافظة البقاع بالجنوب، أمّا حالها، فتكتنفها المخاطر من بدايتها حتى نهايتها، نظراً لصعوبة مسلكها وضيقها وعدم تزويدها بالإنارة والإشارات، وعلامات إرشاد المواطنين والسائقين.

والخطورة الأكبر أن هذه الطريق تشكل خطراً حقيقياً على سلامة المواطنين وحياتهم، نظراً لمرورها في منحدراتٍ جبلية وعرة، ومنعطفاتٍ قاسية جداً، تصل درجات بعضها إلى 180، وعدد هذه المعطفات 54، فإذا «أُنقِذَ مواطن من دب، وقع في جبّ»، وما يكاد يخرج من حفرة حتى يقع في أخرى، فلا ضمان لوصوله آمناً.

صورة المعاناة «الإنمائية» تتكشف يوماً بعد آخر، معاناة جعلت البقاع الغربي أبعد ما يكون من التنمية المستدامة، إذ ان الحرمان «لبص» فيه والتصق.
زفت مكسّر، منعطفات قوية، طرق مظلمة، حفر من جميع القياسات، مفاجآت من جميع الاصناف، تنتظرك على طريق القرعون ـ مرجعيون، وللأسف فإن الطرق الرئيسية والفرعية في البقاع، تتسم بعيوب فنية كثيرة، ويعود سبب ذلك إلى عدم مطابقتها للمواصفات العالمية، وعدم صيانتها دورياً، ما يؤدي إلى وقوع الحوادث وازدحام السير.

وتخضع الطرق عند انشائها إلى مواصفات وعناصر فنية وهندسيّة معينة، متفَّق عليها عالميّاً، وكل عنصر منها شأنه التأثير في سلامة المرور بشكل إيجابي أو سلبي. فعندما لا يجري الالتزام بالمواصفات المحدَّدة، فإن النتيجة تكون سلبية على حركة المرور، وعلى مستخدمي الطريق.

المنعطفات
ومن العيوب الفنية لطريق القرعون ـ مرجعيون، وجود منعطفات شديدة وقاسية جداً، حيث يفقد السائق السيطرة على مركبته، إما نتيجة السرعة غير المناسبة، وإما لعدم تطبيق القواعد الهندسية الضرورية للطريق التي استحدثت قبل الاستقلال، أيام الاستعمار الفرنسي، على أيدي المواطنين والفلاحين «عنوةً»، وكانت تعرف حينها بـ«الكروسة»، حيث لم تراع درجة ميلان معينة للمنعطف من شأنها أن تخفف من تأثير قوة الطرد المركزية، كالمنعطفات القوية المتتالية على هذه الطريق.

الخشن
محمد الخشن، رئيس بلدية سحمر قال لـ«البناء»: «حُدّثَت هذه الطريق مرتين: الأولى في أوائل الستينيات، والثانية، بعد اندحار العدو «الإسرائيلي» عن البقاع الغربي وراشيا في 24 نيسان عام 1985. أما خلال فترة الاحتلال، فقد عمِل على توسيع بعض المنعطفات على هذه الطريق وتعبيدها، بهدف مرور شاحناته وآلياته العسكرية. وبعد زوال الاحتلال عام 1985، زار المنطقة عدد من المسؤولين في الدولة، بهدف الإطلاع على معاناة الناس فيها، خصوصاً أن الحفريات كانت تغزو الطرق».

وأضاف: «خلال السنوات الأخيرة، عُبّدَ جزء من الطريق، بطول 4.5 كيلومترات في بلدة سحمر، وكيلومترين في يحمر، من أصل الطريق التي يبلغ طولها بين سد القرعون ومرجعيون حوالى37 كيلومتراً، ولا تزال تعاني الإهمال».
الطريق الحيوية، ولم نحصد من النواب سوى الوعود التي لم تبلغ الحبر على ورق. حيث هم في غيابٍ تام عن تنمية منطقتنا، وعن تنفيذ مشاريع فيها إسوة بالمناطق اللبنانية الأخرى، باستثناء الوزير العريضي الذي خصّ المنطقة ببعض أشغال وأعمال الزفت»

العمار
«إن عدم وجود إضاءة كافية على الطريق يؤدّي إلى خفض رؤية السائق وقدرته على تقدير المسافات بينه وبين المركبات الأخرى كما يقلل من رؤيته المبكرة للأجسام بوضوح، ما يتسبب بالاصطدام أو دهس المشاة. ومن المؤسف أن هذه الحالة تنطبق على طريق سد القرعون ـ مرجعيون»، حسب قول عادل العمار لنا
وأضاف العمار: «إن هذه الطريق وكما هي الآن، شكلت معاناة كبرى، للمنطقة والعابرين عليها، في الإتجاهين بين البقاع والجنوب، وهو أمر عقّد الحركة نظراً للصعوبة التي يواجهها العابرون، كما أنها قلّصت من الحركة التجارية والإقتصادية والزراعية والإجتماعية، فهي طريق أشبه بالبدائية منذ عشرات السنين، في حين أنها يجب أن تكون خطاً دولياً، لأنها تربط محافظتي البقاع بالجنوب، كما أنها يمكن أن تربط لبنان بفلسطين المحتلة بعد زوال الإحتلال «الإسرائيلي» عنها».
وعن الإهمال الذي يرابط في المنطقة، لفت العمار إلى «أن البقاع الغربي يعاني إهمالاً كبيراً، وحرماناً قاسياً ومزمناً، رافقاه منذ زمن، فالدولة غائبة، والحكومات المتعاقبة أهملته، ونواب المنطقة يتلكأون عن المطالبة في تنميته».

القزويني
«من المؤسف أنه لا يوجد على هذه الطريق إشارات سير على أنواعها: الإلزامية، أو التحذيرية والإرشاديّة أوغيرها، سواء تلك المحدِّدة للسرعة أم المشيرة إلى وجود أخطار معيّنة، أم تلك الموجِّهة لمخارج الطرق ومداخلها ومواقع التقائها، مما يسبِّب الحوادث التي تزهق أرواح شبابنا ». على حدّ قول حسن القزويني لنا.

أضاف القزويني: «إن الطريق الحالية (سد القرعون ـ مرجعيون) تمر وسط أرضٍ جبلية وعرة وأودية ومنخفظات عميقة وضيقة، وتحوي عشرات المنعطفات الخطرة، ولا يوجد عليها أيو وسيلة للسلامة العامة المتعارف عليها عالمياً، من هنا فإن الحاجة ملحّة لوجود أوتوستراد بديل عن الطريق الحالية، يختصر المسافة بين البقاع والجنوب، ويعود بالفائدة على المواطنين مادياً وحياتياً، ويخفف الكثير من تعب الناس ووجعهم».

العيوب غير الفنّية
قد يتمّ بناء الطرق وفقاً للأصول والمواصفات القياسيّة العالميّة، لكن تداخل العوامل الطبيعيّة يتسبب في تغيير هذه المواصفات بشكلٍ دائم، فتظهر التموجات والحفر والتشقّقات في الطبقة السطحيّة نتيجة تغيّر درجات الحرارة والأمطار وغيرها. هذه الطبقة تؤثر في انسيابية حركة الإطارات على الطريق، وقد تدفع هذه العيوب بالسائق إمّا إلى الإنحراف لتجنّبها، أو إلى استعمال المكابح فجأة للتخفيف من وطأة السقوط فيها، وكلا الأمرين يسبب الحوادث الخطيرة.

ومن الأخطار غير الفنّية للطريق والتي تظهر بشكل عارض كالضباب الكثيف الذي يمكن تجنب أخطاره بتحديد الطرق بالخطوط الفوسفورية، بالاضافة إلى الأمطار الغزيرة والعواصف الثلجية والرملية التي إذا ما أضيفت إلى حالالطريق السيئة، فإنها تزيد الحال سوءاً وخطورةً وترفع من احتمالات وقوع الحوادث.

المهندس أسعد
المهندس حسن أسعد قال: «إن استبدال الطريق الحالية بأخرى، واستحداث جسور بدل المنعطفات القاسية، يشكّل اختصاراً للمسافة، ويحدّ من المخاطر، حيث أن الطريق تعاني من ضيقها، ومن كثرة منعطفاتها الخطرة التي تسبب حوادث قاتلة، بسبب مرورها فوق الأودية، ما يؤدي إلى انقلاب السيارات في الأودية العميقة، وإلى حتمية الموت».
أما الإيجابية في هذا البديل يكمن في «اختصار المسافات والتخفيف من التعب والإرهاق لدى السائقين، وإعادة رسم هذه الطريق، لها تبعات اقتصادية حيوية».

الداوود
النائب السابق فيصل الداوود قال لـ«البناء»: «إننا نطالب الحكومة إيلاء الاهتمام اللازم بالبقاع الغربي وراشيا، كما نطالب الوزارات المعنية في الحكومة الحالية أن تولي الاهتمام أيضاً في تنفيذ هذه الطريق وتأهيلها، نظراً لما تشكّله من أهمية على مستوى التلاقي الاجتماعي والاقتصادي والتجاري والسياحي، إذ تعتبر شرياناً حيوياً للمنطقة. ولم تعد أعصاب المواطنين تحتمل النكبات والآلام والمِحَن، والإهمال والوعود الفارغة، والتجاهل والتكاذب، كأن الإنسان لا قيمة له».

السابق
“محبوبة” الجماهير تحرق بنارها القلوب… والشرايين
التالي
مايكل جاكسون.. رجل في المرآة