ميقاتي بين ناري … المجتمع الدولي وحزب الله

فيما بدا واضحاً ان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يخوض كباشاً جدياً للغاية مع «حزب الله» وحلفائه في الحكومة حول ملف المحكمة الدولية والبند المتعلق بها في البيان الوزاري، بدأ هذا التجاذب يكشف المحاذير الجوهرية التي تخوف منها المجتمع الدولي لدى اسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري وتكليف ميقاتي تشكيل الحكومة الجديدة في يناير الماضي.

ذلك ان اوساطاً سياسية في القوى المعارضة كما لدى الافرقاء الوسطيين المشاركين في الحكومة، تجمع على الاشارة الى ان تمسك «حزب الله» بموقفه من تجاهل اي اشارة الى التزام لبنان المحكمة الدولية «بالاسم» ولو عبر صياغة متوازنة ترضي الحزب ايضاً، من شأنه ان يثبت للمجتمع الدولي مخاوفه واقتناعه بان هذه الحكومة هي حكومة حزب الله مع كل ما يعنيه الامر من مضاعفات دولية.

وتقول ان هذا الموقف ادى في خلاصته الى بدء رسم خط بياني خطير لحكومة الرئيس ميقاتي مفاده ان القوى الراديكالية وتحديداً حزب الله وحليفه التيار الوطني الحر بزعامة العماد ميشال عون مقبلان على جعل الحكومة رأس حربة في مواجهة مع المجتمع الدولي سواء لحساب الحزب في ملف المحكمة الدولية او في صراعه مع الغرب او لحساب سورية ونظامها في مواجهته مع المجتمع الغربي.

وتشير الاوساط الى ان هذا الاتجاه المتصلب لـحزب الله في عدم ايراد اي نص حول المحكمة حشر رئيس الحكومة في الزاوية وجعله يواجه احراجاً ضخماً من زاويتين اساسيتين. فمن جهة يدرك ميقاتي حجم ومفعول المضاعفات الدولية التي ستنفجر في وجه حكومته اذا سلم لـحزب الله بما يريده في موضوع المحكمة، ومن جهة اخرى فان تسليم ميقاتي للحزب بشرطه يعني على المستوى الداخلي ضرب موقع ميقاتي وتوجيه اقسى تسديدة اليه في الشارع السني حيث سيبدو بمثابة العوبة بيد «حزب الله». وكلا الامرين لا يقوى ميقاتي على تحملهما او تحمل اكلافهما الثقيلة.

وفي ضوء ذلك، تشير الاوساط الى ان الفرصة بدأت تضيق امام ميقاتي و«حزب الله» اذ انهما يواجهان نفاد المهلة الدستورية لانجاز البيان الوزاري قبل 13 يوليو المقبل حداً اقصى، ولابد من ان يجد الفريقان صيغة توافقية او حلاً توافقياً لهذه المسألة لئلا يتعين على كل منهما ان يتحمل تبعة اهتزاز الوضع الحكومي قبل ان تقلع الحكومة او تبعة موقف حكومي سيفتح لبنان على مواجهة لا يقوى على تحمل مضاعفاتها.
وتقول الاوساط ان الاسبوع الجاري لا يبدو مرشحاً للتوصل الى تفاهم ينهي هذا المأزق خصوصاً ان كثيرين يعتقدون ان الجميع يريدون تمرير مطلع يوليو لمعرفة اذا كان القرار الاتهامي للمحكمة سيصدر ام لا قبل حسم المأزق في البيان الوزاري.
وكانت بيروت شهدت طوال يوم امس عملية رصد دقيق و«بالتوازي» للمساريْن المتداخليْن المتصلين بالقرار الاتهامي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وبند المحكمة الدولية في البيان الوزاري.

وفيما عقدت لجنة صوغ البيان الوزاري اجتماعها السادس برئاسة ميقاتي من دون ان تلوح في الافق ملامح بلوغ تسوية في ما خص بند المحكمة، كان وزير «حزب الله» محمد فنيش (عضو اللجنة) الأكثر تعبيراً عن التقاطع بين هذا البند والقرار الاتهامي، اذ اعلن اول من امس، «قد تصل الينا المحكمة قبل ان نصل الى مناقشة بندها»، مكرراً «أن موقف حزب الله من موضوع المحكمة معروف وكما كان في السابق هو اليوم وسيكون غداً»، مضيفاً: «نحن وزيران نمثل حزب الله، وعندما يعرض علينا الرئيس ميقاتي الصيغة التي يقترحها نبدي موقفنا كفريق سياسي».

في موازاة ذلك، بقي الغموض يلف موضع القرار الاتهامي وتاريخ صدوره الذي يسود اقتناع في أوساط سياسية في بيروت انه متوقع بين مطلع يوليو ومنتصفه، علماً ان تقارير لم تستبعد أن تكون أسماء المتهمين الخمسة الواردة في القرار باتت في حوزة السلطات اللبنانية وتحديداً مدعي عام التمييز القاضي سعيد ميرزا، في حين ذهبت صحيفة «الجمهورية» الى حد انها نقلت عن مسؤول في الأمم المتحدة ان «من المفترض أن تكون الحكومة اللبنانية تسلمت من المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، مضبطة اتهام تتضمن أسماء أشخاص في حزب الله» .

واشار من دون أن يكشف عن اسمه، الى «ان الأمم المتحدة تأمل في ان تسلم السلطات اللبنانية المتهمين وفق الآليات المتفق عليها، وفي اسرع فرصة»، موضحاً «ان مضبطة الاتهام التي ارسلت الى الحكومة اللبنانية قبل ايام، هي المرحلة الأولى من القرار الاتهامي الذي قد يصدر على دفعات»، رافضا «الخوض في أي تفاصيل اضافية».

على ان ميرزا، الذي كان وصل مساء اول من امس في شكل مفاجىء الى السرايا الحكومية حيث قطع ميقاتي اجتماع لجنة البيان الوزاري للقائه، كرر «ان لبنان لم يتبلغ أي شيء عن اقتراب صدور القرار الاتهامي عن المحكمة الدولية كما لم يتبلغ طلب المحكمة التحقيق مع أشخاص لبنانيين».

وفي سياق متصل، عكس ان المعارضة تنتظر الحكومة «على الكوع» في حال اي تراجع عن التزام المحكمة في البيان الوزاري، لفت موقف «كتلة المستقبل» البرلمانية بعد اجتماعها امس برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة اذ نبهت «المسؤولين في الحكومة» من «أن الوقوع في شرك التراجع عن الاجماعات الوطنية وخاصة ازاء موضوع المحكمة وتحقيق العدالة، من شأنه نقل لبنان من حال الى حال»، مؤكدة «ان الشعب اللبناني لن يتنازل يوما عن حقه بمعرفة الحقيقة ومحاسبة المجرمين»، ولافتة الى «ان المحكمة الخاصة بلبنان هي الجهة المخولة التحقيق في الجريمة والكشف عن مخططيها ومرتكبيها، وهذه المحكمة مسؤولة عن تقديم الأدلة والبراهين على أي قرارات اتهامية تعلنها».

في هذه الأثناء، تحول الاحتفال الذي أقامه حزب «القوات اللبنانية» عصر امس في معراب لمناسبة اقرار النظام الداخلي تحت عنوان «انسان حرية غد» تظاهرة سياسية لقوى 14 آذار التي أعادت من خلال كلمة رئيس الهيئة التنفيذية لـ «القوات» سمير جعجع والكلمات الأخرى تأكيد ثوابت المعارضة بازاء العناوين المطروحة على المستويين الداخلي والاقليمي، مؤكدة التمسك بالمحكمة الدولية ورفض مهادنة «حكومة حزب الله ـ سورية».

واستبق جعجع هذه المحطة معلناً «اننا سنكون معارضة بناءة «على حق وحقيق» وديموقراطية فعلا ولن نجلس في الوسط التجاري ولن نسمح لأنفسنا بتعطيل العمل في البلاد»، مضيفاً رداً على من يسأل لماذا لا تعطي قوى «14 آذار» الحكومة فترة سماح وتنتظر صدور البيان الوزاري: «اذا رأى أحد أمامه شجرة كينا هل يمكن أن يقول للآخر انتظِر فمن الممكن أن تثمر هذه الشجرة ببعض التفاحات؟

ورد على كلام الأمين العام لـحزب الله حسن نصر الله حول المحكمة سائلاً هل المحكمة صالون أبو كوكو يدخل اليها ويخرج منها ساعة يشاء؟ كنتم موجودين عندما اقرت المحكمة في هيئة الحوار الوطني بالاجماع وأعيد تأكيدها في كل الحكومات». واضاف: «موضوع المحكمة لديه اجماع وطني «شئنا ام أبينا» وهذا الموضوع ميثاقي على المستوى الداخلي».

السابق
الثورات لا تمطر ذهبا
التالي
السيد: ميقاتي مسؤول عن إنصاف الضباط