دون كيشوت الرحباني يفتتح مهرجانات بيبلوس

بعدما استعادوا بعض الشخصيات التاريخية في مسرحيات قريبة ماضية، وأسقطوها على الواقع اللبناني في لعبة تتجاوز مفهوم «اللبننة» المجرد، يعود الإخوة رحباني ـ مروان وغدي وأسامة ـ في عملهم الجديد، إلى استلهام شخصية أخرى من هذه الشخصيات الحاضرة في ثقافة العالم، ألا وهي شخصية «دون كيشوت» التي كتبها الإسباني ثربانتس، ليقدموا عبرها عملهم الجديد مساء أمس في افتتاح فعاليات مهرجانات بيبلوس الدولية لهذا العام، بحضور حشد لم تنقطع ذاكرته يوما مع العائلة الرحبانية.
يبدو العمل الجديد الأضخم إنتاجا مقارنة بالأعمال السابقة، حيث تتداخل فيه أكثر من لعبة فنية وبخاصة الديكور كما الخلفية، المعتمدة على «الفيديو»، إذ يشكل جزءا لا يتجزأ من العمل، عبر إحالته المستمرة على هذه الأمكنة الأخرى التي كان يسافر عبرها الدون لمحاربة الفساد ومصارعة طواحين الهواء بحثا عن مركز فارس كان يطمح إليه.

من هنا، يستعير العمل الرحباني الجديد فكرة الفارس هذا، لكن بالتأكيد لجعله حالة لبنانية، أي أنه السبب المباشر لقول الموقف السياسي والإنساني والاجتماعي تجاه العديد من الأحداث التي تمرّ بنا في لبنان. بمعنى آخر، «لبننة» دون كيشوت، استمرار لهذا العمل الذي عرفناه سابقا في هذه المدرسة اللبنانية الفنية الرحبانية. هو لبنان الحاضر، بكل فساده، بكل تحولاته الاجتماعية، وبكل خطابه السياسي، الذي يستعيده القيمون على العمل.

لكن بالتأكيد لا تقف المسرحية الجديدة عند هذا الحد، إذ تملك أيضا عناصرها الأخرى، كاللوحات الغنائية والاستعراضات الراقصة التي كانت النقطة الأكثر إضاءة في هذا العمل، ناهيك بالأزياء والسينوغرافيا الفضائية التي يتحرك في ظلها الممثلون، لكن لا يزال الخطاب ـ الكلام المسرحي ـ يقف عند حدود خطاب لم يعرف بعد أن يتجاوزه الخطاب الفني الرحباني الجديد، إذ يشكل استمرارا لما قبله، استمرارا لما عرفناه في أعمال سابقة، ربما لأن لبنان نفسه، لم يعرف يوما الخروج من مأزقه الذي وضع نفسه فيه، على شتى الصعد. من هنا، تشعر في الكثير من لحظات المسرحية، كأن ثمة كلاما تعرفه، ثمة حالات لن تفاجئك، فهي فاقدة سلفا لأي دهشة ممكنة.

ومع ذلك كله، لا بدّ لأي عمل رحباني جديد من أن يطرح الكثير من الأسئلة، ولا بد له من أن يثير التساؤلات وأن يثير التناقضات، على الأقل عند المتلقي، أكان سلبا أم إيجابا. وهنا أهمية أي عمل فني، أي لا أن يثير إجماعا واحدا، ففي كل اختلاف إغناء لأي نقاش.

السابق
كيف نحمي أولادنا مـن آفـة المخـدرات؟
التالي
معالجة المياه المبتذلة.. احتيال على أهالي صيدا