الشيخ عبد الحسين بسام: تسعة عقود بين عيناثا والصوَّانة

 ولد الشيخ الشاعر عبد الحسين بسام في عيناثا قضاء بنت جبيل عام 1900م وترعرع في ربوعها طفلاً يلهو ويتعلم القرآن واللغة والنحو في مدرسة القرية «وفيها أستاذ الأساتذة في ذلك الزمان وسيبويه عصره» على حدّ قول شاعرنا الشيخ موسى مغنية. ودرس كذلك العروض والبديع والبيان قال الشعر وهو فتًى. إذ أن عيناثا التي كانت ملتقى الشعراء، كانت أيضاً قبلة المحبين وملتقى العشاق ولا يوجد في جبل عامل من لا يردد هذا البيت لشاعرٍ عابر مجهول:
على «عين» عيناثا عبرنا عشيّة عليها عيون العاشقين عواكف
فكان من الطبيعي أن يصرح شاعرنا في مطلع شبابه بيت الغزلي الشهير:
لا الشاي ينشيني ولا الصهباء ما لم تكن في جانبي حسناء
بدأ الشاعر عبد الحسين بسام في الثلاثينيات من القرن الماضي بنشر قصائده في الجرائد والمجلات المختلفة وقد نالت قصيدته «فلسطين» التي نشرتها الجامعة الإسلامية في صيف عام 1936 شهرة عظيمة نقتطف منها:
فلسطين إذا عظم المصاب فلا يجدي الملام ولا العتابُ
فكونوا باسلين لدى الرزايا ومن بأس العدو فلا تهابوا
وموتوا دون مجدكم كراماً كذا الإصرار للأوطان غابُ
فإن الغار للآساد غابٌ فما في الموت دون المجد عابُ
شبابك يا فلسطين كرامٌ وفيها العزّ والشرف اللباب
حرامٌ أن تذوق النوم عينٌ وفي الأوطان غدرٌ واغتصاب
ومن عِظَم المصائب والرزايا عرين الأسد تسكنه الكلاب!!
وعندما علم الشيخ بسّام أن أحد أصدقائه في فلسطين وكان يزوره في حيفا مشغول ببيع أرضه. وكان في ذلك الزمان وقبل نكبة فلسطين 1948 العديد من الوسطاء من يعمد إلى شراء أراضي الفلسطينيين لحساب المستوطنين اليهود – فإن الشاعر أدرك للحال الأمر على حقيقته وأنشد بيتين من الشعر أصبحت على ألسنة طلاب مدارس فلسطين بعد ذلك مذكية الروح الوطنية:
حسبتم رحمة بيع الأراضي وهل في بيعها إلاّ العقاب؟
رويداً إن قرعت الكأس شهداً فبعد الشهد كم يحكيك صابُ؟!
وفي زيارة لقلعة تبنين في إحدى الليالي برفقة الشاعر والقاضي علي فران، إذا بالقمر يطلّ بدراً فيخاطبه علي فران قائلاً:
أيها البدر هل عرفت الغرام فألقت الدجى وعفت المناما؟
ثم التفت لشاعرنا وقال أوجز فقال:
وكأن النجوم يا بدر أمست غانيات هيَّجن فيك الهيام!

شاعر الغزل
إن أكثر من ثلثي شعر الشيخ بسام غزلي بامتياز فقد كان هذا الشاعر مطبوعاً على عشق الجمال أنّى وجد وكان يرى أن الحبيبات كالفواكه وكل فاكهة لها نكهة والعاشق يرى حبيبته أبهى ما الصباح وأجمل من القمر وأهيف من الغزال. فمن شعره الغزلي قصيدة عارض فيها قصيدة صديقه علي فران التي مطلعها:
جرت يرنِّحها الدّلال كأنّها ثَمِل يرى دنياه كأسَ شرابِ
فقال شاعرنا:
جاءت تطلّع من وراء صِحاب غيداء تعلم بالهوى الخلاّب
وتلفتت مرتابة ولطالما لعب الغرام يقلبها المرتاب
ترنو كما يرنو الغزال بربوة غنّاء تعبق من شذا الأعشاب
لتصيد بالأهداب صبّا هائماً بفواتر الألحاظ والأهداب
جاءت لتملك في جمال عيونها ملِِكَ الغرام وساحر الألباب
أما فلسفة الحب فبنظره عامة لا ينجو من حبائله وضيع أو كريم:
إن المحاسن لم نعلم بموقعها إلاّ من الغيد أو من بسمة الغيد
والحب يسكر من بالحسن مفتتناً بالأعين الخضر أو بالأعين السود
لولا اللواحظ لم نحفل بفاتنة تذكي القلوب وتبكي مهجة الصّيد

غراميات
وكان السيد توفيق مرتضى حاكم صلح بنت جبيل عازباً، وكان الناس يمازحونه بحبه إحدى الفتيات، فطُلب من الشيخ بسام نظم قصيدة تنطبق على واقع الحال، فأجاب بقصيدة عنوانها الفتاة المظلومة ومنها:
عكس الدهر حظها فتوارى في ظلام الآلام فجر صباها
لا تلاقي في الحياة هناءً وصفاءً يزيل بعض أساها
فكأن الجمال ذنب العذارى وكأن الوفاء رمز شقاها
أنتم الناس رحمةً وحناناً شركاء الأنام في بلواها
تحسب الدهر ذا وفاءٍ بعهدٍ مدّة العمر لا يخون هواها
قتل اليأس قلبها فتوارى في ظلام الآلام فجر صباها
زوجوها بمن يكون بعيداً عن هواها وعمرها ونهاها
لا تبالي لماله حيث أمسى يخدع المال أمها وأباها
أما الجنوب فله حصّة وفيرة من شعر الشيخ عبد الحسين بسام ويكفي أن نذكر قصيدته التي ألقاها في الصوانه بدعوة من المؤتمر الوطني لدعم الجنوب عام 1972 وذلك قبل إجراء الانتخابات النيابية بأسبوعين فقال شاعرنا:
أغداً قريباً قد تجي أو تعتلي فوق المنابر عصبة تتكلمُ
في كل وعدٍ قد يكون توهماً فإلى متى يُغري الأباة توهّمُ
وإلى متى يبقى الخداع مسيطراً ويسيطر الظلم الكبير ويحكم
من ذا يردِّد والعدو محلِّق فوق المنازل والأمان محرَّم
ويقول يا لبنان ما لك لا ترى بلدي الجنوب كيانها متهدِّم
أرأيت نيران القنابل في القرى تُرمى وتحرق ما تشاء وتهدم؟
قسماً بمن رفع السماء عن الثرى لولا التخاذل، ما بشعبك تُعدم
 

السابق
أبو علي الراسي مَن ينكره؟!
التالي
قبلان استنكر تخريب مقبرة اسلامية في القدس