وجع 14 آذار من تعزيز وضع عون!

يلملم فريق «14 آذار» خيبته التي مني بها مع تأليف الحكومة عبر حملة تصعيدية «قليلة التهذيب»، كما وصفها رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون، سعياً الى حجب ضخامة الفضائح التي قد تنتج عن معالجة الملفات المشبعة بالفساد التي خلفها وراءه، ولا سيما في المال والقضاء والأمن والإدارة، نتيجة مشروع «الحريرية السياسية» الذي عمل كثيرا لإفراغ مؤسسات الدولة لمصلحة أخرى رديفة، مثل «أوجيرو» و «مجلس الإنماء والإعمار» والـ«undp» وغيرها.
ومع تشكيل الحكومة حقق العماد عون انتصاراً كبيرا في الحكومة الميقاتية الجديدة، بحصوله وحلفائه في تكتل التغيير والإصلاح على أكبر كتلة وزارية، فضلاً عن رئاسته للكتلة النيابية الأكبر في الأكثرية الجديدة.
هذا الانتصار مثل صدمة نوعية، لكنها سلبية، لفريق «14 آذار» الذي وصف جنرال الرابية بـ»الحاقد والمترف بالكره وهو شخص غير طبيعي ومضطرب عقلياً ونفسياً وعاطفياً».

كل ذلك كان بهدف إخفاء الخيبة، لكنها لم تلبث أن ظهرت واضحة، ولو بجملة واحدة على لسان منسق الامانة العامة لقوى «14 آذار» فارس سعيد حين حمّل في بيانه الأخير رئيسي الجمهورية والحكومة ميشال سليمان ونجيب ميقاتي المسؤولية عما سمّاه «تعزيز وضع عون»

هنا بالضبط تكمن المشكلة، «تعزيز وضع عون»، ولذلك رأت أوساط التيار الوطني الحر «أن تصعيد فريق «14 آذار» حملته ضد الحكومة وضد عون شخصياً، يدخل في سياق الهجمة الاستباقية لمنع هذه الحكومة من القيام بعملية التغيير والإصلاح ومحاربة الفساد الذي استشرى في البلاد خلال العقدين»، وأكدت أن «عملية الإصلاح هذه ليست متعلقة بالكيدية بل بمحاربة الفساد و تمثل خطاً أحمر، لا يمكن الرجوع عنه».
وعليه فإن المرحلة المقبلة لن تكون سهلة على «مسيحيي 14 آذار» الأكثر تضرّراً، حيث خرجوا كلياً من دائرة القرار، مع الاشارة الى انهم حين كانوا في السلطة الكلمة لم تكن لهم بل كانوا مستتبعين، فكيف اليوم؟ هذا الامر دفع قائد «القوات» سمير جعجع الى الادلاء بتصريحات هستيرية، مثل قوله: لا هنيئا للبنانيين بالحكومة، الحكومة سورية، وصحيح أن المسيحيين أنهم حصلوا على حقائب كثيرة الا انهم لن يعملوا للمسيحيين بل للذين اتوا بهم».
خسر هذا الفريق وزاراته، وأكثر من ذلك خسر وزارات حلفائه التي كانت مسخّرة للخدمات الانتخابية، وانتقلت الحقائب كلها إلى ضفة أخرى لتصبح بيد «الخصم المسيحي الاقوى» الذي وضع يده على مفاصل الإدارة اللبنانية، من خلال وزرائه، في العدل والاتصالات والطاقة والعمل والسياحة والدفاع والداخلية والثقافة والصناعة. ما يعكس خوف هؤلاء من نيّة عون في محاسبة المرحلة السابقة كاملة.
امام الوطني الحر من اليوم الى العام 2013، موعد الانتخابات النيابية، فرصة لترجمة افكاره الإصلاحية والتغييرية على أرض الواقع، وتحقيق ما ينادي به.

وإذا كان العماد عون قد بدأ يفكر بالعام 2013، واذا كان النصر حليفه في 2009 في جزين والمتن وجبيل وكسروان ، فإن العام 2013 سيزيد الى حصته المعروفة الاشرفية وزحلة والكورة والبترون وعاليه والشوف، وهذا ما يثير ذعر «مسيحيي 14 آذار» الذين ظهرت سياساتهم الخاطئة في قضاء زحلة، ما دفع الوزير نقولا فتوش إلى اتخاذ الموقف الذي أصبح معروفاً، فضلاً عما هو معروف أيضاً عن الخلافات الداخلية في صفوف «الكتائب» والقوات».
واذا كانت الانظار تتجه الى العلاقة المستجدة بين العماد عون وبين الرئيس ميشال سليمان التي بلغت مرحلة متقدمة بعد مبادرة سليمان الى الإتصال بعون، فان اللقاء الذي سيجمعهما هذه المرة لن يكون سياسيا أو دينيا بل موسيقيا في سهرة تقيمها بلدية جونية مع بدء مهرجاناتها الصيفية ككل عام ، ليسهرا قريبا في جبيل في سهرة موسيقية ايضا، بانتظار ان يجتمعا في البترون على عكس ما حصل في العام الماضي.
عون وعد بتلبية الدعوة التي وجهها سليمان له في عمشيت في 16 تموز المقبل لمناسبة يرعاها البطريرك الماروني بشارة الراعي، الذي يعمل منذ بداية عهده على تحصين الساحة المسيحية، لمواجهة ما يطاول المسيحيين نتيجة الاوضاع في المنطقة.

ويبدي الراعي ارتياحه لهذا التقارب، لان ذلك سيوفر عليه تحمل خصومتهما وسينقذه من الإحراج في الاختيار بينهما.
وإذ نفى النائب نبيل نقولا لـ«البناء» ان تكون هناك ضغوط خارجية، وتحديداً سورية، فرضت التقارب بين الجنرالين، أكد أن ما يهم سورية اليوم ان يكفيها اللبنانيون شرهم، فهي منشغلة بما يجري على اراضيها وما يهمها في لبنان هو الاستقرار.
وأكد نقولا أن عون لم يكن يوما ضد رئاسة الجمهورية بل كان يريد تعزيز صلاحيات الرئيس. قائلا ردا على سؤال، ان العماد عون ليس الرئيس الظل بل هو داعم ومكمل لرئاسة الجمهورية.

وتعتبر أوساط مطلعة على العلاقة بين «الميشالين» ان التقارب بدأ عندما وافق عون أن يكون لسليمان وزيرين، خصوصا أن احد هذين الوزيرين (ناظم الخوري) هو مستشار رئيس الجمهورية وكان منافسا للائحة التغيير والإصلاح ومدعوماً من رئيس الجمهورية وحليفاً لفريق 14 آذار في انتخابات 2009 في جبيل. وعندما يوافق جنرال الرابية على ناظم الخوري فهذا يعني أن تطورا ما قد حدث على مستوى العلاقة، التي كانت في حالة من التباعد منذ العام 2009 .
هذه الاوساط لا تعلم كيف يمكن ان تتطور العلاقة بينهما لا سيما ان عون يقول كل شيء «يخطر في باله» ولا يعتمد الصيغة الكلامية الدبلوماسية التي تتمثل بالمسايرة والحسابات السياسية التي تطرأ في بعض الاحيان وتتطلب المراعاة في المواقف كما يحصل اليوم.

واذا كانت هذه المواقف تخدم قاعدته الشعبية وبعض الوسطيين، فانها كما تقول الاوساط لا تخدم احيانا حلفاءه. وهو اليوم بهجومه على تيار المستقبل نتيجة سياسته خلال الاعوام الماضية يزعج الرئيس نجيب ميقاتي وبعض الحلفاء الذين يعتبرون ان على الجنرال الا يعطي هذا الفريق ما يبتغيه في هجومه على الحكومة.

ان تفاهم عون ـ سليمان اليوم له قيمة معنوية لكنه لا يصرف في صناديق الانتخاب كما يعتقد البعض، لأن سليمان لا يملك من الشعبية ما يملكه عون وبالتالي فإنه لا يخيف «مسيحيي 14 آذار»، في حين تفترض الاوساط جدلاً انه في حال حصول تفاهم عون وجعجع مثلاً فإن ذلك يغيّر المعادلة، لان لـ»القوات» قاعدة شعبية في كسروان والبترون، أما الهاجس الأكبر عند جماعة الأمانة العامة فهو في قيام تحالف بين عون و»الكتائب».

السابق
كيف تقرأ الأكثرية الجديدة رهانات المعارضة لمحاصرة الحكومة؟
التالي
مظاهرة سورية في السكسكية