هل يقع لبنان في فخّ تهريب الثروات من سوريا؟

لم يثبت حتى هذه اللحظة أنّ المصرف المركزي السوري فتح حسابا له في المصرف المركزي في لبنان. حتى إنّ مصرف لبنان بقي صامتا في نفي الأمر أو تأكيده، وقال أحد المخوّلين بالمعلومات "أنّ مصرف لبنان لا يتكلّم ولا يعلّق على هذه الأخبار". فليس من تقاليد المصرف المركزي الكشف عن مثل هذه الخطوات لا نفيا ولا تأكيدا، وخارج إطار التعاميم والبلاغات والبيانات الرسمية التي يصدرها الحاكم أو أيّ هيئة إدارية فيه، لا تصدر أيّ تصاريح أو بيانات. لكن المعنيين بالأمر يقولون إنه من الطبيعي أن يفتح أيّ بنك مركزي عربي أو دولي حسابا له في مصرف لبنان، كما بالنسبة إلى أيّ مصرف خاص أو أيّ مؤسسة، وخصوصا الدول والهيئات التي لها علاقات مع لبنان لتبادل الأموال، وخصوصا عندما تكون هناك مشاريع كبرى مموّلة من صناديق أو دول، وعندها تكون الدولة قد ارتبطت بطرف آخر من الندّ إلى الندّ، أو على قاعدة التعاون من "دولة إلى دولة". ولذلك هناك حسابات عدة لمصارف مركزية عربية وخليجية في مصرف لبنان.

أمّا العلاقة مع سوريا فهي شيء آخر، ويقول المطّلعون: "إن صحَّ أنّ البنك المركزي السوري قد فتح حسابا في مصرف لبنان"، ففي الخطوة "سابقة في العلاقات الماليّة والاقتصادية بين لبنان وسوريا". فعلى رغم سلسلة الاتفاقيات التي عقدت بين البلدين في إطار معاهدة الأخوّة بينهما، لم تلحظ أيّ منها أيّ شكل من أشكال التعاون على هذا المستوى المالي بين المصرف المركزي السوري ومصرف لبنان، وما عدا تلك الخطوات الانفتاحيّة المصرفيّة التي قادت إلى فتح السوق السوريّة أمام المصارف اللبنانية.

لماذا فتح الحساب؟

وعليه، وإن صحّ ذلك، فإنّ في فتح الحساب أمرا مريبا، وخصوصا في الظروف التي تمرّ بها سوريا وهي على أبواب المزيد من العقوبات الاقتصادية والماليّة التي طاولت مسؤولين فيها، وقد تتطوّرت لتطال المؤسسات الرسمية والقطاعات العامّة الصناعية والتجارية فيها. ولذلك ستبقى المقاربة الممكنة لهذه الخطوة في إطار النظرة الجيو- سياسية للعلاقات بين البلدين وما بين سوريا والعالم الخارجي إذا ما تحوّل لبنان معبرا لها.

ولذلك تبدو كلّ التوقّعات المرتبطة بهذه الخطوة محصورة بالوضع الناشئ في سوريا وانعكاساته المحتملة على لبنان، وإذا كانت النتائج السياسيّة التي ترتّبت على لبنان إلى اليوم ما زالت تقرأ في إطارها السلبي، فمن الأجدر أن تكون أخطر إذا انتقلت إلى القطاع المصرفي. ففي لبنان قطاع مصرفي متين ذو صدقيّة عالمية، ومهما قيل عن عمليّات غسل أموال وتبادُل المحظورات عبر المصارف اللبنانية، فإنّ النتائج المتوقّعة تبدو دون ما هو متوقّع منها إذا تورّط النظام المصرفي اللبناني بأيّ عمليات نقل لأموال سورية خارج ما هو معمول به في الاتفاقيات الدولية. وإلى ذلك يقول العارفون، إن صحّت الخطوة السورية فهي ستبقى مقبولة إلى أن يتمّ التثبّت من أهدافها، ففي إدارة أموال ومحتوى هذا الحساب ما ينبىء بالأهداف المقصودة منه. وطالما إنّ العقوبات الدولية بحق سوريا لم تصدر بعد، فإنه لن يثير أيّ إشكالات، وإن بقيت الإجراءات الأميركية والأوروبية تعني دولها ومصارفها ومؤسّساتها فحسب يمكن إمرار الموضوع بأقلّ الخسائر الممكنة. لكنّ الأمر سيختلف إن صدرت قرارات دولية تحظر على السوريين عمليات نقل الأموال، عندها ستبدأ مسيرة المتاعب. فلبنان وقطاعه المصرفي لن يتمكّن من تحمّل تبعات أيّ من النتائج السلبية التي يمكن أن تترتب عليها. ومخافة بلوغ هذه المرحلة يؤكّد أحد كبار المصرفيين اللبنانيين "أنّ المصارف اللبنانية الموجودة في سوريا تحترم القوانين الدولية، ولا يمكن أن تهرّب الأموال السوريّة عبرها". وهو موقف ينسحب على حكومة الرئيس ميقاتي، وإلّا فستكون قد باتت في "بوز المدفع" كما يقول المعنيّون. وعندها يختم العارفون بالقول: ستأتي ساعة الجدّ، وإذا وقع لبنان "في فخّ استخدامه لنقل ثروات سوريّة تقع ضمن التفويض القانوني للعقوبات، كما حصل في فترة الحرب لإسقاط نظام صدّام حسين" سيكون السؤال الأكثر خطورة، من سيدفع كلفة "حساب المصرف المركزي السوري" المفتوح في "المصرف المركزي اللبناني"؟

السابق
حماية صدقيّة المقاومة
التالي
النهار: نصرالله«السي آي إي» تتجسّس على «حزب الله»