كيف تقرأ الأكثرية الجديدة رهانات المعارضة لمحاصرة الحكومة؟

ثمة دوائر في الاكثرية الجديدة، كلفت نفسها مهمة الرصد الدقيق لوتيرة حركة الاعتراض التي تبديها الاقلية الجديدة منذ لحظة الولادة المفاجأة لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي.

يشمل الرصد نوعية هذه الحركة وتذبذبها بين الاعتراض الميداني في شارع سوريا في طرابلس، الجمعة الماضي، والبيانات الشديدة اللهجة المتضمنة "لهجات" وادبيات ومصطلحات تصعيدية لم تكن مألوفة سابقاً، مرورا بلقاءات باريس التي تجمع بين الرئيس سعد الحريري المقيم هناك، في صورة مبهمة وملتبسة، وبعض رموز قوى 14 آذار وخصوصا تلك الموصومة بأنها رؤوس الحربة، اي مواجهة نوعية يقرر هذا الفريق خوض غمارها والمضي فيها.
ولا ريب في أن الدوائر عينها صار امامها حزمة معطيات ووقائع تسمح لها بتكوين صورة اولية عن طبيعة هذه الحركة ومكامن الضعف والقوة فيها. ولعل اول ما خرج به القيمون في هذه الدوائر من استنتاجات هو "حجم" الارباك والتخبط الذي يمكن ان توصم به هذه الحركة، وهو ارباك من لم يكن يضع في حساباته بالاصل وقوع الحدث الى درجة ان حصوله شكل له "صدمة"، فبات يتصرف بردة فعل فيها الكثير من العشوائية والتجريب والاختبار.
ووفق الدوائر نفسها، فإن "الصدمة" التي تلقاها اصحاب هذه الحركة العشوائية، تتأتى من ثلاثة اعتبارات ربما لم تكن تضعها بالاصل في حساباتها، الاول: توقيت ولادة الحكومة بعدما بنوا حساباتهم على معلومات غربية على ان ولادتها متعثرة ومتأخرة.

الثاني: نوعية الوزراء في الحكومة الجديدة ولا سيما لجهة تمثيلها طرابلس، وهي المعدودة معقلهم بخمسة وزراء دفعة واحدة.
الثالث: طريقة تعامل الرئيس ميقاتي المتعقلة مع التحدي الذي خاضه هذا الفريق على الارض في طرابلس، سواء يوم الحدث نفسه او في اليوم الثاني، وخصوصا لجهة جمعه القيادات الامنية ووضعها امام مسؤولياتها، ومما انبأهم سلفا بأن هذا الرجل واثق من نفسه ومدرك طريقه وليس من السهولة بمكان التأثير عليه، وجره الى الميدان الذي يريده الآخرون ان ينجر اليه.
ومنذ ذلك اليوم الذي نجح فيه ميقاتي بفضل الجرح الذي اريد ان يكون نازفا في عاصمة الشمال، وفريق 14 آذار يسعى الى لملمة نفسه والتقاط انفاسه ويحاول جاهدا ان ينتظم في سياق مواجهة محددة وجلية يستطيع ان يقدم فيها نفسه على انه معارضة حقيقية واعدة، تملك قدرة ارباك الخصم، اي الحكومة الجديدة ومنها الانطلاق خصوصا ان هذا الفريق يدرك تمام الادراك ان هذه الحكومة الوليدة تعتمد بنسبة 50 في المئة على قدرتها على النجاح من خلال تأمين انطلاقة معقولة ومريحة.
انطلاقا من ذلك، لم يكن مفاجئا لميقاتي والفريق السياسي المحتضن لهذه الحكومة والرافد اياها بأسباب الدعم، هذا الهجوم الشرس المبكر من جانب الاقلية الجديدة على الحكومة الوليدة قبل اقرار البيان الوزاري، وبدء جلسات الثقة، اذ ان هذا السلوك غير المسبوق اينما هو لمن يعنيهم الامر، بمثابة رسالة مقروءة تنذر بأن:

– الرغبة في انجراف الحكومة وهي مولودة لتوها، بمتاهات امنية في الشارع وحصار سياسي من خلال احداث طرابلس، ثم الحديث المتواصل والمسبق عن كيديتها او انحيازها.
– ان حجم المعارضة في قابل الايام سيكون كبيرا بلا هوادة، وبأن هذا الفريق سيفي بما وعد به احد ابرز رموزه، الرئيس ميقاتي، ولم يكن قد مضى على تكليفه سوى اكثر من 36 ساعة بأن حكومته ان ولدت لن تلبث اكثر مما لبثت حكومته الانتقالية عام 2005.

واذ كانت تلك في اختصار هي الخطوط العريضة لرؤية دوائر الرصد في الاكثرية الجديدة لسلوكيات الاقلية الجديدة، وهي تشرع على الفور في مواجهة الحكومة الاولى في لبنان ما بعد الطائف التي لا تحمل هوية انها حكومة "وحدة وطنية" وتحرم رئيسها "حق الاحتفال" بتقبل تهانئ ابناء مدينته، وهو الآتي اليهم على صهوة انجاز غير مسبوق لجهة اتساع حجم تمثيلها في الحكومة، فإن الدوائر عينها تهتم اكثر ما يكون باستشراف طبيعة المرتكزات التي ستعتمدها قوى المعارضة الجديدة لتكون خريطة طريقها الى المواجهة في مرحلة ما بعد نيل الحكومة الميقاتية الثقة.

وبناء على القراءة المعمقة من جانب الدوائر نفسها لمسار حركة الاعتراض التي بدأتها هذه القوى منذ الحدث الطرابلسي الجمعة الماضي وحتى بيان الامانة العامة لقوى 14 آذار اول من امس، حددت هذه الدوائر مرتكزات ستتكئ عليها قوى المعارضة وتكون بمثابة اوراق قوة لديها:

1 – القدرة على ان تبقي في يدها مفتاحا سريا هو مفتاح المجتمع الدولي، ليكون بمثابة قوى ضغط على الحكومة الميقاتية يحد من حركتها، ويجعلها في وضع المربك دوما والمحاصر بخطوات يقدم عليها هذا المجتمع او يلوح بالاقدام عليها، وجعلها بمثابة سيف مصلت يحول دون ان تأخذ هذه الحكومة "راحتها" وتقلع بأقصى درجات الاقلاع المربحة والواعدة.
ولعل أبرز ورقة في يد هذا المجتمع هي ورقة المحكمة الدولية وقرارها الظني الموعود، فضلا عن التزام القرارات الدولية المتصلة بالوضع في لبنان بدءا من القرار 1559.

2 – العمل على محاصرة الحكومة واغراقها عبر الهجمات المتتالية عليها، التي وان لم تفض الى اسقاطها سريعا، فإلى محاصرتها وتشتيت اولوياتها ومنعها من الذهاب نحو الاهداف الاساسية المرتجاة منها، وخصوصا في مجال معالجة القضايا والملفات الملحة ذات الطبيعة الشعبية.

3 – الرهان على "انفجار" عبوات وألغام في داخل الاكثرية الجديدة، بغية فصم عرى تماسكها وشرذمة مكوناتها.

4 – الرهان على تطورات الحدث السوري، وخصوصا بالبعد اللبناني لهذا الحدث.

تلك هي في رأي دوائر الاكثرية رهانات الاقلية، وهي تبدو خطتها للهجوم على الحكومة الجديدة، ولكن هل هذه الاكثرية تتخوف فعلا؟ والى اي مدى تذهب في تخوفاتها؟
امران اساسيان يجعلان هذه الاكثرية في وضع عدم المتهيب:
الاول، ان في رئاسة الحكومة شخصية تثبت من تجربة الاشهر الخمسة الماضية ومنها انها شديدة "الفهم لعقلية الغرب".

الثاني، ان للمعارضة في لبنان حدودا، وخصوصا اذا كانت خارج الحكم وتراهن على حسابات خارجية اكثر مما هي داخلية.

السابق
الانباء: «س ـ س» شربل تختلف عن «س ـ س» بري
التالي
وجع 14 آذار من تعزيز وضع عون!