فتّش عن المادة 3

تعاني النساء اللبنانيات منذ عقود من ظلم مزدوج: عنف يتعرضن له في المنزل وآخر في المخافر أو المحاكم الشرعية إن تجرأن على التقدّم بشكاوى. في عام 2007 انطلقت محاولة جدية لتصحيح هذا الواقع عبر مشروع قانون

تعيد المحامية في جمعية «كفى عنف واستغلال» قصة مشروع قانون حماية النساء من العنف الأسري إلى تموز 2007. كانت الجمعية تستقبل شكاوى النساء اللواتي يتعرضن للعنف، وكوّن فريق عملها تصوّراً عن الواقع الذي تعيشه اللبنانيات المعنّفات في بيوتهنّ وفي المخافر. انطلق المشروع بإشراف لجنة متخصصة، مؤلفة من القضاة هيلين إسكندر وجويل فواز وجون القزي، الرائد إيلي أسمر ممثل قوى الأمن الداخلي، والمحاميتين ليلى عواضة ودانيال حويك من «كفى». تزامناً مع عمل اللجنة، أطلقت الجمعية في آذار 2008 حملة لتشريع حماية النساء من العنف، متحالفةً مع عددٍ من الجمعيّات الأهليّة اللبنانية، قبل أن تنتهي اللجنة في حزيران من صياغة النسخة النهائية لمقترح مشروع القانون بعد الأخذ بملاحظات جمعيّات، محامين، قضاة وأطباء شرعيين. ومن أهم الإضافات التي تضمنتها المسودة قبول قوى الأمن الداخلي إنشاء وحدة متخصصة بالعنف الأسري، متحدثين عن سلسلة من الاقتراحات التي يمكن أن تتضمنها الوحدة المذكورة بعد إقرار القانون، كعيادة صحيّة، اختصاصيات اجتماعيات، و«نساء أمن» بدلاً من «رجال أمن» في المخافر. إلى ذلك، اقترحت المسودة معالجة المشكلات المادية التي قد تواجه المعنّفة، عبر إنشاء «صندوق دعم لضحايا التعنيف» يكون تمويله مشتركاً بين الدولة والجمعيّات. وفي مسألة السكن، لفتت عواضة إلى أن «المعتدي ملزم من الناحية القانونية بتوفير سكن بديل للمعنفة» أو يعود إلى المنزل بطريقة صحيّة بعد خضوعه «للتأهيل الاجتماعي».
وبعد لقاء مع الرئيس الأسبق فؤاد السنيورة، في نهاية العام، انتقل القانون إلى هيئة الاستشارات والتشريع في وزارة العدل، قبل أن تصدر الأخيرة الصيغة لنهائية للمشروع في آذار 2009. وترى عواضة، أن هذه الفترة «قياسية» مقارنة بما كان متوقعاً. وقد عمل «التحالف الوطني لتشريع حماية النساء من العنف الأسري» على إرسال مسودة القانون إلى مجلس الوزراء، مرفقةً بدراسةٍ أعدتها د. عزة بيضون، عن «أحكام قتل النساء» تحت مسمى «جرائم الشرف»، مستعنية بملفات «محكمة التمييز». وبعدما ذكر المشروع في البيان الوزاري لحكومة السنيورة في الفقرة 61، تذكر عواضة أنه «عرض في آخر جلسةٍ لهذه الحكومة ضمن المقرّرات، وكان البند رقم 1». تذكر أيضاً أنه في ذلك الوقت «اعترض عليه الوزيران إبراهيم شمس الدين ومحمد فنيش بحجة أنهما لم يطلعا عليه». انتهت ولاية حكومة السنيورة، فذكر المشروع في بيان حكومة الحريري ضمن الفقرة 22.
وبناءً على طلب من الوزير إبراهيم نجار، ألّفت لجنة وزارية لدراسة مشروع قانون حماية النساء من العنف مؤلفة من الوزراء نجار، بهية الحريري، ماريو عون، إبراهيم شمس الدين، خالد قباني، واجتمعت في مكتب وزير العدل طالبةً من شمس الدين الاستحصال على آراء المحاكم الشرعية والروحية والمذهبية في مشروع القانون. ألّف الأخير لجنة لإعادة صياغة مشروع القانون بما يتناسب مع الملاحظات الواردة من المحاكم الشرعية والروحية والمذهبية، كانت نواتها من قضاة ومحامين أيضاً. وكانت أبرز اعتراضات المحاكم الشرعية، تدور حول «المادة 3»، التي جاء في نصها الأصلي أن الاعتداء «يشمل الاغتصاب، أوالتحرش بالإناث، أو إكراه الزوجة على الممارسة الجنسية (اغتصاب الزوجة)، الجماع القسري مع امرأة مريضة أو معوقة، أو تحت تأثير الكحول أو المخدرات بشكلٍ يفقدها إرادتها، إكراه المرأة على ممارسة البغاء»، لتصبح في هيئة الاستشارات والتشريع معدلةً: الجرم واقع على من «أكره زوجته بالعنف والتهديد على الجماع عوقب بالأشغال الشاقة مدة ثلاث سنوات على الأقل، ومن جامع زوجته وهي لا تستطيع المقاومة بسبب نقص جسدي أو نفسي أو بسبب ما استعمله نحوها من ضروب الخداع، فعوقب بالأشغال الشاقة مدة ثلاث سنوات على الأقل». وبعد جولة شمس الدين على المحاكم الشرعية، أصبح الجرم على «كلّ شخص من أفراد الأسرة يعتمد في كسب معيشته أو بعضها على دعارة إحدى الإناث في الأسرة، فعوقب بالأشغال الشاقة مدة خمس سنوات على الأقل، وعلى من أكره زوجته بالعنف والتهديد على الجماع عوقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين». هكذا تحول «اغتصاب الزوجة» من جناية إلى جنحة. أما «المخرج» الذي أوجدته هيئة الاستشارات للتوفيق بين إصرار المحاكم الشرعية من جهة، ومسودة القانون من جهة ثانية، فهو أن المادة الأساسية في قانون العقوبات 503، التي تتحدث عن «إكراه غير الزوج»، وإضافة «إكراه الزوجة» في المادة الثالثة بقانون حماية النساء من العنف الأسري، هو من خارج قانون العقوبات، ما يجيز إمكان «تحويلها» من جناية إلى جنحة، وبقاء النصوص الأخرى في مواد حماية النساء تابعة لقانون العقوبات الأساسي.
ورغم قبول «التحالف الوطني» بهذه التعديلات، والارتكاز في الأساس على قانون العقوبات المحلي، «كي لا تتهم الجمعيات باستيراد القوانين من الغرب»، كما تقول عواضة، لم يمرّ المشروع بسلام. في نيسان 2011، أدرج مشروع القانون على جدول أعمال اللجنة النيابية المشتركة، التي أسست لجنة فرعية متخصصة لدراسته، برئاسة النائب سمير الجسر. وحدّدت لهذه اللجنة مدة أقصاها 3 أسابيع لدراسة المشروع وإعادة عرضه على اللجان النيابية المشتركة، لكن لم تعقد إلى اليوم إلا 3 جلسات للجنة الفرعية.

جولة المراجع الروحية

في آب 2009 أنجزت اللجنة الوزارية الصيغة النهائية لمشروع القانون، بعد الأخذ بالاعتبار الملاحظات الواردة من المحاكم الشرعية والمذهبية والروحية ووزارة الشؤون الاجتماعية. أحاله الوزير إبراهيم شمس الدين على رئاسة مجلس الوزراء، نام قليلاً قبل أن يحيله الوزير إبراهيم نجار على رئاسة مجلس الوزراء مجدداً في آذار 2010. عندها، أضيفت المادة 26 «التي نسفت القانون»، إذ تنصّ على أن القانون «يطبق في حال عدم تعارض أحكامه مع أحكام المحاكم الشرعية». أضيفت المادة «على غفلة»، بعد «الدورة الطويلة» له، في أروقة المحاكم والسرايا الحكومي.

السابق
أنجلينا إيخهورست: المرأة اللبنانية تعاني من التمييز
التالي
علي أو إيلي؟ الزواج المختلط بين الموضة والاقتناع