مجتمع ذكوري… لا يصون حق المراة

كما كان متوقعاً اجتمع مجلس العلماء ورفض مشروع قانون العنف الاسري جملة وتفصيلا، فالمرأة المسلمة اللبنانية ليس من حقها أن تحظى بقانون يحميها وأولادها من الظلم.
فوفقاً للبيان الصادر عن الإجتماع الموسّع الذي عقده مفتي الجمهورية اللبنانية محمد رشيد قباني مع جمع من العلماء، نوقش خلاله المشروع، المحال إلى المجلس النيابيّ من مجلس الوزراء بالمرسوم 116، وجاء فيه أنّ المجلس "أشدّ الحرص على معالجة حالات إيقاع الأذى بالمرأة، لكن بغير استنساخ القوانين الغربية التي تُمعن في تفكيك الأسرة في الغرب، باعتبار أنَّ القانون يجب أن يكون ابن بيئته"

فإذا ما كانت المقاربة تقوم على تقريب وجهات النظر بين الاطراف اللبنانية، فالسؤال المطروح كيف ننصف النساء المسيحيات مثلاً، برفضنا لهذا المشروع؟ وكيف يحق للمجلس أن يقرر عن جمهورية متعددة الطوائف؟

ويضيف البيان: "إدخال مفاهيم جديدة كالعنف الاقتصادي، واستحداث جرائم جديدة كبدعة اغتصاب الزوج لزوجته وتجريم فعله، وإيجاد عقوبات غير متناسقة مع روحية التشريع الجزائي، مثل المعاقبة على التهديد من دون ملاحظة وسيلته، وكتحويل التهديد القولي المعتبر من المخالفات المعروفة في قانون العقوبات إلى جنحة بمجرد التلفظ به.." وهنا نسأل، أليس حرمان المرأة من العيش بكرامة جريمة، أوليس من يجبر زوجته أو يدخل عليها بالقوّة مغتصباً، أم أنّ فعل الرجل مبرر فقط بحجة التكاثر وزيادة الذرية الصالحة !!
أمّا بالنسبة لموضوع المؤسسات الإجتماعية والصحية، فقد قال البيان:" "إن تحويل المراكز الإجتماعية أو الصحية إلى دائرة استخباراتية لتلقي الشكاوى، ثم إلزامها إحالتها على النيابة العامة، هو تغيير جذري لدور هذه المؤسسات، ما يهدد رسالتها الإنسانية.." ويلفتنا هنا التناقض بين انصاف المرأة وتحجيمها، فإن عمل هذه المؤسسات لو تمّ وفقاً لما جاء في البيان فهو لمصلحة المرأة ويساهم في تحقيق قدر من العدالة بمساعدة المرأة المظلومة قضائياً، فعن أي رسالة يتكلم عنها البيان عند رؤية عين
مكحّلة بحجة "التدابير الرادعة"،( وكل جريمتها أنها قالت لا أو أنها أصلاً لم تنطق.

هي قضية حساسة قد تثير في نفوس الكثيرين امتعاض ورفض لهذا البيان وأخرى موافقة له ولهؤلاء سؤال الـ"لماذا"؟ الا يرون المحاكم الشرعيّة التي تعجّ بطالبات الطلاق، وهل تلك النسوة كلّهن عاصيات؟ هل كلّ أزواجهنّ غيورين على مصالحهن؟ لا نعتقد ذلك. وإذا كان الأمر يعالج بهذه الطريقة والحياة سهلة والوئام سائر بين الأطراف المتنازعة، لم لا ندع القانون يبصر النور، كدولة متحضرة ونفصل التدخلات السياسية والطائفية عن هذا الحق المحق.

هذا الرفض جاء على لسان العلماء الذين اجتمعوا وقرروا عن البلاد والعباد كلّها، ولكن، كما ذكرنا آنفاً، وبالإشارة الى حق كلّ اللبنانيات بمختلف طوائفهنّ بحماية قانونية في ظلّ الضعف والذكورية المعتمدة في القوانين الشرعية، وبالتالي فإنّ رفض مشروع القانون يشكل نوعا من الازدراء واللامبالاة باللبنانيات غير المسلمات، وهي شريحة كبيرة من المجتمع اللبناني.

وهنا تكمن اهمية عصرنة القوانين والخروج من الإطار الصُوريّ اللمّاع والإنكباب فعلاً على معالجة الأمور بشكل علميّ بعيد عن أسطورة الشرق وأطلالها، فلا يمكننا أن نقولب الحقوق باجتزائها، والتذرّع بالدين. فالدين بريء وكلام الله عزّ وجلّ لا يجب اجتزاؤه وتفسيره بما يتناسب مع المصالح الضيّقة والزجّ بالقضايا الحياتية في نفق جدال سياسيّ لا قيمة له.

عذرا منك سماحة المفتي، فإنيّ كرجل سنيّ أرفض ما جاء في بيانكم، وأشدد على ضرورة مراجعة الكثير من التشريعات والقوانين، وإذا كان الكلام والقواعد كلّها مع المرأة كما تفضلتم، فإنّ في تطبيقها شيء آخر، مستتر، إذ أنّ التنظير أسهل بكثير من أنّ نفضّ خلافاُ بين زوجين، امرأة تعرّضت للضرب المبرح من قبل زوجها السكّير، وإسكاتها بحجة أنّه "سيصلح"… فكم من امرأة عانت الأمرّين، وكم من أمّ بكت في ليالٍ طوال، راجية ربها أن يفرج همّها… الأمر بيدكم، وراعي شؤون العباد يعرف أنّ هناك يوم يأتي فيه الحساب، عسير

السابق
النابلسي: لقد كان تشكيل الحكومة مؤخرا هو التحدي الأهم في استمرار مسيرة الدولة ولتنشيط الحوار الداخلي
التالي
قرطباوي: المسودة التي طرحها الرئيس نجيب ميقاتي للبيان الوزاري لا تتضمن بند المحكمة الدولية