سعوديات

كانت المرأة العربية ولا تزال شريكة في الثورات الشعبية الحالية، في التظاهرات وفي الكتابات ايضاً عن تلك اللحظة المؤثرة التي شعرت فيها النساء والفتيات أن إسقاط النظام هو في جانب منه جزء من معركتهن من أجل تغيير النظام الذكوري الأبوي الذي حرمهن الحرية، باسم الدفاع عن الوطن او العقيدة. ها هي المرأة السعودية تقدّم الآن نموذجاً جديداً، وتنتقل من مستوى المشاركة إلى مستوى الريادة في صناعة المستقبل السعودي.

لم يعد خروج المرأة السعودية إلى الشارع لتقود سيارتها خبراً مثيراً، تبثه على الهواء مباشرة محطات التلفزيون الاميركية والبريطانية او حتى العربية مع انه لا يزال يمثل تحدياً استثنائياً للمؤسسة الدينية أولاً وتالياً للسلطة السياسية التي تقف اليوم عاجزة او على الأقل حائرة ازاء تلك الموجة من النساء اللواتي قررن أن الوقت قد حان لنيل هذا الحق الطبيعي البسيط والعابر، الذي يختصر الكثير من المعضلات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ويسهم في حلها.

وحسب المعايير السعودية فإن مثل هذه الخطوة النسائية اختراق مهم لمنظومة القيم المحافظة التي اعتمدتها المملكة منذ تأسيسها، ثم جدّدت الالتزام بها بعد حادثة احتلال الحرم المكّي في مطلع الثمانينيات، وأكسبتها بعداً إضافياً في العقود الثلاثة الماضية، التي شهدت الكثير من الحروب والأزمات ذات الطابع الديني والطائفي.. التي أوقفتها الثورة الشعبية العربية عند حدّ معين، وأفرغتها من الكثير من مضامينها بل وحتى من مبرراتها السياسية.

لم تكن هذه القفزة النسائية السعودية لتتم لو لم تشاهد المرأة في المملكة بنات جنسها يتقدّمن التظاهرات والاعتصامات في تونس ومصر، ثم يندفعن لمواجهة رموز الحركات الإسلامية الذين ظنوا أن الفرصة سانحة للاستيلاء على الثورة. وقد كانت تلك الصور وستبقى أحد أهم معالم التغيير في الحياة السياسية والاجتماعية العربية.. مثلها مثل الصور الآتية يومياً من ليبيا واليمن وسوريا عن نساء يكتبن فصلاً جديداً من التاريخ العربي، ويعبّرن عن ثقافة عربية تولد من جديد في تلك المجتمعات التي كانت تهدّد بإعادة المرأة الى حقبة ما قبل الإسلام.

ولعل أهم في تلك الحركة النسائية السعودية، أنها تأتي في اعقاب المنح المالية البالغة السخاء، والمقدرة بما يزيد على 80 مليار دولار، التي قدّمتها السلطة في الأشهر القليلة الماضية الى الشعب السعودي أملاً في كسب وده وهدوئه، كما انها تحفز التيار الليبرالي السعودي الواسع، والممتدّ داخل العائلة المالكة نفسها، على التحرك من اجل احتواء المؤسسة الدينية التقليدية التي لم تتنبه حتى الآن بأن الثورات الشعبية موجّهة ضدها بقدر ما هي موجهة ضد الانظمة الحاكمة.. ومن اجل استئناف حملة العرائض المنادية بالإصلاح والموجهة الى الديوان الملكي.

المرأة تقود التغيير في السعودية. النظام لا يلجأ الى القمع، بل يتصرف كبقية الانظمة الملكية، بمرونة تفتقر اليها الجمهوريات الوراثية، ويترك للمجتمع ان يحدد إيقاع الصدام مع موروثاته، والانتقال من مرحلة المزايدة الدينية الخاوية، والمنافية للعقيدة نفسها، الى مرحلة الحداثة العربية والإسلامية التي ينشدها نصف المجتمع السعودي ويهلل لها النصف الآخر.. حتى ولو كان الأمر مجرد قيادة سيارة، تزيد في زحمة السير الخانقة هذه الأيام في الرياض.

السابق
اكتشاف قبيلة معزولة في الأمازون
التالي
كنعان: الخلاف على كيفية تحقيق العدالة هو الذي أطاح بالحكومة السابقة