One way ticket

قالها العماد ميشال عون، وتلقى الردود المناسبة من فريق 14 آذار، وكأن أحداً من هؤلاء لم يستوعب حقيقة اننا فعلاً ذاهبون في اتجاه واحد، "روحة بلا رجعة". البلد كله لا يعلم أي خريطة طريق رسمت له، ولا حول لنا ولا قوة في تغيير المسار وتحويل المصير. بتُّ أصدق ان الأمور تسير بالقضاء والقدر، ولا ما أعلم اذا كان من الله أو بإرادة بشرية عظمى تتلاعب بمصائرنا، وتحولنا دمى، ولو ناطقة، وعالية النبرة والصوت.

"one way ticket" وصف صحيح لواقعنا، ولا أعلم لماذا انتفض كثيرون عندما تناول الكلام الرئيس سعد الحريري الذي له من الإمكانات ما يكفي، اذا ما قرر يوماً عدم العودة، ليستقر في لبنان. لديه من المال والبيوت والعلاقات والمصالح والضمانات ما يكفي عائلته. ولكن ماذا عن المدافِعين، والناس العاديين، يسألون أنفسهم الى أين يذهبون اذا ما تدهورت الأوضاع؟ وكم يكفي احتياطهم من المال لسداد حاجاتهم الضرورية اذا ما أجبروا على الرحيل؟ والرحيل القسري يعني التهجير… أليس كذلك؟

في الأمس القريب، سمعت صديقاً لي يسأل عن أسعار الشقق في قبرص، ولما شجعته على فكرة الإستثماري الطامح الى ما وراء البحار، أجاب "ليس استثماراً بل خطوة احتياطية. فقد جربنا الحروب، الداخلية والخارجية، وكان بعضنا يهرب الى سوريا والبعض الآخر الى قبرص، أو الى عمق أوروبا، وما زلت أفكر في الأمر عينه، لقد تكلفنا كثيراً في قبرص خلال "حرب التحرير" و"حرب الإلغاء"، لكنني ما زلت أحلم بوطن اسمه لبنان. لذا أفكر في منزل احتياط في قبرص ألجأ اليه اذا تدهور الوضع، فأحجز مع عائلتي بطاقات one way ticket، ونستقر في الجزيرة القريبة، وعندما نجد الظروف الملائمة نعود، فبطاقات السفر الى قبرص ليست غالية الثمن".

حزنت، لا لصديقي الذي يحتاط، بل لنفسي ولمواطنيّ اللبنانيين العائشين في عبثية السياسيين، لكأنه لا يكفينا التهديد الإسرائيلي، والوضع السوري وارتداداته المحتملة، والعصا الأميركية على قطاعنا المصرفي، وشحّ عدد السياح، حتى نعود الى لغة التهديد والوعيد في الداخل، والتلويح بالتهجير والسجن وخلافها من عنتريات تعيد الزمن الى الوراء، وتؤكد اننا شعب (…) لم يتعلم من أخطاء ماضيه القريب والبعيد، وانه يحمل في جيناته تلك "اللوثة الفينيقية" القائمة على المتاجرة بكل شيء، والسمسرة حتى في بيع الدماء، كما يجري في العراق حالياً، حيث يبيع الشباب العاطلون عن العمل عبوات من دمائهم للعيش.

"فرصة" بيع الدم ليست متاحة أمام اللبنانيين لأن السياسيين "نشّفوا دمنا" وسيسفكون ما بقي منه في الشارع فيسيل مجاناً، كما جرى في مراحل سابقة. وحبذا لو يعود الناس الى الأرشيف، فيشاهدوا بأم العين، كم من دماء سالت وكان أصحابها مسرورين للشهادة أملاً في تحرير الأرض والتراب، قبل الشروع في بناء دولة.
اليوم، حررنا الأرض، أو معظمها، لكننا لم نتمكن من تحرير الإنسان اللبناني من براثن احتلالات ورواسب عمالات تفتح لنا أوتوستراداً في إتجاه واحد (one way ticket) الى الهلاك.

"الشعب يريد ترييح الحمار"

قرأت في صحيفة "دنيا الوطن" مقالاً بعنوان "الشعب يريد ترييح الحمار، حملة مليونية لإنقاذ الحيوانات من قسوة البشر". ورغم ان الكاتب عربي والصحيفة عربية، أي انه يدرك تماماً واقع العرب وانشغالاتهم البعيدة من حقوق الحيوان، في غياب حقوق الإنسان، الا انه ألبس نداءه عباءة الإسلام لزيادة تأثيرها، فروى الآتي:

"تجلت رحمة المصطفى بالخلق، فتعدت نطاق البشرية الى نطاق الحيوانات العجماوات، فقد دخل حائطا لرجل من الأنصار فإذا فيه جمل، فلما رأى الجمل النبي حن وذرفت عيناه، فأتاه رسول الله فمسح ذفراه فسكت، فقال: "من رب هذا الجمل؟ لمن هذا الجمل؟" فجاءه فتى من الأنصار فقال: "لي يا رسول الله". فقال له: "أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله اياها، فإنه شكا الي انك تجيعه وتدئبُه".

لا أعلم أي تعليق يليق بالمقام، وينطبق على حالنا، ولا أعلم كيف ينظر الينا السياسيون، المهم ان ننال بعضاً من حقوقنا، أوردت في الشرعة العالمية لحقوق الإنسان، أم في الفلسفة المتجددة للعناية بالحيوانات ورعايتها.
ربما حان الوقت لحملة مليونية لبنانية لإنقاذ الوضع.

السابق
النهار: لا توافق حكومياً على بند المحكمة ومواقف عون تختبر تماسك الأكثرية
التالي
النهار: دمشق ستنسى أن أوروبا على الخريطة وواشنطن تستوضح المعارضة رؤيتها لما بعد الأسد