هل يملك الغرب تصوراً لما يريده من سورية؟

 
حسناً فعل الرئيس بشّار الأسد حين خصّص خطابه الأخير في جامعة دمشق للداخل السوري حصراً وتجاهل كل الصراخ عالي النبرة الآتي عبر الحدود، من البلدان قريبة وبعيدة. وكذلك فعل وزير الخارجية وليد المعلم بالأمس عندما ضرب «ضربة معلم» واختصر المشهد بعبارة واحدة مؤكّداً أن «القافلة السورية تسير مهما عوت الكلاب»، وأن سورية نسيت أن هناك أوروبا على الخارطة.

الموقف السوري الصلب الذي ظهر في اليومين الأخيرين، ليس ناجماً من عناد القيادة وعدم رغبتها في «الاعتراف بانهيار حكمها وانقلاب الرأي العام عليها وسعيه الى التخلّص منها»، كما تحاول أجهزة الإعلام العربية والغربية التي تقود الحرب الإعلامية في محاولة لإيجاد واقع افتراضي ـ ولو مبالغ فيه ـ يهدف الى تجييش الرأي العام السوري والعربي والدولي، والاستفادة من المعطيات التي توفرها هذه التغطية في سياق الضغوطات السياسية الدولية وعبر مؤسسات الأمم المتحدة. بل إن هذا الموقف نابع من حقيقة ساطعة كرّسها المشهد المليوني النادر الذي رسمه الشعب السوري أول من أمس دعماً لمسيرة قيادته الإصلاحية الشاملة، وهو الأمر الذي لم يجد فيه الإعلام العربي والغربي «الحر»، حدثاً يستحق التغطية.

بعد التظاهرات المليونية المؤيّدة التي غصّت بها معظم المحافظات السورية، يبرز السؤال عن مسار الأمور وطبيعتها على الأرض وخلف الكواليس، خصوصاً أن ردود الأفعال الأوروبية والتركية والأميركية المتجاهلة للدعم الشعبي الكبير الذي يستند إليه الرئيس الأسد، توحي بأن عمليات الضغط والابتزاز التي مورست ضد دمشق حتى اليوم، لن تتوقف بل من المتوقع أن تزداد حدّتها في الأيام المقبلة.

في هذا السياق، يكشف دبلوماسي غربي في بيروت، أن ثمة رأيين متعارضين تبلورا في بعض العواصم المنخرطة في الحملة على سورية، ومنها باريس وواشنطن و»تل أبيب» على وجه الخصوص، حيال التعامل مع الواقع الجديد الذي فرضه خطاب الرئيس الأسد وخروج الحشود الجماهيرية الضخمة المؤيدة، وخصوصاً بعد فشل المحاولات الإعلامية بالترويج لمقولة: «خروج تظاهرتين في دمشق واحدة مؤيدة للنظام والأخرى معارضة له».

ويوضح الدبلوماسي الغربي، أن الرأي الأول الذي يدعمه بشكل واضح وزير الخارجية الفرنسي الآن جوبيه وعدد من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي من الجمهوريين، يدعو الى ضرورة استكمال ما بُدئ واغتنام الفرصة للقضاء على الحكم القائم في سورية، حتى لو اقتضى الأمر إغراق سورية في فوضى شاملة تكون نتيجتها تقسيم البلاد، مشيراً الى أن أصحاب هذا الرأي ينصحون بالاستفادة من اللحظة التاريخية للقضاء على خصم تاريخي، وذلك عبر استغلال أجواء التغيير التي تخيّم على المنطقة، خصوصاً بعد انطلاق عجلة ما سمي بـ»الربيع العربي» بعد الإطاحة بنظامي زين العابدين بن علي في تونس وحسني مبارك في مصر. ويستفيدون في سبيل ذلك من الغطاء الدولي، الأميركي ـ الفرنسي على وجه الخصوص، ومن الدور التركي الذي يشكّل «مقرّاً استراتيجياً» للمعارضة السورية.
في حين، يحذّر الرأي الثاني من الدخول في سيناريو غير مضمون يجعل من تفجير الوضع في سورية مدخلاً إجبارياً وحتمياً لتفجير المنطقة برمّتها، حيث ستكون الحرب الشاملة غير مضمونة النتائج إحدى التداعيات البديهية للمضي فيه، ما يعني أن مصالح الدول الكبرى والمصالح «الإسرائيلية» بشكل أساسي، ستواجه مصيراً كارثياً.

ويدعو أصحاب هذا الرأي، بحسب المصدر، الى الاستفادة من العدد الكبير من الملفات التي من شأنها أن تشكّل عامل ضغط قوي على القيادة السورية لسحب تنازلات منها، يؤدي الغرض عوضاً عن إدخال المنطقة في آتون الحرب، موضحاً أن التلويح بحزمة إضافية من العقوبات الأوروبية أو الدولية، وتحريك الملف السوري النووي في مجلس الأمن، وتفعيل ملف المحكمة الدولية من جديد، تأتي جميعها، في حال المضي بها دفعة واحدة، في سياق الضغط البديل من التدخل العسكري.

يكشف المصدر نفسه، أن الجهات المشرفة على أعمال عدد من المجموعات المسلّحة التي نشطت في سورية أخيراً، إضافة الى بعض المجموعات من الناشطين الحقوقيين والسياسيين الذين توّلت بعض وسائل الإعلام تسويقهم على أنهم الجهات المنظّمة لما سمي بـ«الثورة»، تعمل حالياً على إنقاذ حركات الاحتجاج الشعبية بعد حال الإحباط التي أصابت معارضي الخارج إثر التظاهرات العارمة أول من أمس، عبر التأكيد على أن الدعم الدولي لا يزال متوافراً لها بالزخم نفسه، وذلك ريثما يستقر الرأي حول أي من السيناريوهين سيعتمد للمرحلة المقبلة.

وفي الحديث عن المجموعات التي تحرّكت في أكثر من منطقة حدودية سورية، يلفت الدبلوماسي الغربي الآتي من مؤسسة بلاده العسكرية، الى الأسلوب التكتيكي الذي اعتمدته هذه المجموعات في تحركاتها، سواء تلك التي اتخذت طابع المسيرات الشعبية، أو تلك المسلّحة التي واجهت القوى الأمنية والعسكرية السورية بأسلوب حرب العصابات، وفق استراتيجية نقل ساحة المواجهة من مكان الى آخر أو نشرها في أكثر من رقعة جغرافية في الوقت نفسه بسرعة قياسية، الأمر الذي يظهر مدى الانضباط التكتيكي والتدريب العالي الذي تلقته هذه المجموعات وعلى مدى فترات زمنية طويلة سبقت تحركها على الأرض، مشيراً في هذا السياق الى الكمّ الكبير من الأسلحة الحديثة التي صودرت من ساحات المواجهات.

وبرأيه، أن تحرّك المجموعات المسلّحة على هذا النحو كان يهدف الى الإيحاء بأن التحركات تتّسم بالشمولية وتحتل رقعة جغرافية واسعة وممتدة، ما يؤدي الى حالات انهيار سريعة على أكثر من صعيد على مستوى مؤسسات الدولة السورية ولاسيّما المؤسسة العسكرية، واستدعاء أعلى مستويات التدخل الخارجي، فضلاً عن عرقلة جهود الدولة ومحاولاتها الهادفة الى احتواء الوضع واستعادة زمام المبادرة.

في هذه الأثناء، يبرز السؤال عن الهدف من الحملة التي تتعرّض لها سورية. تساؤل يفرضه مسار الأمور على الأرض وفي مطبخ السياسة العالمي على السواء، حيث الغموض يكتنف مواقف القوى الكبرى. فواشنطن مثلاً لم تعلن جهاراً رغبتها في تغيير القيادة السورية واستبدالها بأخرى، بصرف النظر عن الطريقة المتبعة في سبيل ذلك، غير أنها أعلنت وقوفها الى جانب من تسميهم «الشجعان من أبناء الشعب السوري» في إشارة الى المعارضة حتى المسلّحة منها، ومواقف الدول الأوروبية، باستثناء فرنسا منها، تلتزم حتى اليوم سقفاً محدّداً لم يبلغ مستوى التنديد والشجب والدعوى الى ما يسمى تسريع الإصلاحات.
ومع تجاهل الغرب لكل الخطوات الإصلاحية التي قامت بها القيادة السورية وأيضاً تجاهله حجم التأييد الشعبي الضخم، ثمة سؤال يطرح نفسه: ماذا يريد الغرب من سورية؟ أيريد تغيير الحكم فيها أم تعديل سلوكه بصرف النظر عن الوسائل المتاحة والقدرة على تنفيذ تلك الرغبات؟

إنطلاقاً من هذا الواقع، يرى الدبلوماسي الغربي أن الدول الغربية الضالعة في الحملة على سورية، وبخاصة واشنطن وباريس، تفتقر الى تصوّر واضح لما تريده من دمشق، موضحاً أن هذا الأمر تفسرّه العشوائية في إطلاق المواقف والأحكام من التطورات على الأرض في سورية وخصوصاً الخطوات التي تتّخذها القيادة.

ويشير المصدر ـ إضافة الى عدم وضوح الرؤية الغربية والإرباك الذي تتخبّط به حيال سورية ـ الى الصعوبة التي تقرب حدّ الاستحالة لنجاح أي تحرّك غربي يهدف الى زعزعة أركان الحكم في دمشق، مستنداً الى عدة عوامل تعتبر ركائز استراتيجية لقيام أي دولة قوية أبرزها التأييد الشعبي الكاسح الذي تحظى به القيادة السورية على رأسها الرئيس بشّار الأسد الذي نجح ببناء ثقة متبادلة مع شعبه. وتماسك المؤسسات العسكرية والأمنية بشكل كبير ولافت.

وفي المقابل، يلفت المصدر الى تشتّت الأطراف المناوئة للحكومة السورية، وفشل محاولات اصطناع قوى معارضة منّظمة، قادتها تركيا بشكل أساسي، قادرة على مضايقة الحكومة ومقارعتها وصولاً الى إسقاط حكمها، فضلاً عن افتقار الجهات المناوئة الى القاعدة الشعبية التي من شأنها أن تشكّل السند القوى لها على الأرض، معتبراً أن هذا ما يُفسّر الاعتماد الأساسي على الخطط الإعلامية ووسائل الإعلام المتنوعة لسد هذه الثغرة.

الى ذلك، يُسجّل للمعارضة السورية فشلها الكبير في إقناع الرأي العام السوري خصوصاً والعربي عموماً، بتشكيل ظهير قوي لها يتبنى خطابها السياسي ويتماهى مع تحرّكاتها، كما حصل في كل من تونس ومصر وما هو حاصل اليوم الى حدّ كبير في اليمن. ففي حين تعتبر القيادة السورية ـ تاريخياً ـ على رأس الجبهة المواجهة للاحتلال «الإسرائيلي»، والداعم الأقوى للمسألة الفلسطينية وحركات المقاومة في العالم العربي، ظهر أقطاب المعارضة السورية على شاشات التلفزة «الإسرائيلية» بدءاً من عبد الحليم خدّام وصولاً الى المرشد العام للإخوان المسلمين السابق صدر الدين البيانوني، ما شكّل صدمةً للرأي العام السوري تُرجم رفضاً مبدئياً لتلك المعارضة وتمسّكاً متزايداً بالثوابت الوطنية والقومية السورية.

وانسحاباً على الفشل الشعبي الداخلي، لم تستطع المعارضة السورية استقطاب رأي عام عربي مساند لها، بعد مسارعتها الى تبنّي العنف واللجوء الى السلاح، في محاكاة للموقف الليبي. وتشرح بعض التحركات «المؤيدة للشعب السوري» التي انطلقت أخيراُ في لبنان، صورة المشهد: بضعة مئات من المسلّحين الإسلاميين شمالاً يكيلون الشتائم للطوائف الأخرى دعماً للشعب السوري، وثلة من الصبايا والشباب من مثقوبي الآذان والأنوف والحواجب، وليس من بينهم أي سوري، يتجمعون بين الحين والآخر في شارع الحمرا يتأفّفون من عنف «النزام» السوري.

السابق
اللواء: رفض عون لإدراج المحكمة في البيان يحرج بعبدا والسراي وحزب الله منشغل بالمناورات الإسرائيلية ··· والإتحاد الأوروبي يحذّر من تجاوز القرارات الدولية
التالي
الحياة: 14 آذار سنواجه صفاً واحداً وسلمياً حكومة انقلاب النظام السوري – حزب الله