دراما النكتة في لبنان

حلمٌ مشروع لوزير الإعلام اللبناني وليد الداعوق، أن يدعو إلى إنشاء «مدينة إعلامية في لبنان» أسوة بتلك التي تحتضنها دبي. وبعيداً من المفاضلة أو المقارنة، ربما تشجّعَ الوزير بربيع السياسة الدائم في لبنان، وحيوية الصراعات المزمنة بين كل موالاة وكل معارضة منذ استقلال البلد، وتفاعل الأفكار والاشتباك بين أقطاب القوى والأحزاب والتيارات، الكفيل بتأمين بيئة مثالية لإعلام نشط.

لكن الوزير إذ يشيع تفاؤلاً واهناً بـ «الحريات المصانة» في لبنان، ويتمنى أي إعلامي أن يصيب في تفاؤله، قد يدركه السقوط في شرك التناقض. وأما الوهن فمرده الى شكوى عشرات من الصحافيين وممن يعملون في الإعلام المرئي والمسموع، منذ باتوا أسرى التصنيف القسري واستتباعهم بالقوى السياسية، كلما احتدمت بين فريق سياسي وآخر، أو بين معسكري المجابهة… خصوصاً منذ العام 2005.

وأما جوهر التناقض فيكمن بين تلك الحريات الخفية، منذ بات الجميع متوافقاً على مبدأ «إما معي وإما ضدي»، وبين دعوة الوزير المؤسسات الإعلامية الى ممارسة رقابة ذاتية… في ذروة الانقسام والتحديات وعنتريات الذين ينكرون روح الانتقام ويمارسونه ببراعة.

بكل بساطة، قد يُسأل وزير الإعلام ما إذا كانت مهمة تلك المؤسسات ممارسة الرقابة على زعماء قوى أو تيارات، يقولون في الليل ما لا يمكن أن يمحوه النهار، إلا في لبنان. فالأصل في النيّة، وتقبّل الخصم روح «النكتة»، ولو استبطنت ميلاً الى الاستئصال. الأصل في اللعبة الديموقراطية في البلد الصغير، أن لا حليفَ دائماً ولا خصمَ دائماً، كما في أي سياسة، ولكن كل شيء مباح ما دام الهدف جمهورية قوية… فيها يباح لبعض الزعماء التهديد ورشق الخصم بحجارة السرقة واللصوصية والاحتكار، وإضرام نار الفتنة. ورغم كل ذلك، يشكون انحدار الخطاب السياسي في عصر الانحطاط!

مقولة الرقابة الذاتية تدفع إلى تخيّل دور للإعلامي أو الصحافي في لبنان، مصلحاً بين الرؤوس الحامية، والألسن الحادة، أو رجل إطفاء لحرائق الأحقاد والثارات، أو طبيباً لمريض ميؤوس من حاله، ما دام التكاذب سيداً، وبراعة بعض الساسة تكاد أن توهم اللبنانيين بأنهم هم الشياطين، ومَن يسوسهم يتطوع، ويتنازل خدمةً لهم، ولحقوقهم.

إما معي وإما ضدي، معضلة تتجدد في لبنان، كلما بات على عتبة تحوّل، أو قفز بعض مَن في حلبته السياسية عن حقائق الانتصارات المضلّلة التي لم تدم لأي فريق في الداخل، وأي طرف في الخارج. كل ما كان، رغم أثمانه المسرفة في دمويتها، يتناساه من يدخل على خط الاشتباك الإقليمي تارة، أو يتوهم بأن مصير النفوذ الأميركي في العالم، سيُحسم في لبنان، أو يسرِف في التحضير لشطب كل معارض خصم، فيتوعده، فيما السلطة تشيد بنزاهة القضاء.

مع كل ذلك، لماذا يفتقد الخصم روح «النكتة»؟ كل ما في لبنان مع بداية عهد حكومة متهمة بكونها ثمرة لمصادرة الأكثرية الحقيقية، لا يدعو إلا الى الانفراج والبهجة(!) رغم ازدياد الفقر والبطالة، برعاية الرؤوس الحامية التي تعد بالتطهير وتجيّش الصدور دفاعاً عن الجيوب النظيفة… وتخدع العقول بالتعفف اللفظي عن الكيد.

لبعضهم ان يرفض «النكات» في لبنان، ما دامت دماء كثيرة تسيل في الربيع العربي، على الأقل من باب التعاطف مع الشهداء في المنطقة. وأما صخب التهديد والوعيد فلا يتعدى في هذه الحال الآن محاولة بائسة لرد الاعتبار، خارج كوكب الربيع وبراكينه.

وإذ يجدر بالمعسكر الآخر، قوى 14 آذار، الاعتراف بحظوظه البائسة، وهو يتلقى الطعن في الصدر بعد الطعن في الظهر، لا أحد ينازعه حق المعارضة سلماً في مواجهة «حكومة سورية وحزب الله»… ولكن، المعارضة إلى متى، خصوصاً إذا تبدلت رياح الربيع، واقتضى التمديد للقوات الأميركية في العراق، صفقة جديدة بين واشنطن وطهران؟

أميركا أوباما تحتاج وجودها العسكري في العراق لئلا تباغتها الحقائق الجديدة في حقبة الانتفاضات العربية. أما طهران فعاجزة عن التخلي عن الحليف السوري.

السابق
من يفرّط بإرث الحريري؟
التالي
الانباء: مصادر في المعارضة: دعوة سليمان للحوار.. مردودة مع الشكر