بي بي سي تتقصى ما حدث في جسر الشغور

تزعم الحكومة السورية أن مسلحين خارجين عن القانون ارتكبوا "مذبحة شنيعة" في جسر الشغور قتل فيها مائة وعشرون من عناصر الامن في الفترة بين الثالث والسادس من الشهر الجاري.
ويقول نشطاء المعارضة إن ماحدث هو أن مجموعة من الجيش أطلقت النار على مجموعة أخرى لأنها رفضت إطلاق النار على المتظاهرين.

مراسل بي بي سي، جبريل جيتهاوس حاول تقصى هذه الواقعة التي باتت تعرف باسم جسر الشغور:

في بداية الشهر الحالي، قالت الحكومة السورية إن"عصابات مسلحة" قتلت 120 رجل امن في البلدة، القريبة من حدود سورية مع تركيا.

وسريعا جاء النفي من جانب المعارضة التي فندت رواية الحكومة.

ولم ينف المتظاهرون، المطالبون بالحرية والإصلاح وتغيير النظام ، مقتل الجنود. لكنهم أكدوا أن الذي قتلهم هو النظام السوري، رميا بالرصاص لأنهم رفضوا، كما يقول المعارضون، إطلاق الرصاص على المحتجين العزل من السلاح.

مستحيل
ويبدو من المستحيل التحقق من مصادر مستقلة من التقارير التي تناولت حادثة جسر الشغور.

مع ذلك، فإنه ما بين الادعاءات والادعاءات المضادة، يظهر خيط رفيع قد يكشف حقيقة ماحدث.

ففي الثالث من يونيو حزيران الجاري، وبعد صلاة الجمعة، تجمع المتظاهرون في جسر الشغور.

وقتل شخص واحد على الأٌقل يدعى باسل المصري برصاص قوات الأمن، كما يقول النشطاء.

ويبدو أن مقتله فجر سلسلة من الأحداث التي خلفت مقتل أكثر من مائة جندي ودفعت آلاف المدنيين إلى الفرارمن منازلهم إلى تركيا.

القناصة ومكتب البريد
في اليوم التالي لهذه الأحداث، دفن جثمان المصري. وقال أحد النشطاء لبي بي سي إن حوالى 15 ألف شخص حضروا الجنازة. وأوضح أنه شخصيا شهد ما حدث لاحقا.

فقال: "خلال الجنازة أطلق قناصة كانوا على سطح مبني مكتب بريد البلدة الرصاص على المتظاهرين."

وهذا الكلام تعززه فيما يبدو أقوال شاهد عيان آخر اسمه أبو عبد الله، الذي أبلغ بي بي سي هاتفيا بأنه "كان هناك إطلاق نار عشوائي على المتظاهرين."

ويضيف: "لا أحد يمكنه تقدير بشاعة ما حدث مالم يكن هناك. لقد كان إطلاق النار كثيفا كما لو كانوا يطلقون الرصاص على حظيرة مواشي. بل إنهم ربما كانوا أرحم على المواشى من المتظاهرين".

لذا سرعان ما استحالت الجنازة إلى تظاهرة أخرى حول مكتب البريد في الميدان الرئيسي في بلدة جسر الشغور.

وقال شهود العيان إن المتظاهرين الغاضبين أحاطوا بالمبنى ورددوا شعارات مناهضة للنظام.

وهناك تعرض المتظاهرون لإطلاق نار مجددا، وهذه المرة من داخل مبنى مكتب البريد.

روايات متباينة
إلى ذلك، تتفق معظم الروايات. غير أن ماحدث لاحقا هو موضع خلاف.

فالحكومة تقول إن عصابات مسلحة اقتحمت المنشآت العامة في البلدة وقتلت الجنود والمدنيين وقوات الأمن قتلا عشوائيا.

إلا أن شهود عيان آخرون يقولون إن قوات الأمن، التي حوصرت داخل المبنى الذي اقتحمته وحاصرها الناس الغاضبون، طلبت العون من الجيش النظامي.

المدن السورية تشهد من حين لآخر مسيرات مؤيدة للنظام

يقول محمد فازو إنه عندما وصل الجنود، رفض كثير منهم إطلاق نيران أسلحتهم لما أدركوا أن المتظاهرين غير مسلحين.

وأضاف" عندما لم يفتح الجيش النار علينا، أطلقت قوات الأمن الرصاص على جنود الجيش الذين رفضوا إطلاق النار علينا وحينئذ رد الجيش بإطلاق النار على عناصر الأمن الذين فتحوا نيران أسلحتهم على زملائهم فأردوهم قتلى".

ولم يقل لنا أي من الذين تحدثنا معهم كيف انتهت المواجهة.

غير أن معظم الذين تحدثنا معهم يتفقون على أنه بحلول يوم الإثنين، غادرت قوات أمن الدولة وتحولت جسر الشغور إلى بلدة أشباح.

غيوم وتضارب
ومن بين غيوم وتضارب الروايات المتباينة، يظهر رجل واحد كبطل للمتظاهرين.

وبعد أيام من معركة جسر الشغور، بث شريط فيديو على موقع "يوتيوب". يظهر رجلا نحيفا في منتصف العمر بزي عسكري ويقول إنه اسمه هو المقدم حسين هرموش، يحملق في الكاميرا، وهو يتلو بيانا بدا واضحا أنه أعد مسبقا.

يقول حرموش: "أعلن انشقاقي عن الجيش". قالها وهو يعرض بطاقة هويته العسكرية لتأكيد شخصيته.

وقد بحث صحفي من مجلة تايم الأمريكية عن المقدم وقاده البحث إلى قرية قرب الحدود التركية.

وحسبما جاء في تقرير الصحفي فإن المقدم حرموش قال إنه والجنود الخاضعين لقيادته أرسلوا إلى جسر الشغور لاستعادة النظام.

وأضاف أنه لما بدأ الجيش قصف البلدة، قرر الإنشقاق عن الجيش وزعم أن 30 من جنوده انشقوا معه.

غير أنه عندما نجحت بي بي سي في الاتصال بالمقدم هاتفيا، حكى قصة مختلفة حتى عن الأساطير المسجلة في كتب التاريخ.

فقال إن إنشقاقه حدث فعليا بعد أربعة أيام من أعمال القتل في جسر الشغور في التاسع من يونيو/حزيران.

بل إنه زاد على ذلك قائلا إنه انشق في بلدته، وأنه انضم فقط إلى عدد من المنشقين الآخرين في البلدة لاحقا.

وأكد" لم أكن هناك ( في جسر الشغور) في ذلك الوقت فقد وصلت إليها يوم التاسع من يونيو، وعندما وصلت لم يكن هناك أي وجود للجيش السوري".

اعترافات
وعلاة على ذلك ، قال هرموش إن أيا من المنشقين الآخرين الذين التحق بهم لم يكن موجودا وقت وقوع المذبحة المزعومة.

واعترف هرموش بأنه اختلق معظم قصته الأولية فقط لإحراج الجيش السوري.

لكنه حتى لو لم يكن المقدم هرموش الذي قاد القتال ضد قوات الأمن في مكتب البريد هذا اليوم الحاسم ، فمن كان القائد إذن؟

رحيل نظام الأسد مطلب المحتجين في سورية

لجسر الشعور تاريخ من التمرد ففي عام 1980 ، انتفض عدد مواطني البلدة ضد الرئيس حافظ الأسد ، والد الرئيس الحالي بشار.

ودفعوا ثمنا باهظا فقد أرسلت القوات إلى البلدة ، بحثا عن هؤلاء الذين كانت تعتقد أنهم وراء الانتقاضة وقتلهم.

وموقف الحكومة السورية هو أن جنودها يذهبون إلى البلدات والقرى في أرجاء البلاد لحماية السكان المحليين وبناء على طلبهم.

والمتظاهرون، من جانبهم، يؤكدون دائما أنهم جميعا غير مسلحين وأن تظاهراتهم سلمية ولذا فإن فكرة أن مدنيين مسلحين يمكن أن يهاجموا قوات الأمن السورية تهدف إلى تشويه صورة المتظاهرين.

إلا أن أحد المتظاهرين الذين تحدثنا معهم اعترف بأنه في حالة جسر الشغور، فإنه ربما يكون لدى سكان البلدة ليس فقط الدافع ولكن أيضا وسائل الحصول على السلاح.

"نعم هناك أسلحة"
وقال أمير الصادق، هو ناشط تحدث إلينا من العاصمة السورية دمشق،" نعلم أن هناك أسلحة في المدن الحدودية".

وأضاف" لو أن لدي مسدس وحاول شخص ما اقتحام منزلي لقتلي واغتصاب بناتي وخطفهن، فلن أتردد لحظة في استخدام هذا السلاح دفاعا عن بيتي وأسرتي. لذا، أعتقد فإنه في هذا السياق ، وقعت هذه الأحداث دفاعا عن النفس".

وأيا تكن حقيقة ماحدث في جسر الشغور بين الثالث والسادس من الشهر الجاري، فإنه كان تحديا مباشرا وقويا لقبضة النظام السوري على السلطة في البلاد.

لقد فر المقدم هرموش وكثير من زملائه المنشقين عن الجيش، إلى تركيا ويقول إنه ورجاله ليس لديهم القدرة او الرغبة في تحد الحكومة عسكريا.

وحاولت بي بي سي مرارا التحدث إلى ممثل للجيش السوري يمكنه التعبير عن رواية الجيش للأحداث التي وقعت في جسر الشغور، غير أن هذا ليس متاحا.

وما يبدو واضحا هو إنه مع كل مواجهة جديدة ، يدفع النظام السوري أعدادا أكبر من مواطنيه إلى التمرد.

السابق
الخصوبة تؤثرعلى الانتباه الجنسي للمرأة
التالي
أوباما يعلن بدء عملية الإنسحاب التدريجي للقوات الأميركية من أفغانستان