كما ايران والعراق: سورية جائزة تركية

الخميس 23 حزيران 2011

يذكر كلام وزير الخارجية السوري وليد المعلم عن انه سينسى أن أوروبا على الخارطة، بكلام وزير الاعلام العراقي محمد سعيد الصحاف قبل احتلال العراق. ويستدرج الوزير المعلم المراقب الى لعبة المقارنات بين نظامي حزبي البعث في سورية الاسد وفي عراق صدام حسين. وهي مقارنات قد تستدرج استنتاجات وخلاصات في مسار الازمة السورية اليوم.
هكذا تحاكي "التظاهرات المليونية" دعما للنظام وقائده، التي شهدتها سورية امس الاول، اخر تظاهرات وصلت الى عشرة ملايين عراقي مؤيد للقائد والنظام قبل سقوطهما. ووجه المحاكاة يعود الى طبيعة النظامين البعثية، وهيمنة القائد والعائلة كرمزين للسلطة والدولة، والتترس بنظام أمني متسلط، واستناد كل منهما الى عصبية طائفية اقلوية، وقدرة فائقة على نبذ والغاء وجود اي اعتراض او معارضة في الداخل، وتركز المعارضة السياسية ورموزها ضد كليهما في الخارج. كما يتساويان في عدم المبالاة حيال الكشف عن مصير عشرات الالوف من المفقودين من ابناء الشعب خلال عقود حكمهما، فضلا عن امثالهم من القابعين في السجون بتهم سياسية كمعارضة النظام!
بعد هذا القدر من التشابه القائم على سلاسل من الاستبداد، تتهاوى مقولة ملتبسة لجهة العداء لاسرائيل، اذ بعد هذه السلسلة المركبة يمكن ان نفهم التمسك بشعار العداء لاسرائيل، الذي ظهر انه ورقة التوت الوحيدة التي يعني سقوطها نهاية اي مبرر لوجود النظام. هي اللعبة التي انكشفت منذ زمن وها هي تتهاوى… افعل ما تشاء بشعبك وارفع شعار المعركة مع العدو، ربما "تزمط".
لذا فإنّه بعد سقوط النظام العراقي في العام 2003 برز لدى اوساط واسعة في الشعب العراقي موقف تمثل بطرد آلاف الفلسطينيين من العراق ، من دون ان يستطيع احد وقف هذه العملية، وجزء كبير من هؤلاء لم يزل معلقا في مخيمات مازالت قائمة حتى الآن على الحدود العراقية – الاردنية. وهذا كان رد فعل يراه البعض متوقعا، وان كان مؤلما ضد الفلسطينيين عموما، ولم يقوض عدالة القضية الفلسطينية في وجدان الشعب العراقي بطبيعة الحال، بل طال الاستخدام المغلوط لهذه القضية من قبل النظام العراقي، بتحويلها الى شماعة للاستبداد والتمسك بالسلطة، وجعلها متراسا له في مواجهة الشعب والخارج.
لقد حاول النظام في سورية، خلال ازمته الاخيرة، استخدام الوجود الفلسطيني على ارضه عبر بوابة الجولان، لكنه قوّض باكرا هذه الورقة بعدما انتفض ابناء مخيم اليرموك في دمشق بوجه فصائل فلسطينية كانت اداة للاستخدام وهي لا تخفي علاقتها الوثيقة بالنظام السوري الى حد التماهي معه. انتفاضة اظهرت ان الفلسطينيين يرفضون الاستدراج الى فخ سوري داخلي من بوابة الجولان. وهذا ما يفسر اندفاعة حركة "حماس" الى المصالحة الفلسطينية، وتشديد رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس على ان الفلسطينيين ليسوا طرفا في ما يجري في سورية، في استدراك فلسطيني لعدم تكرار المشهد الفلسطيني في العراق.
هناك وجه آخر من المحاكاة أتى هذه المرة من خارج البلدين، هما ايران وتركيا. اذ لا يخفى على أحد ان ايران، وان لم تؤيد علنا احتلال العراق وافغانستان من قبل التحالف الغربي، وان وجدت اسبابا لتسهيل الدخول الاميركي اليهما، إلا أنها شجعت المعارضة العراقية المقيمة في ايران للتحاور مع الادارة الاميركية والانخراط في المشروع الدولي لتغيير النظام العراقي. وفي معزل عن خلفية الموقف الايراني آنذاك وحساباته، الا ان المراقب يمكن له الإستنتاج ان العراق، ومنذ العام 2003، بدا جائزة ايرانية اكثر منه اي شيء آخر على المستوى الدولي والاقليمي.
المشهد السوري اليوم قد لا يتطابق تماما مع المشهد العراقي عشايا سقوط نظام صدام حسين. فقد اتيح للاخير ان يقمع قبل 12 سنة انتفاضة وقعت في مناطق الجنوب العراقي اثر عملية تحرير الكويت، وبغطاء دولي، وتحررت كردستان العراقية من قبضته بدعم دولي بعدما كانت نالت حصتها في مجازر حلبجة الشهيرة. لكن الثابت في وعي العراقيين والسوريين عموما، وبكل اسف، ان الغرب هو من يستطيع ان يمنع تورط الانظمة في ارتكاباتها ضد شعوبها. فالانظمة تحترم الدول الكبرى وتهابها ولا تأبه لشعوبها. وتركيا اليوم في سورية تستعيد الدور الايراني في العراق: ايران دخلت المنطقة من بوابة العراق وتركيا تطمح لهذا الدور وتسعى اليه بالوقوف مع الشعب السوري الذي يقاتل اعزلا من اجل استعادة حرية بخل عليه النظام بها رغم كل ما اتيح له من فرص… ولم يزل.
اليوم قال المعلّم ان سوريا ستنسى اوروبا وستتوجه نحو الشرق. حاول أن يقلّد الأردوغانيين وأحمد داوود أوغلو في توجهه شرقا لـ"التغنج" على الاتحاد الاوروبي…(وربما يخاطب واشنطن)، ثمة فارق بسيط، وهو أنّ تركيا تتمتع بعلاقات ممتازة مع الغرب، وتوجهت شرقا لتستعيد امجاد إمبراطوريتها الغابرة، فيما سوريا تزداد "كوبية" في كلام المعلّم، في زمن موت الكاستروية.

السابق
شبكة العملاء في حزب الله: اسرائيلية وغربية
التالي
وزارة التربيـة تتحـوّل إلـى خليـة لكشـف كيفيـة «تسـريب» الأسـئلة