حركة اليسار الديموقراطي» ما زالت حية!

لم ينتبه أحد إلى «حركة اليسار الديموقراطي» وهي تذهب في سبات طويل، يشبه الغيبوبة. الحركة التي كانت فتية، وواعدة بوجوهها وأفكارها وجرأتها وديموقراطيتها، لم يسعفها الصراع اللبناني المنفجر في العام 2005 لتبني تجربة يعوّل عليها. شكلت بعض الفارق في 14 آذار، غير أنها سرعان ما ذابت عند أمين سرّها، الياس عطا الله، ومقعده النيابي، ولوثة نجومية الشخص، أسوأ ما جلبه معه من الحزب الشيوعي اللبناني. وعطا الله، للأمانة، كان حريصاً على إنهاء أي تمايز لخطاب الحركة عن حلفائها وصراعهم الطائفي، وتطوع، أكثر من ذلك، ليكون رأس حربة خطابهم الحربي ضد خصمهم، فسحقت بسرعة آمال هذه الحركة بأن تكون خياراً ثالثاً، وهو خيار عجز عنه الحزب الشيوعي اللبناني، مع إصراره على تمييز نفسه. خسرت الحركة شهيداً كبيراً بحجم سمير قصير، ثم، قبل أن يمر الوقت، خسرت اثنين آخرين بكّر إحباطهما في نبذهما خارجاً: الياس خوري وزياد ماجد.
بعدها، بدأت رحلة انحدارها إلى غيبوبتها، ولم يكترث أحد. وكأنما الياس عطا الله أتم واجباته جميعاً بعد خروجه من المجلس النيابي، توارى الرفيق تقريباً عن الأنظار، ومعه توارت الحركة، خاصة ان أمين وهبي، ممثلها المفترض في البرلمان تحرر منها من اللحظة الاولى لانتخابه، مفضلاً، من أجل مستقبله بالطبع، أن يكون في كتلة «المستقبل»، الى جانب خالد ضاهر ومعين مرعبي.
هكذا، لا تثير الاشارة الآتية من الجسم الممدد بلا حول، انتباه أحد: في مطلع حزيران الحالي، تطلق مجموعة من الكوادر «التيار الديموقراطي» في الحركة. منهم اسمان تاريخيان، الى جانب عطا الله، هما الاعلامي حنا صالح والناشط زياد صعب. هذا ليس انشقاقاً، انه حق ملحوظ في النظام الداخلي للحركة. وجاء في البيان ان التيار أخذ على عاتقه على «المستوى التنظيمي مهمة متابعة الجهود لعقد جمعية وطنية عامة لم تنعقد منذ أكثر من ثلاث سنوات، واحترام الأصول والقواعد التي تحكم الافراد والهيئات في ما بينهم، ونبذ كل أشكال التفرد والاستئثار». هذا مطلب داخلي أساسي يكمّله ما يشبه النداء «الى كل الديموقراطيين واليساريين الحريصين على الدور الوطني لقوى اليسار بالدعوة الى عمل حقيقي لملاقاة الربيع العربي، والعمل من اجل لبنان وطناً حراً سيداً مستقلاً، ومن اجل قانون ديموقراطي عصري للانتخابات يضمن عدالة التمثيل، ومن اجل اصلاح سياسي اقتصادي اجتماعي، واجواء مؤسسات الدولة، ولا سيما مؤسسات الرقابة والمساءلة واحترام الدستور والقوانين، ومن اجل يسار مبادر وفاعل يستكمل دوره الوطني بمسؤولية بعيداً عن الاصطفافات المذهبية والطوائفية».
التيار تابع في البيان نفسه يقول: «ان هناك حاجة ماسة الى تسوية تاريخية بين فريقي 8 و14 آذار تنتج حكومة انتقالية»… هذا كان قبل تشكيل الحكومة. ميز التيار نفسه، وان من قلب «فريقنا فريق 14 آذار الذي نحثه على المبادرة في الاتجاه الانقاذي».
في الخامس عشر من حزيران، أصدرت «الهيئة الوطنية» للحركة بعد اجتماع برئاسة رئيسها نديم عبد الصمد بياناً مختصراً علقت فيه بعنف على النظام السوري وعلى الحكومة الجديدة وختمت «بدعوة كل الهيئات المناطقية والقطاعية والهيئات في الخارج لتنشيط انخراطها في التحضير للجمعية الوطنية العامة في مهلة لا تتعدى آخر شهر ايلول المقبل».
أمس، أصدر التيار بيانه الثاني، توسع في الهجوم على النظام السوري والحكومة الجديدة والسلاح غير الشرعي. الكلام هو نفسه، ما عدا الاسطر الاخيرة التي طرحت سؤالاً على «فريقنا، فريق 14 آذار: أما آن الوقت لاستخلاص الدروس الحقيقية لكل المرحلة الماضية، وما يجب أن ينجم عنها من مسؤوليات، وكذلك إعادة رسم نهج سياسي آخر يلامس بدقة هموم الناس ومصالحهم الحقيقية».
وأضاف التيار من خارج السياق، أنه «رأى أن البيان الصادر باسم «الهيئة الوطنية» لحركة اليسار الديموقراطي هو مجرد رأي يعبر عن موقف عدد من الأفراد».
نفي الصفة عن الهيئة إشهار خصومة مع رئيسها نديم عبد الصمد. كذلك، فالتيار لا ينفي أن خصومته الاساسية هي مع الياس عطا الله. كوادر التيار ترى أن الاستماع الى الرأي الثاني في الحركة ليس واجب الهيئة القيادية فيه، بل على هذه الهيئة ان تظهر الاختلاف، لأنه ممنوع عدم تعميم الرأي الآخر. كذلك، يبدو «التياريون» حريصين على هامش تمايز للحركة عن خطاب قوى 14 آذار. كما أنهم يبدون معنيين بأن يكونوا صوت ضمير مطلوباً، هو الصوت الذي طالما بحث عنه اليسار، وهو ما يحدوهم إلى التفكير بضرورة نقاش مكونات اليسار جماعات وافراداً وقوى، من أجل إحياء دوره المطالب بالاساسيات، من قانون انتخاب عصري تمثيلي إلى آخر لائحة الحقوق المواطنية والمعيشية المفقودة.
على ان من الصعب لمس الفارق بين خطاب «التيار» وخطاب «افراد» الهيئة الوطنية، ان في الموقف من سلاح المقاومة أو المقاومة نفسها أو في جوهر المواقف السياسية. الخلاف الاساسي هو حتى اللحظة في عدم دعوة الجمعية العمومية إلى الانعقاد منذ ثلاث سنوات. ومع ان الهيئة الوطنية حددت موعدا أقصاه آخر أيلول، تشكك جماعة التيار في الامر، مما حدا بها إلى إخراج الخلاف إلى العلن بهذه الطريقة. الحركة في غيبوبة وهناك من قرر، أخيراً، أن يتحرك لاتخاذ زمام المبادرة فيها. التالي هو معركة انتخابات ديموقراطية على السلطة في الحركة. التيار تكتل لا بأس بحظوظه في الانتصار. لكن هذا كله يشبه الصعقات الكهربائية التي قد تخرج الحركة من غيبوبتها، وقد لا تفعل. إلا اذا ركنا إلى القول بأن أي تغيير لن يكون إلا صوب الافضل، فقط لأن حركة اليسار الديموقراطي من المستحيل أن تكون أسوأ مما هي عليه الآن.

السابق
أمثالك في الدنيا قليل
التالي
البناء: يوم مفصليّ عبَّر عن نبض الشارع السوري الحقيقي والجيش والشعب والمقاومة معادلة في صلب البيان الوزاري وتعديل طفيف في بند المحكمة