“بابا” في السياسة والاقتصاد والفن

سعادة، معالي، رئيس، مدير، أستاذ… كثيرة هي الألقاب التي يحصدونها خلال مسيرتهم المهنية، وتطبع شخصياتهم. لكن، يبقى لكلمة "بابا" وَقع خاص على مسامعهم، فصداها يتردّد في أذهانهم، زارعا البسمة على محيّاهم.

في مثل هذا اليوم من كل عام، يحتفل لبنان وبعض الدول بعيد الأب. في هذه المناسبة تحديدا، التقت "الجمهورية" مجموعة أبناء سَلّطوا الضوء على الوجه الآخر لآبائهم، بعيدا من مجالات العمل اليومية وجدية القرارات الإدارية.

بابا انطوان "زهرة" حياتي

هي وحيدته المدللة، وهو والدها "الذي ألله ما خَلق مِتلو"، على حدّ تعبيرها، بلهفة عارمة ملؤها الحنان، تحتار تاتيانا زهرة (14 سنة) من أين تبدأ بالكلام عن حبّها لوالدها: "صحيح أن لا أخت أو أخ لي، ولكن لم أشعر يوما بالوحدة، أو في حاجة إلى شيء ما، والدي "مْكَفّي وموَفّي".

تجد تاتيانا نفسها متأثرة جدا بشخصية والدها، فتقول: "أترقبه يحدّث الناس، فهو ضليع في مختلف القضايا، سريع البديهة ويجد لكلّ مشكلة الحلّ المناسب، لا سيما انه يتمتع بثقافة عميقة. لذا أسعى دوما إلى ان أكون على المستوى نفسه من الوعي والإدراك". وتضيف: "والدي مدرسة في حَد ذاتها، لا يمكن مجالسته من دون أن توسّع معارفك".

كثيرة هي الخصال التي تعلمتها تاتيانا من والدها، "مِنهُ اكتسبت حُبّ النضال والمثابرة في الحياة وعدم الاستسلام، كذلك العطاء من دون انتظار أي مقابل، وحُب الكرم".

في هذا الإطار، تعتبر تاتيانا انه يصعب عليها تذكّر أنها تشاجرت مع والدها يوما: "لا مكان بيننا لخلافات، يمكن ان نخوض نقاشات طويلة لنتفاهم، ولكن لا نترك للزعَل فسحة، قد تكون المسألة الوحيدة التي تثير بيننا الحساسية هي حين أنصحه بالإقلاع عن التدخين". وتضيف: "يعطيني والدي هامشا كبيرا من الحرية، ونادرا ما يتدخل في تفاصيل حياتي، ولكن الأمور الأكاديمية والتربوية بالنسبة إليه خط أحمر، لا يمكن المساومة عليها". في هذه المناسبة، تمنّت تاتيانا لوالدها الصحة والعمر المديد.

ما لا يعرفه الناس عن صرّاف

قبل ان يكون رئيس مجلس إدارة "ماليا هولدنغ"، ومثالها الأعلى في الحياة، تعتبر جنيفر نفسها أكثر من محظوظة. "في العمل هو مديري، وفي المنزل والدي, وبحكم طبيعة العمل وانشغالنا بدوّامة الحياة، نادرة هي اللحظات الترفيهية التي نمضيها معا. لذا، في عيد الأب هذا العام، سنعمد إلى أخذ استراحة تمتد أسبوعا، نسافر فيها للاستجمام".

بحماسة تامّة وبروح لا تَخلو من التخطيط والتصميم، تسعى جنيفر إلى اقتناص فرصة عيد الأب للبقاء على مسافة قريبة من والدها، تعيد إلى بالها الذكريات الجميلة. وهي لا تخفي حيرتها في اختيار هدية تناسب والدها: "ماذا أهديه وهو ليس في حاجة إلى أي شيء؟". وتتابع موضحة: "في الأعوام المنصرمة سَبق أن أهديته مجموعة صور وردَت له في الصحف والمجلات، إلى جانب مقالات تحدثت عنه. بشكل عام، أنا أميل إلى الهدايا التي تثير الحنين والعاطفة".

"الإيمان، حب الحياة، كرم الضيافة، عشق العمل، تحمّل المسؤولية"، مجموعة صفات اكتسبتها جنيفر من والدها، وبخصوص ذلك تضيف: "الأهم من كل شيء، أن والدي علّمنا ألاّ نلقي يوما رأسنا على الوسادة غير مرتاحي البال والضمير، متممين واجباتنا على أكمل وجه". في هذا الإطار، تلفت جنيفر إلى ان والدها يخفي في شخصيته بحرا من الحنان: "في الحقيقة والدي شديد التأثر وحنون، إلا انه يدرك تماما كيف يتحكم بانفعالاته على نحو لا يظهر على ملامحه".

يعطي خريس للوجود معنى

يشكّل 21 حزيران محطة أساسية في حياة الشابة فاطمة خريس، "هذه ليست مجرد مناسبة نتذكر من خلالها أنّ لنا والدا نحمل اسمه، بل فرصة لنؤكّد حبّنا له". بشيء لا يخلو من التأثر، تعترف ابنة النائب في كتلة التنمية والتحرير علي خريس انها متعلقة بوالدها، إلى حدّ "يصعب عليها دخول المنزل حين لا يكون موجودا، "والدي يملأ الدنيا ويُحَلّيها، ويعطي للأمور معنى مغايرا في حضوره".

سِمات كثيرة اكتسبتها فاطمة من والدها، فتقول: "بابا علي لا يعرف المسايرة أو المجاملة، يسمّي الأشياء بأسمائها، لذا علمنا منذ الطفولة على التحَلّي بالجرأة الكافية لقَول الحقيقة". وتضيف: "يحلو لي استشارته في مختلف القضايا الخاصة، المهنية والجامعية، لأنه يملك نظرة ثاقبة في الحياة".

في هذا السياق، تعترف فاطمة ان لوالدها أسلوبا خاصا في توجيه الملاحظات: "لا أنكر أننا، من وقت إلى آخر، قد نتعارض في وجهات النظر، إلا انه سرعان ما يقنعني بموقفه بحنكة ومن باب التمنّي، فهو لم يفرض علينا شيئا في يوم من الايام".

أمّا عن الهدايا التي تفرّح قلب والدها، فتضحك وتقول: "كل شي مِنّا بِيحِبّو"، على سبيل المثال نقدم اليه ساعة يَد، أو ما يزيّن به غرفته، ولكن ضمن ميزانيتنا الخاصة والمتواضعة". وتتابع: "ما يسرّنا هو ان والدي يستخدم كل ما نقدمه اليه، ولا يهمّه إذا كانت الهدايا تحمل ماركات عالمية، فهو لا يتوقف عند هذه التفاصيل". في هذا الإطار، تعتبر فاطمة أن الهدية الأحَب إلى قلب والدها هي ان يجتمع أولاده الستة مع الأحفاد.

وديع الصافي… وطن ثان

"الأب جِسر العائلة والوطن الثاني لأبنائه"، بهذه الكلمات المعدودة يختصر الفنان جورج الصافي معاني عيد الاب التي يجسدها الكبير وديع الصافي، ويضيف: "هو الراعي الصالح والحنون الذي يخاف، ليس فقط على أبناء من لحمه ودمه، بل على كل من يحمل الهوية اللبنانية".

في يوم 21 حزيران، لا يجد أولاد وديع الصافي أنفسهم المعنيين بهذا العيد، إذ إنّ لأحفاده حصة كبيرة، بتأكيد من شربل (6 سنوات) وجاد (3 سنوات) اللذين حرصا على معايدته على طريقتهما الخاصة: "إزا بِيفِلّ جدو نحنا منزعَل، لإنّو منحبو كتير".

إكتسب جورج من والده الكثير من العِبَر والدروس التي لن يتردّد في نقلها إلى أولاده، أبرزها "حب الوطن، التمسّك بالأرض، الحفاظ على روح العائلة، الإيمان بلبنان مهما اشتدت عليه الصعاب، وحب الموسيقى". في هذه المناسبة، يعتبر جورج أن أفضل ما يمكن تقديمه إلى والده هو "ربطة عنق نادرة اللون أو ملابس، لا سيما ان الصافي يحبّ الأناقة والإطلالات المفعمة بالحياة والألوان الزاهية". ويضيف: "لكن الوالد في كل عيد لا يطلب سوى ان نكون مجتمعين قربه، وأحفاده معه".

"نفتخر بك يا والدي ونكبر بمحبتك لنا، نتضرع إلى الله ليمدّك بالصحة والعمر الطويل". كلمات جورج هذه إلى والده وديع تختصر دعاء الكثير من الأبناء، لا سيما من حَرمَتهم الغربة فرصة الاحتفال بهذا العيد قرب آبائهم.

السابق
الجسر: نزع السلاح من طرابلس ليس شعارا إنما مطلب اساسي
التالي
نحاس: البيان الوزاري مقتضبا، وان يتم إنجازه بوقت قصير لأن هناك قرارات عاجلة يجب إتخاذها