الشاعر أحمد شعيب بينه وبين الشرقية مسافة اسمها إفريقيا

 شاعر الحرية والخيال، في شعره رؤية رومانسية محبّبة يلحضها القارئ لشعره. صقلت الهجرة تجربته ولوّنت أحلامه الخاصة.
أحمد شعيب، بعد عام على غيابه نستذكره هنا ثائراً على العادات والتقاليد، محبّاً للبنان والناس. من الشرقية إلى أفريقيا، وبالعكس رحلة من المعاناة والشعر.

ولد الشاعر أحمد شعيب في بلدته الشرقية وترعرع في أحضان الطبيعة الفاتنة متأثراً بأجوائها الساحرة وحياتها الفطرية الخلابة التي كانت إحدى روافد نزعته الرومنطيقية القوية حيث تجلى الشعر عنده في سن الخامسة عشرة من عمره فساعد ذلك على صقل ملكاته وتوسيع مخيلته الشاعرية.
قضى معظم حياته في أفريقيا وطبع ثمانية دواوين وألف عدداً من الأغاني لكبار الفنانين اللبنانيين وشارك كشاعر مسرحي في المهرجانات والأمسيات الشعرية.

طغى الخيال والعاطفة على شعره الرومنسي فغرق في الوجدانية الحزينة وتغنى بالحب وقدس الحرية، كان ينزع إلى الطبيعة لاعتبارها الخير في مواجهة الشر، «الذي يمثله المجتمع».
يا طير ليش بهالأرض عايش وحيد رفرف وطير وزقزق وغني وعيد
لا إنت متلي مبتلي بهم الهوى ولا جوانحك بيهمها مجال البعيد
تلفت عليي الطير وتنهد وقال ما كان فكري جاوبك عا هالسؤال
لكن أنا وإنت التنين بفرد حال ولازم شريد الحب يشفق عالشريد
وقلي وبكي وبديت متلو بالبكي وصارو الدموع يترجمو عنا الحكي
دمعة عيوني عا حبيبي تشتكي ودمعة عيونو تنوح عاحبو الشهيد

النزعة الاجتماعية – السياسية
تولدت عنده منذ البداية نزعات ترمي إلى غايات سياسية، اجتماعية، أدبية، دينية تجسد قناعاته من خلال نقمته على الوضع السياسي الذي كان وما زال سائداً. فكان يحمل همَّ الأمة ويلاحق حكامها ويهاجمهم مجازفاً بحياته، ينظر إليهم وهم يحتلون الوزارة والمناصب العليا في الدولة ويجمعون من ورائها الثروات الطائلة دون أي استحقاق أو جدارة فيقول:
روحوا اسألوا دروب المهاجر والسفر ليش العم بيهاجر بأوطانو كفر
روحوا اسألوا الزفت الملزم عالدروب ليس الزفت مش قادر يعبي الحفر
روحوا اسألوا أصحاب الخزاين والجيوب هالسارق ذنوبو بسرعة بتنغفر
روحوا اسألوا شرق الغزاله والغروب ليش الأمن مالوا عميد ولا نفر
وشاعر أنا تعرفت عا كل الشعوب ومن نوم شعبي والدياب الجايعين
قلبي من الشعب ومن الحاكم نفر
يشير في شعره إلى أنه أراد دائماً التحصيل من أجل القضية التي يذكرها ويدافع عنها رافضاً كل المكاسب.
عاش القضية الفلسطينية وخصها بكتاب «دروب الفدا» ورأى في القائد جمال عبد الناصر شرفاً للعرب كلهم وفخراً للدنيا بأسرها، فيتأمل في هذا البطل وفي النصر الذي حققه، عاطفته تجاهه تجسد الإعجاب به والحزن لفقده والحب الكبير للعرب وعاطفته صادقة فأبياته جاءت زفرات مدماة يصعدها وجدانه الملتهب بفراق هذا القائد حتى خصه بكتاب «وداع الأبطال».

لبنان المظلوم باسم الدين
أما عن لبنان وحربه فكان لهما نصيب وافر في شعره ما كان يهز مشاعره ووطنيته فترى شعره مصطبغاً بصبغة الحرائق والقذائف والدم المسفوك فتنْبع قصيدته الوطنية من إحساسه المرير بمأساة وطنه في ظل الاحتلال لبلاده وإيمانه بضرورة الانتصار على العلل التي كانت تفتك بروح الأمة وتعطل العزيمة وتحول دون نهوضها فيقول:
يا بلادنا يا بلاد محرومه من شعب يرعاكي ومن حكومه
عم يتهموكي بنعرة الأديان وإنتي باسم الدين مظلومة
كنتي الهنا والحب والغفران وصورة عن الفردوس مرسومه
صاروا القرايب والأهل عدوان وصرتي بلا تقسيم مقسومة
لا بد ما يتغير (العدّان) وترجع أرض وحقوق مهضومة
برجع بغني للوطن قصدان وبمزق وراق السفر وبقول
عندي بلاد وشعب وحكومه
وعن حبه لإسلامه وتعلقه به وانفتاحه على كل الطوائف والأديان تجلت قصائده الدينية في كتاب «أيام الإمام». فضلاً عن القصائد الأدبية والغزلية والاجتماعية التي كانت تروي معاناة الناس والمجتمع.
كان يبدع اللمعات الوصفية الرائعة كلما تحرر من قبضة المنطق وتجاوز حدود الواقع وتفاصيله لينظر إلى ما وراء الموصوف من ظلال وأبعاد.

الرؤيا والتجربة
فالشعر عنده لم يكن تطريباً ولم ينحصر في الكلام الموزون والمقفى بل كان رؤيا جميلة تنفذ من التجربة الخاصة المحدودة إلى آفاق الحياة، بل إلى عتمات الوجود وأسره، فقال متغنياً بنبع الصفا:
ما جيت غني طرب بربوعك وإصطاف وفيِّق عيون السمر عاصوت موالي
جايي بعز البرد والثلج والنفناف طفِّي حريق القلب من دمعك الغالي
يتجسد في قصائده العاطفية عمق الحب والتجربة القاسية التي تتخم القلب هماً وحزناً، كما أنه اختار من صيغ الكلام ما يعبر عن معاناته وما يختزن الكثير من توجعه:
تهربي عيونك من عيوني خليهن قبالي يقبروني
بعيونك حكايات وروايات وسحر وغوا يبعقّل جنوني
شفتك وصارت تركض الإيام وخاطر يقلي عاجروحك نام
بدك حكم قاسي وقفص إتهام ما كان حبك حب قانوني
ويمكن تقولي كيف قادر طير ما زال كسرني الهوى تكسير
لا تفزعي طلعت فيكي كتير قلبي شبح وتمونو عيوني

محراب الطبيعة
وجد نفسه في محراب الطبيعة التي لم تكن موضوعاً منفصلاً عن ذاته ولا وسيلة يظهر بها معانيه وأفكاره، بل كانت مرآة ذاته، امتداد لها، يقرأ فيها كل ما يختلج في تلك الذات من هواجس وانفعالات فيختزل المسافة التي قد تنشأ بين الطبيعة وأي شاعر آخر:
يا ريت فيها حجار ضيعتنا تتكلم وتحكي حكايتنا
نحنا إذا منحكي بها الإمام قبل الحكي بتعِن كلمتنا
كنا نغني وتسرح الأنغام ونعزم على الأفراح جيرتنا
كنا بليالي الشعر والإلهام تلاقي طلوع الضو سهرتنا
ما عاد فينا نسهر ولا نّام أكبر من الفرحة مصيبتنا
اعتمد في تعبيره عن مشاعره الألفاظ الواضحة العذبة، وامتازت بعض مفرداته بإيقاع جميل ينساب من تناسق حروفه فكان يكتب الشعر بكل حواسه.
فستان عرسك بكي وتنهدوا الخيطان لما غلطي وعلى عرسك عزميتني
مدري قصدتي الغلط مدري أنا غلطان هديتك قماش العرس ورقه هديتيني
وخياط ثوب العرس ما بنكرو فنان لكن نسي واجبو وما كمل الزينه
يا ريت مني طلب خيطان للفستان وحياة سر الهوى بسحِّب شراييني
كان يغني المضمون على حساب الشكل ويظهر براعة الجنوح بالصور الشعرية والأخيلة إلى الإيحاء وخلق عوالم شعرية توحي أكثر مما تفسر:
جربت تاجر بالعمر مره ومن جانحين الشعر إِتعرا
صعبه السمك ياللي خلق بالمي يرتاح ساعة لو طلع برّا
سافرت عا نار الجرح والكي وزادت شمس إفريقيا الحرة
عالهفة الأم وحنين البي واليوم شمس العمر مصغره
وباقي بعد من هالحياة شوي يما بكفيها مع الأحباب
يما بلا هالعمر بالمره
عاد إلى لبنان في العام 2003 واستقر في بلدته حيث أكمل مسيرته الشعرية والزجليه وشارك في العديد من الاحتفالات إلى أن أصيب بمرض عضال فجف قلمه وبح صوته وغاب الحرف عنده بعدما تربع على عرش القوافي سنوات اختتمت حياته وكتب الفصل الأخير فيها حزناً وألماً لفراق شاعر عاملي عاش في الغربة وعاش الغربة في الوطن توفي عن عمر ناهز السبعين وبه فقدت الشرقية أحد أبرز شعرائها.
مريم شعيب

الشاعر في سطور

أحمد محمد شعيب مواليد بلدة الشرقية قضاء النبطية سنة 1935.
شاعر مسرحي وزجلي، شارك في مهرجانات وأمسيات ومباريات تلفزيونية، إذاعية ومسرحية زجلية عدة.
مؤلفاته الشعرية:
– مشاعل 1955
– جميلة بوحيرد 1959
– حنين المهاجر 1961
– دروب الفداء 1967
– وداع الأبطال 1970
– جروح 1972
– أيام الإمام 1973
– لبناني غريب 1999
 

السابق
الحاج حسن: لزيادة القدرة الانتاجية للمشاتل
التالي
السيد محمد باقر إبراهيم بداهة الشعر وطرافة الموقف