السيد جعفر الأمين ثالث الثالوث الفكاهي العاملي

 السيد جعفر الأمين واحد من العامليين الذي أثروا جبل عامل والبقاع بالعلم والمدارس والشعر الفكاهي الذي عرفه الذين عاصروه، تلامذته ومعارفه كثر، حفظوا أشعاره أو كتبوها. بعد نوادر الشيخ نجيب مروّة في حلقة أولى، وفكاهيات موسى الزين شرارة في حلقة ثانية، هنا حلقة ثالثة من نوادر الشاعر الاجتماعي الساخر السيد جعفر الأمين.

• رثاه تلميذه الصحافي طلال سلمان، وتناوله صديقه سلام الراسي في كتبه
• السخرية الشعرية كانت ردة فعل جعفر الأمين وسبيلاً للنقد الاجتماعي والسياسي
• التراسل الشعري بين القرى العاملية عادة أظهرت مزيداً من الذوق الشعري والوجاهة الاجتماعية

الشاعر السيد جعفر الأمين ثالث الثالوث الساخر الذي طبع جبل عامل منتصف القرن الماضي بعد موسى شرارة وعبد الحسين عبد الله والسيد جعفر هو ابن المرجع السيد محسن الأمين وشقيق المؤرخ الفذ المرحوم السيد حسن الأمين والأديب الشاعر المرحوم السيد هاشم الأمين والأستاذ القاضي والشاعر الراحل السيد عبد المطلب الأمين، وقد لقّب السيد جعفر «بأستاذ الأساتذة» لأنه كان من الأوائل الذي أسسوا مدارس ليس في جبل عامل فحسب بل امتدت مآثرهم العلمية والتربوية إلى شمسطار في البقاع حيث بنى السيد جعفر فيها مدرستها الأولى كما في قريته شقراء، وكان من تلامذته الذين رثوه بعد وفاته عام 1981 الأستاذ طلال سلمان صاحب «جريدة السفير»، إضافة إلى النائب السيد حسين الحسيني رئيس المجلس النيابي السابق وثلّة من الصحفيين المتأدبين الذين لم ينسوا فضله وأثره في محو الجهل عن مناطقهم المحرومة.

قصيدة طبيّة شفائية
وللإضاءة على موهبته الشعرية الفذة نترك الكلام لما خطّه الأديب الراحل سلام الراسي عندما كان يحضر إحدى المحاضرات الطبية وطلب مدير المدرسة من السيد جعفر الأمين أن يفتتح اللقاء بقصيدة شعرية فتقدم الشاعر ومعه قصيدة تربو على الخمسين بيتاً، بقي منها في ذهن الأديب الراسي بعض أبيات منها:
سلوا التاريخ عن طب ابن سينا وأجداداً سموا علماً ودينا
نظافتنا من الإيمان كنا نمارسها وكنا مؤمنينا
وبيت الداء في الأمعاء لكن إذا صمنا نصح، كما هدينا
وإن البرد يعقبه زكام ولكن إن تدفأنا شفينا
و«لبس عباءة وتقرّ عيني» وبعض الشاي نشربه سخينا
وقد عمّ البلاء، إلا طبيب يداوي الضعف والمستضعفينا
يداوي الجهل، إن الجهل غطى على أبصارنا حتى عمينا
هذا وطفق الحاضرون يسابقون الشاعر في معرفة القوافي، بسبب سلاستها وحسن ملاءمتها. ثم أخذوا يقترحون على الشاعر مواضيع جديدة، بعد كلمة «يداوي…» مثلاً: «يداوي الاستغلال…» وهكذا دواليك إلى أن قال أحدهم: «يداوي الجوع…».
فأجاب الشاعر بداهةً:
يداوي الجوع «بالبسكوت» حتماً إذا تجارنا احتكروا الطحينا
وقال آخر: «يداوي المغص…»
لكن السيد الأمين بقي سيد الموقف إلى النهاية، فقال:
يداوي المغص بالملفوف نيئاً فكُلْ فِجلاً وكل «لحم بعجينا»
وضجت القاعة بالتصفيق وطلب الإعادة والاستزادة حين فرغ صبْرُ مدير المدرسة الذي وقف وأهاب بالحاضرين أن يفسحوا في المجال للطبيب ليتكلم في الطب الوقائي. فوقف الدكتور ميرزا وقال: «لا حاجة إلى الطب الوقائي في حضور الشعر الشفائي».
ولملم الطبيب أوراقه وانصرف!

نصفه نجاشي!
ولقد كان السيد وهو ابن سيدة حبشية حادقاً في السمرة فلما أرسل الأستاذ محمد فلحة صديق الشاعر «وهو والد الأستاذ حسان فلحة مدير عام وزارة الإعلام الحالي» قصيدة منها:
يميناً بالطفوف والعطاشى وبالجدّين طه والنجاشي!!
لئن لم ترع للآباء ديناً تنزّل في المتون وفي الحواشي
لأنتقمن من كل السكارى فأفتي (بالآبانا) (والرياشي)
وأعلنها على شقراء حرباً يشيب لهولها طفل وناشي
سأبعث من رجال الدين جيشاً تجمع بين خيال وماشي!
إذا بسط الخوان منهم أسود وإن طبخوا فدنياهم مواشي!
أجابه السيد جعفر:
سفهت كل تعارك وهراش وعصمت نفسي عن عقيم نقاش
ونزعت من صدري الضمير ودسته ومشيت كالأعمى وكالمتعاشي!
وانسقت في قلب القطيع عن رضى جحشاً تحيط به ألوف جحاش!
تدعو ابن «شقرا» يا ابن «ميسٍ» للتقى متوسلاً بالعرب والأحباش
سمعاً «أبا ذر» الزمان وطاعة هذا «بلال» في طريقك ماشي!
يكفيك من عدد القتال مقالة وقليل حذلقة وبعض هواش
حتى تصير من المشار إليهم وتشال فوق مناكب الأوباش!
فدع المواعظ يا ابن فلحة جانباً ما فاز في الدنيا سوى الغشاش!
«مبايعة أمير الفكاهة» العاملية
وقد بايع السيد جعفر أبا معن «حسن بيطار» بإمارة الشعر على سبيل الفكاهة والتندر بعد وفاة الشاعر أمير الشعراء أحمد شوقي:
أبا معن لقد أصبحت فخراً لأهل الشعر في المعمور أجمع
لأنك أشعر الشعرا جميعاً وأكرم من فتى عبسٍ وأشجع
وخصك فوق ذلك رب موسى بحسن نلته من كنت ترضع!
فصرت حديث السنة العذارى إذا ما راح يجمعهن مخدع!
وإن يوماً رأينك في طريق تكاد ظهورهن لذاك تخلع!
وأنت بهن لا تبدي اعتناءً كأن أخت الغزال لديك ضفدع
ولكن قد شغلت عن الغواني بنظم قصيدة وبضرب مدفع
إلى أن صرت أشعر من جرير ومن سبع الفلاة غدوت أشجع!
ونلت إمارة الشعراء طرّاً وصرت لهم مدة الأيام مرجع
ثم يلتفت الشاعر إلى نفسه ويندب بعض ما فيها من شؤم وحظ عاثر بقوله ساخراً:
حياتي كلها شؤم بشؤم وحظي حظ خفاش وبوم!
استعضت عن الجمال بقبح وجهٍ وبالتنعاب عن صوت رخيم!
وباليأس المميت عن الأماني وعن طيب البشاشة بالوجوم
كما قال يصف ضعفه ونحول جسمه:
نصفي إلى الزنار في «صرمايتي» وبداخل «الطربوش» نصفي الثاني

«التراسل» مع نور الدين بدر الدين
وكان من أعز أصدقائه الأستاذ الشاعر نور الدين بدر الدين فأرسل له قصيدة مطلعها:
أجعفر قد لعنت بكل دين وشرع مثل إبليس اللعين!
لك الإلحاد ما «مقصوف» يعزى كأنك لست من آل الأمين!
وعندما ماتت للسيد جعفر معزاة رثاها له الأستاذ نور الدين بدر الدين بقصيدة جاء فيها:
حارت بعينك دمعة خرساء مذ فارقتك العنزة الجرباء
أدمى فؤادك فقدها لوليدها وذهابها في إثره نفساء
ماتت أمانيك العذاب لموتها ودهتك داهية بها دهماء
ومصيبة نزلت فهدمت القوى وعراك من تأثيرها برداء
فلكم تخيلت المعيز نواسلاً ولها إذا حلّ المساء ثغاء
ولكم حلمت إذا اعتنيت بنسلها يأتيك منها مركز وثراء
لبن وشعر ما تعيش وزبلها ينمي النبات وزيدة ولباء
فإذا ذبحناها فلحم طيب وإذا شربت فكبدة سوداء
إني لأعجب كيف تطمع بالغنى أمر به يستشكل الرفقاء!
لكن ربك لم يشأ لك ثروة من دونهم وجميعهم فقراء
أهدى لها جرباً فأسقط شعرها وزهت عليها بعده الحرباء!
وتقبحت وسرت روائح نتنها فكأنما فسدت به الأجواء
ما زال ينحلها إلى أن أصبحت تمشي وفيها للكلام رجاء
يا ليتها بقيت بقربك حية ومضت فداها العنزة الشمطاء
لكن إذا شاء الإله فأمره لا بد أن يقضيه كيف يشاء
ليت السما ما أنزلت مطراً ولم تُنبت حشيشاً بعدها الغبراء !
 

السابق
تحركات اسرائيلية في المزارع
التالي
فكاهيات موسى الزين شرارة العابرة للقارات