الخوف يتبدد لدى السوريين ويكبر في عقول اللبنانيين ونفوسهم

بقلم
سبق وكتبنا عن عمى الطبقة السياسية في لبنان انما لم يتوقع احد ان اللبنانيين اصابهم الطرش ايضا حيث يبدو انهم حتى لم يسمعوا بما يجري من حولهم في المنطقة من ثورات او انتفاضات او احتجاجات وانها قابلة للتمدد.

لم يقدّر لشعب ان يشهد ممارسات في السياسة على غرار ما يشهده اللبنانيون في هذه المرحلة، حيث يصعب حتى على المراقب الحيادي وعن بعد ان يهضم ما اجمع عليه المتابعون للشأن اللبناني من ان الرابح الاول من تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة نجيب ميقاتي هو سوريا.

سوريا التي اجبرت على سحب جيشها من لبنان في العام 2005، وسوريا التي تشهد اضطرابات داخلية خطيرة وغير مسبوقة، وسوريا التي سبقت الجميع بشخص رئيسها الاسد بتهنئة نظيره اللبناني بالحكومة الجديدة وشاءت الصدف ان تتزامن التهنئة مع الحل العسكري الامني للاحتجاجات في جسر الشغور شمال غرب سوريا.

وما يلفت المتابع ايضا ان تركيبة الحكومة العتيدة والتي طال انتظار ولادتها ما يقارب خمسة اشهر، كان بالامكان تشكيلها بعد 24 او 48 ساعة على الاكثر، بعد تكليف رئيسها نجيب ميقاتي ان يخلف الرئيس الحريري الذي اجبرته الاكثرية النيابية المستحدثة بعد الانتخابات النيابية وبقدرة قادر على الاستقالة بما يشبه انقلابا دستوريا تم اعداده وبحسب الكثير من المراقبين والمحللين خارج لبنان.

لماذا اذن هذا التأخير؟ بالطبع تصعب الاجابة الحاسمة، انما متابعة السياسة السورية اولا وتداعياتها اللبنانية ثانيا تسمح بالقول ان قرار الافراج عن الحكومة والدفع في اتجاه هذه التشكيلة جاء بعدما تعذر على النظام السوري قبض ثمن الافراج عن الحكومة اللبنانية من الجهات الدولية والاقليمية النافذة والمعنية والتي إعتاد النظام في سوريا تسويق خدماته اليهم.

ان العجز في التسويق هذه المرة قد يعود الى كون صواعق التفجير التي تستخدمها سوريا لتفجير الازمات الاقليمية فقدت صلاحيتها ولم تعد صالحة للاستعمال مع الخارج او الداخل كما تشير احداث مخيم اليرموك في سوريا ،عندما قمعت الجبهة الشعبية القيادة العامة الموالية لسوريا الانتفاضة الفلسطينية في المخيم اثر محاولات النظام تنظيم او تشجيع تظاهرات تهدف الى اختراق الحدود مع اسرائيل في ذكرى الخامس من حزيران ذكرى ما سمي النكسة.

كما ان التشكيلة الحكومية التي يطيب للرئيس ميقاتي وصفها بالوسطية وانها لكل اللبنانيين وانه لن يدّخر جهدا للحفاظ على السلم الاهلي واحترام تعهدات لبنان الدولية – وهو كلام لا يأخذ على محمل الجد سواء لدى حلفاء الرئيس ميقاتي او معارضيه – لن تسمح له بالسباحة في المناطق الرمادية او تدوير الزوايا. المقصود من هذا الكلام ان الوصول الى مثل هذه الحكومة ان دلّ على شيء فهو ان الهيمنة السورية ما زالت ممسكة ومعششة في عقول ونفوس اللبنانيين وبخاصة السياسيين منهم، المؤيدين لسوريا كما مناوئيها، بالرغم من انسحاب الجيش السوري وبالرغم من ان سوريا تعاني من أزمة داخلية عميقة وعزلة دولية متنامية وعقوبات اوروبية واميركية، وادانة مرتقبة في مجلس الامن الدولي، وقرار ظني قد يطولها مباشرة اومداورة. كما ان ملف سوريا النووي جرت احالته من قبل وكالة الطاقة الذرية الى مجلس الامن، وتجري مطالبات باحالة عدد من الجرائم المرتكبة في سوريا الى المحكمة الجنائية الدولية؟

غريب امر اللبنانيين الخوف يتبدد عند الشعب السوري بينما يبدو انه يكبر في عقول اللبنانيين ونفوسهم؟

يتباهى كثيرون أن أول تهنئة بالحكومة العتيدة اتت من الرئيس السوري الذي هو بأمس الحاجة الى شرعية داخلية مفقودة وشرعية دولية تتهاوى؟ الرئيس السوري الذي يجد متسعا من الوقت ليستقبل القادة اللبنانيين ويرسل عبرهم النصائح للشعب اللبناني بالتوافق على تشكيل الحكومة عوض الاهتمام بما يجري منذ اكثر من اربعة اشهر في طول بلاده وعرضها من احتجاجات وقتل وترويع وتعذيب لم يصلنا منها الا القليل.

طبعا تمنيات الرئيس الاسد اوامر فخرجت حكومة الرئيس ميقاتي الذي يحرص على اعتبار نفسه رجل الوسطية والاعتدال بهذا الشكل النافر لتعبر عن المأزق السوري في الداخل ومع الخارج بامتياز ولم تستطع مساحيق التجميل الاستثنائية المستعملة بكثرة ان تحجب عوراتها!
اولى العورات انها كسرت التوازن السني – الشيعي لمصلحة السنة ولو في الشكل لتغطي على غلبة "حزب الله"، بينما القاصي والداني يعرف ان الكلمة الفصل هي لـ"حزب الله" وسوريا.

العورة الثانية ان اربعة من اصل سبعة وزراء سنة هم من مدينة طرابلس، اثنان من كتلة الرئيس ميقاتي. من الصعب اخفاء القصد السوري من تمثيل طرابلس بهذه الطريقة في هذه الاوقات والظروف التي تعيشها سوريا لاسيما موقع طرابلس واهميته بالنسبة لما يجري في سوريا بخاصة، وموقف المدينة بعامة من الاحداث السورية.

اما العورة الثالثة فهي ان هذه الحكومة جاءت لتقول للخارج الاقليمي والدولي ان سوريا لا تزال صاحبة الحل والربط في لبنان.

والعورة الرابعة ان هذه الحكومة شرّعت غلبة "حزب الله" عبر تسليمه صناعة القرار الداخلي والخارجي وسط مناخ اقليمي ودولي غير مناسب. ولا يخفى على احد تداعيات تسليم مقدرات صناعة القرار الى "حزب الله" في الوقت الذي يواجه اكثر من قضية مع المجتمع الدولي والاقليمي لا سيما مع دول تعتبر صديقة للبنان. كما ان القرار الظني الذي سوف يصدر عن المحكمة الخاصة بلبنان على الابواب . واخيرا وليس آخرا تكريس "حزب الله" بمثابة الحزب الواحد الآمر الناهي في لبنان في الوقت الذي تتهاوى فيه انظمة الحزب الواحد في الاقليم؟
سبق وكتبنا في هذه الصفحة عن عمى الطبقة السياسية في لبنان انما لم يتوقع احد ان اللبنانيين اصابهم الطرش ايضا حيث يبدو حتى انهم لم يسمعو بما يجري من حولهم في المنطقة من ثورات او انتفاضات او احتجاجات وانها قابلة للتمدد.

البعض يرد ويقول في هذا السياق انه ينبغي عدم العجب من شيئ في لبنان طالما ان اللبنانيين وبخاصة المسيحيين وهم الذين عانوا من النظام في سوريا منذ نهاية الستينات وفي الحرب الاهلية وربما حتى اليوم. ان المناطق المسيحية بخاصة عرفت الخطف والقتل والاهانات والتعذيب والاعتقال وراجمات الصواريخ والاذلال على الحواجز وعلى مدى سنوات . وبالرغم من ذلك يجدون من الحجج ما يكفي للدفاع عن النظام والدعوة لبقائه بحجة الحفاظ على المسيحيين في لبنان وسوريا كما بحجة اخرى منبثقة عن الاولى وهي ان مصلحة الأقليات وقوتها بتحالفها.

قد تكون ذاكرة اللبنانيين ضعيفة، او قد تكون نسبة التسامح مرتفعة لديهم، الا ان مراجعة ولوغير دقيقة لعدد السكان المسيحيين من عدد السكان لا سيما المقيمين في كل من لبنان وسوريا تشير الى تراجع مخيف اذا قورنت بنسبة عدد المسيحيين الى المسلمين في كل من لبنان وسوريا ابان تسلم آل الاسد للسلطة في سوريا في العام 1970. انما قد يكون النظام في سوريا ادى خدمة للمسيحيين في البلدين بدفعهم الى الهجرة والاستقرار في اوستراليا وكندا والولايات المتحدة!

ولمناسبة الحديث عن ضعف الذاكرة ، واذا كانت الفظاعات المرتكبة تدخل في سياق الحرب الاهلية فماذا بشأن الجرائم المرتكبة في معظمها بعد الحرب الاهلية وحتى بعد خروج الجيش السوري من لبنان؟ لا اعتقد ان ضعف الذاكرة بلغ حدا لدى البعض ان ننسى من مات بدءا بالرئيس الحريري؟!

ما الذي يمنع لبنان من ان يأخذ موقف حركة "حماس" – حتى الآن اقله – واعتبار ما يحصل في سوريا هو بين الشعب والحكم وقد يكون من الحكمة عدم التدخل. المقصود بذلك عدم التدخل مع النظام ضد الشعب ايضا وليس على غرار ما قصده ودعا اليه السيد حسن نصر الله في احدى اطلالاته الاخيرة. اما الجواب بشأن ما يمنع لبنان من اخذ موقف حركة "حماس" هو ان ما يجري في الداخل السوري يمس بـ"حزب الله" مباشرة وما قد يصيب النظام في سوريا قد يطوله وينال منه.

ان الانطباع الذي يخرج به المراقب للاوضاع في لبنان لا سيما بعد تشكيل حكومة الرئيس ميقاتي يؤدي الى الاعتقاد انه بات لدى اللبنانيين كافة اقتناع راسخ يتصرفون على اساسه، وهو ان ليس بمقدورهم بناء دولة سواء بوجود وصاية او دونها . لا يزال اللبناني عاجزا عن حكم نفسه بنفسه.

الآن الحكومة اصبحت امرا واقعا انما السؤال الاهم هو كيف سيتم الرد على ممارسات وسياسات متوقعة من هذه الحكومة؟ لا سيما ان المتغيرات الاقليمية متسارعة وهناك استحقاقات لبنانية متوقعة؟ هل تكفي المعارضة من داخل البرلمان ان تمنع الانزلاق الى قرارات ومواقف تترتب عليها نتائج حاسمة ومصيرية قد تهدد ما تبقى من الكيان؟ الاجابة تتوقف على عوامل كثيرة في معظمها خارجي انما هل يلحق لبنان بحركات الاحتجاج القريبة والبعيدة مع استبدال شعار الشعب يريد اسقاط النظام بشعار الشعب يريد عودة النظام؟

السابق
الرئيس لحود: لا يمكن ان يستقيم وضع اصلاحي في ظلّ اترويع الابرياء ..ولاسد وضع النقاط على الحروف في خطابه
التالي
مرسوم جمهوري سوري : عفو عام عن كل الجرائم المرتكبة قبل 20 يونيو 2011