أمن لبنان من أمن سوريا واقع أم قدَر؟

يعيش لبنان حالاً فريدة، إذ إنّ هذا الوطن الصغير المتعدّد الطوائف والمذاهب والانتماءات، والذي كان متنفَّساً للتوتّرات الإقليميّة والصراعات المتداخلة في المنطقة منذ بداية سبعينيات القرن المنصرم، تحوّل بفعل بداية الأزمة السوريّة قبل 14 أسبوعا إلى مترقّب للأنباء المتواترة، وأحيانا المتناقضة، من وراء حدوده الشرقيّة والشماليّة. وكالعادة، تنقسم الساحة اللبنانية عند كلّ نزاع، فكيف إذا كان هذا النزاع مفصليّا، ويحدث في بلد هو الأكثر تأثيرا على لبنان؟

الجمود انكسر قبل نحو أسبوع من خلال تشكيل حكومة جديدة برئاسة نجيب ميقاتي، كرّست ميزان قوى جديدا على أرض الواقع، وأعادت البلاد، ربّما، إلى ما قبل 28 شباط 2005 تاريخ استقالة حكومة الرئيس عمر كرامي تحت ضغط الشارع الساخط "حينها" على جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه. مع فارق أنّ الجيش السوري انسحب في 26 نيسان 2005 إلّا أنّ النفوذ السوري الذي انحسر جزئيّا، عاد في شكل واسع بعد نجاح حزب الله في قضم تدريجي وبوسائل متعددة لقوى الرابع عشر من آذار، خصوصا من خلال

"استمالة" رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي وليد جنبلاط وكتلته النيابيّة المرجّحة.

الحكومة الجديدة استُقبلت بنكسة في عقر دار رئيسها ومعظم وزرائها السنّة، من خلال اشتباكات دامية شهدتها عاصمة الشمال، أعادت إلى الأذهان هشاشة الوضع على خطوط تماس مذهبيّة – متأهّبة بفعل التوتّرات السابقة والمعزّزة بالمواجهات التي شهدتها وتشهدها مدن وبلدات سوريّة عدّة مجاورة. وترافقت الاشتباكات واستتبعت بكَمّ هائل من التصريحات "الناريّة"، والتي تخطّت "الإينيرغا" من حيث قدراتها التدميريّة !

فهل ارتفاع لهجة الخطاب السياسي والمذهبي يؤشّر ويمهّد للمزيد من التوتّرات الأمنيّة ؟

وهل أعاد تشكيل حكومة "اللون الواحد" بلاد الأرز إلى الاصطفاف في المحور الإيراني-السوري، وربط استقرارها الداخلي باستقرار سوريا في شكل لصيق ومباشر؟

مراقبون اعتبروا أنّ تطوّرات الساح اللبنانيّة تبدو ثانويّة إزاء ما يجري في سوريا، مشدّدين على أنّ الاهتمام الغربي بقيادة واشنطن ينصبّ على مواكبة لصيقة لتطوّر الاحتجاجات وتوسّع رقعتها وسُبل مواجهتها من قِبل السلطات، والتي وصفها دبلوماسي غربي في مجلس الأمن بأنّها "أزمة بقاء" بالنسبة إلى النظام السوري، كاشفا أنّ خطاب الرئيس بشّار الأسد الثالث أدخل الأزمة منعطفا جديدا تبدو فيه التسويات السياسيّة شبه مستحيلة. وأكّد الدبلوماسي في الأمم المتّحدة أنّ حكومات أوروبّية تعمل في شكل مباشر مع تركيا وبالتنسيق مع دول خليجيّة وعربيّة، وتحت إشراف واشنطن على تشكيل هيئة سياسيّة تمثل الداخل السوري "الثائر"، وتعكس مطالبه في صورة واضحة تزامُنا مع حزمة جديدة من العقوبات الموضعيّة والضغوطات، قد تكون المحكمة الجنائيّة الدوليّة أحد مسارحها. وأفاد الدبلوماسي الغربي أنّ "فرادة" التوازنات في التركيبة السوريّة تجعل التعاطي معها أكثر حساسيّة ودقّة من ليبيا واليمن…

ومع دخول الأزمة السوريّة مرحلة "كسر العظم" حسب الدبلوماسي الأممي، يبدو لبنان مرشّحا" للدخول في مرحلة مأزومة. ولعلّ التقارير الصحافيّة عن التخطيط لاغتيال رئيس الوزراء السابق سعد الحريري، والمترافقة مع تقارير أخرى تتحدّث عن انتشار السلاح، ما هي إلّا مؤشّرات عن جمر تنفخ فيه جهات متعدّدة، كلّ حسب مصالحها، لمواكبة المواجهة الإقليميّة المستعرة والممتدّة من البحرين إلى دمشق.

ولعلّ "الجهوزيّة" التركيّة العابرة للحدود من جهة، والمناورات العسكريّة الإسرائيليّة المتواصلة والشاملة من جهة أخرى، تعكس جزئيّا حجم الاحتقان الإقليمي الذي يُنذر بالأسوأ.

فحسب المراقبين، النظام السوري اعتى من ان يسقط بأسابيع من التظاهرات حتى لو تمدّدت…وببعض العقوبات الدوليّة مهما تتالت وتشعّبت، خصوصا أنّه اعتاد تمرير أزمات العقد المنصرم من خلال التمسّك بحلفه "المقدّس" مع إيران، ولعلّ إعادة الإمساك التامّ بالساح اللبنانيّة قد تزوّده بمدى حيوي إضافي يضاعف من قدراته الإعلاميّة والأمنيّة والسياسيّة من جهة، وسبل التفلّت من العقوبات الماليّة من جهة أخرى.

فكيف ستواجه حركة الرابع عشر من آذار بقياداتها "مجتمعة أو فرادى" قضم الحكومة الجديدة المرتقب لما تبقّى من جيوبها الأمنيّة والقضائيّة والإداريّة ؟

وهل تنتقل عدوى التحرّكات الشعبيّة من المدن السوريّة إلى طرابلس وعكّار ومناطق لبنانيّة أخرى تحت عناوين مختلفة ولكن للأهداف ذاتها؟

وكيف ستتعاطى السلطة المستجدّة مع التزاماتها الدوليّة، خصوصا وأنّ هناك شبه إجماع أنّ الإعلان عن القرار الظنّي باغتيال الرئيس السابق رفيق الحريري أصبح وشيكا؟

وما هي تداعياته على الداخل اللبناني المحتقن مذهبيّا؟

وهل يشكّل القرار الظنّي وتداعياته "ذريعة" إضافيّة لإسرائيل المتأهّبة والمتربّصة للانقضاض، أمَلاً بكسر توازن القوى الحالي ولإبعاد ما تصفة بالخطر الأيراني عن حدودها؟

مجموعة تحدّيات غير مسبوقة تدهم لبنان، وحسب المراقبين، من الصعب جدّا، لا بل من سابع المستحيلات مواجهتها بحكومة يطغى عليها لون واحد وفق التوصيف العربي والغربي

السابق
بابا.. نرجسية وذكورية وطفولة!
التالي
غازي زعيتر: الحكومة ستعمل بعيدا عن الكيدية