14 آذار: ضائقة شعارات

فجأةً، بدت قوى 14 آذار في حيرة من أمرها. لم يكن أيّ من قادة هذه القوى في أجواء قرب تأليف الحكومة. للحظة أو أكثر، يخال للمرء أن هذه القوى كانت في أجواء أن لا حكومة سترى النور، وبالأحرى يخال للمرء أن ثمّة كلمة سر عاش عليها أركان هذا الفريق تقول إنه لا قرار جدياً بتأليف الحكومة. ووصل الأمر ببعض المراقبين إلى القول إن قادة أساسيين في فريق 14 آذار أشاروا إلى تلقّيهم معلومات من فريق الأكثرية الجديدة، ومن جهات خارجية، تؤكد أن الحكومة لن تبصر النور قبل اتّضاح أفق العلاقات السورية ـــــ السعودية. لكن بعض الخبثاء قالوا إن وليد جنبلاط تولّى مهمة الخديعة، أو إن انزعاجه من خلافات الأكثرية الجديدة يعكس رغبته في الخروج منها، وإن أحداث سوريا ستساعده على هذه الخطوة، وبالتالي لن تكون هناك أكثرية كافية لتأليف الحكومة.

أقلّه، هذا ما يفسّر حالة الصدمة، الارتباك، الحيرة في كيفية التعامل مع الحدث. وبعد إذاعة مراسيم تأليف الحكومة الجديدة، ظل هاتف السفيرة الأميركية كونيللي يرن. الجميع يطلب التحدث إليها، أو الاجتماع بها على عجل. والسؤال الوحيد هو: ما الذي يحصل؟ وكيف ستتصرف الولايات المتحدة، وكيف سنتصرف نحن؟

السعوديون والفرنسيون تصرفوا بدرجة أقل من التوتر. حاذروا إطلاق مواقف حاسمة، لكنهم تفاهموا على عدم توفير غطاء مسبق للحكومة قبل أن تصدر بياناً وزارياً يناسب مطالب الغرب، علماً بأن الغرب كله لا يقدر الآن على رفض الحكومة، كما لا يقدر على القبول بها كما هي. وهذا ما زاد في حيرة 14 آذار

مسيحيّو 14 آذار هم الأكثر تضرّراً. فهم ليسوا أصحاب القرار النهائي، والشريك المسلم غائب عن السمع. سعد الحريري لديه ما يكفي من الانشغالات لكي يظل بعيداً، ثم لديه حجّة قوية تستند إلى أنه تلقّى تحذيرات من أن هناك مَن يريد قتله. أما فريقه في بيروت، فليس لديه تعليمات واضحة، والاكتفاء بالحملة على الحكومة الجديدة ورئيسها لا يفي بالغرض، ذلك أن الشعارات والعبارات جرى استخدامها طوال فترة الانتظار. لم يعد هناك مَن يستمع إلى عبارات مملّة من نوع أنها حكومة سوريا، أو أنها حكومة حزب الله، أو حكومة التستّر على جريمة اغتيال رفيق الحريري، إلى آخر العبارات التي فقدت معناها، وفقدت جدواها، وخصوصاً أن الشارع التَّعِب من قلّة العمل تعب أيضاً من انتظار توافق غير ممكن بين فريقي النزاع في لبنان، وأن مطلب الشارع صار محصوراً في قيام حكومة… أي حكومة.

هستيريا سمير جعجع زاد منها التفاهم الذي وافق عليه في حضرة البطريرك الجديد بشارة الراعي. فهو غير قادر الآن على خرق الهدنة الإعلامية مع خصومه المسيحيين، ثم ماذا يريد أن يقول وقد حقّق تيار العماد ميشال عون حضوراً هو الأقوى والأكثر وضوحاً للمسيحيين داخل الحكومة منذ عام 1990؟ ثم إن الكتل النافذة بين المسيحيين لم تنطلق في أي هجوم اعتراضي. اكتفى موقع «القوات اللبنانية» الإلكتروني بشتم نقولا فتوش، متناسياً أنه كان رأس اللائحة المدعومة من «القوات» في زحلة في الانتخابات النيابية الأخيرة… لكن، أي حيلة سوف يلجأ إليها سمير جعجع؟ لا شيء! بينما يسلك حليفه الكتائبي أمين الجميّل مساراً وسطيّاً، هدفه إعادة التموضع لبنانياً وإقليمياً إذا أمكن، صارت بكركي في موقع آخر، ولم يعد خطاب البطريرك السابق نصر الله صفير في رأس أولويات الكنيسة المارونية. أما العاملون في القطاعات الصناعية والمصرفية والتجارية فهمّهم في مكان آخر، وهم أصلاً لديهم حشد من الحلفاء والأصدقاء داخل حكومة نجيب ميقاتي.

كل ذلك يعيد الكرة إلى ملعب تيار «المستقبل»، حيث يواجه قادته أسئلة صعبة بشأن خطة العمل في المرحلة المقبلة. حتى اللحظة، لا مجال لقول أي كلام غير التركيز على أن حكومة ميقاتي هي صناعة «حزب الله» وسوريا، ومع ذلك فإن الأمور لا تبدو سهلة. فالانكفاء القيادي في تيار «المستقبل» له أسبابه المختلفة، أما انعكاساته فمحصورة في ترهّل وكسل، وما عدا المواقع الإدارية والمهنية التي تشعر بضغط وتهديد، فإن كل الفريق يشكو من بطالة حقيقية. وحده فرع الشمال يشعر بحرارة المعركة. ولكن بأي سلاح سوف يواجه «المستقبل» في الشمال خصومه الذين توحّدوا في جبهة أوصلت رئيس حكومة وأربعة وزراء من طرابلس وحدها إلى الحكومة، مع ثلاثة آخرين من الأقضية المسيحية؟

قبل أسبوع وأكثر، وردت معلومة إلى جهاز أمني رسمي عن جهود يقوم بها أنصار «المستقبل» وبعض النافذين في تيارات سلفية، لأجل التفاعل مع الأحداث في سوريا. صحيح أن العنوان كان في كيفية توفير عناصر إسناد إعلامية ومالية للمعارضين وللنازحين، لكن ثمّة نقطة أضيفت إلى جدول الأعمال تشير إلى أن من المفترض على مَن يدعم المحتجين في سوريا إعداد خطة بديلة، قد تتطلّب ممارسة الضغط على أنصار سوريا في لبنان، وخصوصاً في الشمال، كلما ازداد الضغط على المحتجين. وأشار التقرير الأمني مباشرة، وبالاسم، إلى أشخاص دعوا إلى الاستعداد لمعاقبة أهل جبل محسن رداً على إجراءات النظام في سوريا بحق معارضين.

فجأةً، قرّر هذا الفريق استقبال الرئيس ميقاتي والوزراء بحفلة ألعاب نارية من العنف الخاص. فجأةً سالت الدماء، بينما استمرت القوى نفسها تواجه ضائقة في الشعارات والمواقف المفيدة…

السابق
السفير: فتـوى لبـنانيـة ـ دوليـة للمحكمـة والميقاتي أسعى لطرابلس منزوعة السلاح
التالي
بلد الرسالة… الدموية