رسائل حُب عمرها 2000 سنة

تقول كورديلا هبليثويت الباحثة اللغوية في جامعة شيكاغو: "بعد 32 سنة من العمل الدؤوب في مشروع إعداد القاموس بلغة قوم سكنوا بلاد ما بين النهرين، سأشعر وكأنني فقدت جزءا كبيرا من كياني العلمي، وإن لبرهة".

ويحتوي هذا القاموس على اللهجات الآشورية والبابلية، التي تعرف مجتمعة باللغة الأكَادية، المندثرة منذ نحو ألفي سنة.

وتعبيرا عن بهجته بهذا العمل، يقول د. إرفينغ فنكل، رئيس قسم الشرق الأوسط في المتحف البريطاني، "هذه لحظة تاريخية وجريئة ومهمة".

وفي سبعينيات القرن العشرين، وعندما كان فنكل لا يزال في مقتبل عمره، أمضى 3 سنوات من حياته في العمل في مشروع "قاموس شيكاغو الآشوري" التابع للمعهد الشرقي في جامعة شيكاغو. وشارك في المشروع 90 متخصصا وخبيرا في هذا الحقل، وأسفر دأبهم في العمل على تدقيق المفردات وتدوينها، عن نحو مليوني بطاقة معلومات.

يقع "قاموس شيكاغو الآشوري،" في 21 جزءا، ويُعتبر موسوعيّا في تغطيته للأحرف والمفردات والعبارات.

وقال البروفسور ماثيو ستولبر من المعهد الشرقي، الذي أسهم في مشروع القاموس، "إن الشعور أشبه بمن يطلّ عبر نافذة على لحظة من تاريخ عمره آلالاف السنين".

وتمخضت الدراسة عن نصوص عمرها اكثر من 2500 سنة، تحتوي على وثائق ذات طبيعة علمية أو طبية أو قانونية، وأدب ملحمي وتضرّعات الى الآلهة، بل وحتى رسائل حب.

نقلة نوعية للإنسان

ويضيف ستولبر: "أصبح بمقدورنا قراءة كلمات الشعراء والفلاسفة والسحرة وعلماء الفلك، كما لو كانوا يتحدثّون إلينا أو يكتبون باللغة الإنكليزية".

واستنادا الى محرّرة القاموس البروفيسور مارثا روث، فإنّ المثير هو ليس الفروقات بين مفردات الحياة قديما وحديثا، بل التشابُه بينهما، فتقول: "بدلا من أن نواجه عالما غريبا عنّا، ترانا نأنس بعالم مألوف جدا"، حيث اهتمام الناس بأمور يوميّة، فنرى الناس قديما، كما هم حديثا، يهتمّون بقضايا العلاقات الشخصية والحب والعواطف والسلطة، وأمور أخرى كالريّ وطرق استغلال الأراضي.

وتضيف روث: "إن كثيرا من التفاصيل التاريخية التي اصبحت في متناولنا، تخبرنا أن النقلة النوعية للإنسان، من كونه بشرا فقط الى كونه كائنا متحضّرا، حدثت في بلاد ما بين النهرين".

إذ يعتقد بأنّ بذور التقدّم الهائل في مختلف مجالات الحياة زُرعت أول مرّة في تلك الأصقاع، كما يعتقد بأن بلاد ما بين النهرين (العراق حاليا) هي واحدة من ثلاثة أو أربعة بلدان في العالم حيث وجدت أوّل كتابة.

إن الأحرف المسمارية، التي كتبت بها كل من الآشورية والبابلية، والتي استخدمت أول مرة في اللغة السومرية، هي، استنادا الى روث، أقدم مخطوطة في العالم، وكانت الملهم لنظيرتها الكتابة الهيروغليفية، التي تمتاز عنها بالشهرة الواسعة. وطريقة استخدام الكتابة المسمارية تتمثل في نقش أحرفها ذات الزوايا على ألواح طينية، قبل تركها لتَجفّ إما بواسطة أشعة الشمس أو صهرها بالفرن او التنّور.

وعلى رغم اعتقاد الباحثين بأن الكتابة المسمارية منتج معمّر، ولكن كتابتها كانت صعبة جدا، ما أفسح الطريق، اعتبارا من 600 سنة قبل الميلاد، أمام اللغة الآرامية التي يتحدّث بها الآشوريون في المنطقة اليوم، كي تصبح أكثر استخداما وشهرة، لسبب بسيط يتمثّل في سهولة كتابتها.

يبقى أن نشير الى أنّ ثمن القاموس يبلغ ألفي دولار أميركي.

السابق
الإيطالية تكرّم الصليب الأحمر
التالي
حوالى 35 ألف صفيحة زيت زيتون كاسدة في حاصبيا