الحياة: عن قيادي معارض مواجهتنا الحكومة ستبقى سلمية والأكثرية شريكة لسورية في السياسة والأمن

لم يعد الغيابُ الموقت لرئيس الحكومة السابق زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري عن لبنان، يشكل مادةً دسمة للسجال بين قيادات «قوى 14 آذار»، التي أبدت في اجتماعها الموسع الذي عقدته ليل الخميس الماضي في «بيت الوسط» تفهماً للظروف التي مازالت تستدعي غيابَه، انطلاقاً من تأكيد قيادي بارز فيها لـ «الحياة»، أن المخاوف الأمنية من جراء وجوده في بيروت لم تأت من فراغ، وانما تم التقاط مجموعة من الإشارات السياسية والإعلامية التي تتطلب الحيطة والحذر، تقاطعت مع نصائح عربية وغربية بضرورة التنبه.

وعلى رغم ان القيادي البارز في 14 آذار الذي فضل عدم ذكر اسمه، رفض الدخول في تفاصيل «السيناريوات» التي أوردها عدد من وسائل الإعلام العربية والأجنبية لتبيان أسباب اقامة الرئيس الحريري الاضطرارية في الخارج، فإنه أكد في المقابل ان الحريري «كان ولا يزال في قلب المعركة السياسية، وانه سيحضر الى بيروت في الوقت المناسب ليكون الى جانب حلفائه، مع ان تياره السياسي موجود في داخل المكونات الرئيسة للمعارضة ويُعتبر عمودها الفقري».

ولفت القيادي نفسه الى ان وجود الحريري الموقت خارج لبنان يجب ألا يفهم على أنه لجوء سياسي أو نزوح من جانب الحريري عن وطنه، أو أنه لا يشارك اللبنانيين في همومهم ومشكلاتهم، أكانت اقتصادية أم اجتماعية أم سياسية، مشيراً في الوقت نفسه الى أن كلام رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون أمام محازبي «التيار الوطني الحر» عن أنه قطع تذكرة سفر للحريري في اتجاه واحد، وانه لن يعود الى لبنان، «لا يستأهل الرد، ليس لأنه في غير محله فحسب، وانما لأن صاحبه أساء التقدير ووقع في زلة لسان غير محسوبة، لا في الأمن ولا في السياسة، خصوصاً أنه كان في الماضي أحد ضحايا القهر على يد من يناصرهم الولاء على بياض من دون أي تردد».

وكشف القيادي ان قيادات 14 آذار وضعت في أجواء الرسالة السياسية التي بعث بها الرئيس الحريري ونقلها اليها مدير مكتبه ابن عمته نادر الحريري، وقال انها توافقت بالإجماع على كل ما ورد فيها، وبالتالي رأت ان هناك ضرورة لسحب الأسئلة أو التساؤلات حول وجوده في الخارج من التداول.

وأكد ان قيادات 14 آذار أجمعت على ضرورة الاستعداد لخوض معارضة سلمية لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي، وأن ساحتها ستبقى تحت قبة البرلمان اللبناني ولن تسمح مهما اشتدت الضغوط عليها بنقل معارضتها الى الخارج، لأنها لا تجيز لنفسها ما عارضته في السابق للآخرين قبل أن يتحولوا الى أكثرية نيابية.

واعتبر القيادي عينه ان المعارضة لا تملك خبرة في توجيه الرسائل الأمنية الى الداخل أو الخارج على السواء، عبر استخدامها الشارع، ناهيك بأنها كانت أول من انتقد مثل هذا الأسلوب.

وبكلام آخر، رأى القيادي أن المعارضة لا يمكنها استخدام الشارع لتوجيه الرسائل الأمنية ولم يكن هذا الأسلوب من أدبياتها السياسية في يوم من الأيام، «وهي كانت أول من حذر من استخدام السلاح في الصراع الداخلي، وبالتالي هناك ضرورة للتمييز بين سلاح المقاومة والسلاح الذي يستعمل في الداخل للإطاحة بقواعد اللعبة السياسية».

واضاف: «المعارضة لن تأخذ على عاتقها مهما كلف الأمر أن تلعب لعبة تحويل الحكومة الحالية الى ضحية، ما يتيح لمن فيها تحميلنا مسؤولية عجزه عن تنفيذ كل ما سيتضمنه البيان الوزاري من وعود أو عن عدم قدرتها على التعايش، مع انها من لون واحد».

وتابع: «المعارضة لن تقصف عشوائياً على الحكومة، وهي تنتظر ما ستقوله في بيانها الوزاري لتحكم على أفعالها من دون أن تتوقف أمام اقوالها»، مؤكداً ان المناخ السياسي الذي يمر فيه لبنان حالياً «أشبه بالمناخ الذي أقحم فيه البلد عام 1998 عندما رفض الرئيس الراحل رفيق الحريري حينها الاستجابة للضغوط والرغبات، من محلية وخارجية، واضطر الى الاعتذار عن عدم تشكيل الحكومة ليحل مكانه الرئيس سليم الحص».

ورأى القيادي نفسه ان الحريري احتل موقعاً رئيساً في المعارضة السلمية والمدنية وأخذ يعد العدة لخوض الانتخابات النيابية ليس في بيروت فحسب وانما في معظم الدوائر الانتخابية على رغم ان القيمين على تلك المرحلة حينها حاولوا ابتداع قانون انتخاب جديد ليكون على قياس منافسيه.

وقال إن خطة المعارضة لهذه المرحلة ستكون أشبه بنسخة طبق الأصل عن عام 1998 «مع فارقٍ من غير الجائز ان ندير له ظهرنا أو الاستخفاف به، ويتعلق بوجود مخاوف من أن المناخ السياسي يمكن أن يكون مشابهاً للأجواء التي سادت البلد قبل أسابيع من اغتيال الرئيس الحريري في 14 شباط (فبراير) 2005».

لذلك، فإن التنبه والحذر، كما يقول القيادي في المعارضة، هما أكثر من ضرورة، لا سيما ان المنطقة العربية تمر بمتغيرات سيكون لها ارتداداتها على الساحة المحلية. لكن هذه الاعتبارات لن تقف حائلاً دون عودة الحريري الى ساحته في الوقت المناسب، وانما وفق توقيته، وهو يتواصل اليوم وباستمرار مع القيادات في المعارضة التي لم تتذرع بوجوده في الخارج.

أما في شأن الأسباب التي أدت الى الإسراع في توفير الظروف لولادة الحكومة العتيدة، فأكد القيادي أن للمعارضة قراءتها الخاصة لهذه الأسباب «قد تتعارض والأسباب الموجبة التي يتحدث عنها عدد من قادة الأكثرية».

ومن أبرز الأسباب من وجهة نظر القيادي نفسه:

– ان تسارع التطورات في سورية مع استمرار حركة الاحتجاج، كانت حاضرة بامتياز في تشكيل الحكومة، لتمرير رسالة سياسية الى الخارج قبل الداخل، وفيها ان القيادة السورية مازالت مؤثرة في الوضع اللبناني، وان لديها شركاء في «الأمن والسياسة» هم الأقدر الآن على ادارة السلطة في لبنان، خلافاً لما حاول أن يروج له البعض من أن دمشق مرتبكة الآن وان دعوة حلفائها للتريث في تشكيل الحكومة يعكس عدم قدرتها على المبادرة.

– ان التأخر في تشكيل الحكومة أخذ يتسبب بإحراج لدى أطراف في الأكثرية ،أبرزهم رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، الذي لم يعد يجد من مبرر للتريث أو التأجيل، وأخذ يبدي في السر انزعاجاً من بعض حلفائه لعدم قدرتهم في التأثير على العماد عون لتسهيل مهمة الرئيس ميقاتي في تأليف الحكومة. وبالتالي لا بد من الإسراع من أجل لملمة الوضع في داخل هذه الأكثرية وتقديمها على انها واثقة من ان القيادة السورية ستتجاوز مع الوقت ما يحصل في سورية من احتجاجات.

– ان الحديث عن اقتراب صدور القرار الظني في جريمة اغتـــــــيال الرئيس رفيق الحريري يمكن ان يشكل عامل ضغط لتوليد الحكومة، على رغم ان أحداً لا يملك معلومات في شـــأن موعد صدوره، وإن كل ما يقال في هذا الخصوص يصنف في خانة التكهن لا سيما ان البعض كان يتوقع صدوره في شباط 2009، أي قبل موعد اجراء الانتخابات النيابية.

– ان دمشق ارتأت الإسراع في تأليف الحكومة لضمان وقوف لبنان الرسمي الى جانبها في مواجهتها لأي قرار أو بيان يصدر عن مجلس الأمن وفيه عقوبات ضد سورية، وهذا الموقف الداعم لها يمكن أن لا تؤمنه حكومة تصريف الأعمال في ظل التباين في داخلها بين موقف يشدد على معارضة العقوبات وآخر يحبذ الامتناع عن التصويت بذريعة ان لا مصلحة للبنان في الدخول في مواجهة مع المجتمع الدولي.

وتردد في هذا السياق، ان الموقف اللبناني من العقوبات على سورية كان مدار بحث بين رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان والرئيس الحريري في اتصال جرى بينهما أخيراً وقبل ايام من تأليف الحكومة.

– وأخيراً، فإن التأخر في تأليف الحكومة كاد أن يظهر المعارضة سابقاً وكأنها قــــــادرة على اسقاط الحكومة في مقابل عجــزها عن ايجاد البـــــــديل لإدارة البلد، وكان لا بد من الإسراع في ولادتها اشعاراً لدخول لبنان في مرحلة جديدة.

وعليه، فإن ولادة الحكومة، كما يقول القيادي في 14 آذار، «يمكن ان تشكل مرآة للتلازم بين المسارين السوري واللبناني في السياسة والأمن وهذا ما يدفع في اتجاه وجود صعوبة في عزلهما بعضهما عن بعض، على الأقل على المستوى الرسمي، في ظل التفاوت في المواقف السياسية للقوى المحلية حيال ما تشهده سورية من ناحية وفي كيفية مواجهة المجتمع الدولي في حال أخذت وتيرة التطورات تتصاعد تدريجاً من ناحية ثانية».

السابق
المطلوب من عون أن يتذكّر·· لا أن يتنكّر!!
التالي
الانباء: وزير عوني يقول نرفض عدم بت ميقاتي في ملفات سنيَّة !