لا مصلحة واضحة لأحد في الفتنة الطائفية

على رغم ان الحادث المأسوي الذي وقع في طرابلس بين باب التبانة السنية وجبل محسن العلوي ليس الأول من حيث طبيعته او ابعاده، ولم يقتصر انفلاته في هذا الوقت لا على التطورات في سوريا او على ولادة حكومة جديدة غالبيتها السنية من طرابلس، فانه رسم أبعادا خطيرة من زوايا مختلفة. اولها اثارة المخاوف من ان تكون مفاعيل المواجهة العسكرية للانتفاضة الشعبية السورية على النظام امتدت الى لبنان انطلاقا من نقطة ضعيفة كانت مرشحة دوماً لأن تكون نقطة الانطلاق لفتنة او حرب داخلية. وما يزكي هذا الاحتمال الذي يستند اليه المراقبون في اول رد فعل على احداث طربلس ما سبق ان لوح به حلفاء سوريا في لبنان من خطر امتداد ما يحصل في سوريا الى لبنان متى اشتد الضغط الداخلي على النظام السوري او بات مهدداً بالسقوط. وفي ظل عدم وجود صورة واضحة وحقيقية عما يجري في سوريا، فان هذا البعد كان اول ما قفز الى الاذهان.
الأمر الآخر هو الوجه الداخلي للصراع بين فريق السلطة وفريق المعارضة. فرئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الذي اعتبر كثر انه وجَّه اتهاماً ضمنياً الى تيار "المستقبل" بما حصل ولو لم يذكره بالاسم في ظل حادث دموي احبط احتفالَه مع وزراء طرابلس بالحكومة الجديدة على نحو اعاد الى الواجهة بالنسبة الى البعض ما حصل يوم الاحتفال بتكليفه ايضاً ووجد من يدفع بالامور الى سقوف اخرى تتسم بخطورة كبيرة. فهذا الاتهام ليس بسيطا، اذ لفت كثر تعليق محطة تلفزيونية لقوى 8 آذار على هذه الحوادث ببث صورة ملثم في ثياب سوداء قالت المحطة إنه ينتمي الى تيار "المستقبل" في الوقت الذي كان يعلن الحليف المسيحي للحزب العماد ميشال عون انه "قطع تذكرة في اتجاه واحد للرئيس سعد الحريري وان سلطة القرار اصبحت بيده"، في ما يمكن ان يوحي ان ما يحصل انما هو حرب الغاء مقصودة ومدبرة، وانها ستتوالى فصولاً مما قد يقلب الموقف المتعاطف مع ميقاتي وخصوصا متى وُضع في موقع المغطي لتوجهات ضد شارعه الذي كسب البعضَ منه في تصديه للمطالب التعجيزية لبعض افرقاء الاكثرية الجديدة.
وفي هاتين الحالين ثمة مخاوف من ان يكون ذلك مقدمة لتوظيف ما جرى في طرابلس من اجل التأسيس لرد فعل في التعيينات او في السياسة والبعض يقول ربما في الشارع ايضا او في احسن الاحوال تحضير الارضية الملائمة للاقتصاص من المعارضة وفقا للخطاب الذي يعتمده البعض في الاكثرية الجديدة .
والمعارضة بدورها التي يشكل تيار "المستقبل" عمادها تتحمل المسؤولية، وفقاً لما يرى البعض، في المبادرة الى توجيه السهام الى الحكومة فور تأليفها واعلان هذه المعارضة نيتها التصدي لها ديموقراطيا وسلميا من دون ان يعني ذلك انه لا يمكن النفاذ من مواقف بعض النواب مثلا للبناء عليه بالاستناد الى وجود داعم للتيار في طرابلس.
فمن يملك مصلحة في تفجير الوضع في طرابلس على خلفية طائفية في هذا التوقيت بالذات؟
تستبعد مصادر سياسية ان يكون هناك مصلحة فعلية لاي طرف في فتنة لا من جهة النظام السوري ولا من جهة الحكومة ممثلة بالرئيس ميقاتي او من جانب "حزب الله" ولا ايضا من مصلحة تيار "المستقبل". فالنظام السوري في الدرجة الاولى، المعني بطرابلس من أوجه عدة لن تكون مصلحته في هذه المرحلة حصول معركة فيها ذات طابع سني – علوي، باعتبار ان جهوده منصبة على تصوير قمعه للانتفاضة في اتجاه اطراف سياسيين محددين حتى لو ادرج تيار "المستقبل" من ضمن من اتهمهم بدعم الحركة الاحتجاجية السورية. فالاشكالية الطائفية من حيث طبيعتها في طرابلس ليست مفيدة في هذه الظروف للنظام السوري الذي يصور معركته ضد محليين متآمرين وخارج يدعمهم، وليس واضحاً تحويل الانظار نحو اشكالية من النوع الذي حصل في طرابلس وهو جَهِدَ في محاولة دحض حصولها في المناطق السورية على رغم روايات متعددة في هذا الاطار.
وبحسب المصادر، فانه ليس اكيداً ان من مصلحة القوى الاساسية التي تتشكل منها الحكومة استخدام الساحة او الشارع كما حصل في 7 ايار 2008 باعتبار ان حوادث طرابلسية مماثلة لتلك التي وقعت قبل يومين حصلت قبل 7 ايار. بل يرجح ان هذه القوى، التي اعادت عقارب الوضع السياسي الى عام 2004 واحدثت نقلة نوعية من حيث تغييبها التوازن السياسي في البلد وتسلم السلطة بالمعنى الكامل، من مصلحتها ان تختار المؤسسات وليس الشارع وذلك من اجل تأكيد سلطتها وتثبيت مكتسباتها خوفاً من تغييرات قريبة محتملة على نحو الاستعجال الذي عبر عنه رئيس "التيار الوطني الحر" بحيث بدت سنة الانتخابات النيابية سنة 2013 غداً، وليس بعد سنتين من الآن. وتاليا فان التغيير الهيكلي في الادارة والمؤسسات هو ما يسعى اليه للبناء لسنوات عدة مقبلة على اساس انه امر استراتيجي لن يحصل تهاون في شأنه ولن يدخلوا فيه بطريقة جانبية، اذ ان استباق هذا الامر وفق ما لوح البعض ربما يؤدي الى نتائج عكسية على نحو مشابه للوضع الذي عاشه الرئيس ميقاتي في فترة التأليف. ومن الافضل لهذا الفريق مقاربة هذه الامور على البارد لان هناك الكثير من المسائل، بدءاً بالتعيينات وصولا الى قرارات اكثر خطورة.
في المقابل، لا ترى المصادر نفسها كيف تصب فتنة طائفية في مصلحة المعارضة وتحديداً تيار "المستقبل"، في ظل مطالبة الاخير بنزع السلاح من المدن وفي ظل اتهامات مماثلة للتيار سيقت ضده في معركة نهر البارد ايضاً فيما تعتبر أوساطه ان الرئيس ميقاتي يدرك جيداً ما يجري لمعرفته بتركيبة باب التبانة اجتماعياً وطائفياً او تفهمه هو شخصياً على ما تقول هذه الاوساط لما يعانيه ابناء المنطقة وكيف يتلقون مساعدات منه في الدرجة الاولى.
لكن هذا لا يعني ان الوضع لم يلامس حدود الخطر. وتقول هذه المصادر ان مآل الامور ينتظر الثماني والاربعين الساعة المقبلة لكي تتضح الابعاد التي يراد لهذه الحوادث ان تتخذها في حال توقفت هذه الاخيرة نهائيا او استؤنفت. فاذا لم يبن على الاتهامات التي سيقت، على خطورتها، فان الامور قد اتجهت نحو الاحتواء عند هذه الحدود. واذا بني على هذه الاتهامات من اجل بلوغ اهداف غير واضحة كلياً، فان المسألة تكون ان الحكومة بدأت عملها في مواجهة الداخل قبل ان تواجه الخارج في حال كان هذا ما اتت من اجله.

http://www.elnashra.com/news/show/359681

السابق
الان بيفاني يحضر لمزيد من الفضائح المالية الموثقة
التالي
علماء صور طالبوا بمفت جديد