إختبارات مبكرة أمام الحكومة والمعارضة

 أول وصولها‮ "‬‬شمعة‮"‬ ‬على طولها‮ … ‬لم‮ ‬يكن الرئيس نجيب ميقاتي‮ ‬قطع المسافة بين تشكيل حكومته في‮ ‬بيروت والوصول الى مسقطه في‮ ‬طرابلس لتقبل التهاني‮ ‬مع وزراء المدينة الأربعة،‮ ‬حتى إنفجر الوضع على طرفي‮ "‬‬شارع سورية‮"‬ ‬في‮ ‬العاصمة الثانية التي‮ ‬حصدت‮ "‬‬حصة الأسد‮"‬ ‬من الحصة السنية في‮ ‬حكومةٍ قفزت منذ اللحظة الاولى للإعلان المباغت عنها الى حقل الإختبارات الصعبة‮.‬
إطلالة نارية في‮ ‬السياسة ودموية في‮ ‬الأمن للحكومة على الداخل،‮ ‬أما على الخارج فسرعان ما إرتفعت في‮ ‬وجهها‮ "‬‬عصا‮"‬ ‬التحذيرات من مغبة ادارة الظهر للقرارات الدولية،‮ ‬لا سيما تلك المتصلة بالمحكمة الدولية في‮ ‬جريمة اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري،‮ ‬في‮ ‬الوقت الذي‮ ‬إقتصرت التهاني‮ ‬لها على‮ "‬‬سجاد أحمر‮"‬ ‬سوري‮ ‬ـ ايراني،‮ ‬في‮ ‬اشارة واضحة الى‮ "‬‬أبوّتها‮"‬ ‬الاقليمية‮.‬
ورغم الاشارات البالغة الدلالة لـ‮ "‬‬الملابسات‮"‬ ‬التي‮ ‬رافقت الولادة القيصرية للحكومة وتركيبتها،‮ ‬فإن النقاش إنتقل سريعاً‮ ‬الى المسائل الاكثر حساسية المرتبطة بـ‮ "‬‬الأجندة‮"‬ ‬الاقليمية لحكومة ميقاتي‮ ‬في‮ ‬لحظة تعاظُم التحديات في‮ ‬وجه النظام في‮ ‬سوريا لا سيما الخارجية،‮ ‬و"‬أجندتها‮"‬ ‬الداخلية مع تمادي‮ ‬منطق الغلبة لمكوناتها في‮ ‬وجه الآخرين وجنوحها نحو إحكام القبضة على مفاصل الدولة‮.‬ وبدا من الواضح ان خصوم الحكومة استشعروا،‮ ‬وعلى نحو استباقي،‮ ‬ما‮ ‬يصفونه بـ‮ "‬‬أخطارها‮"‬ ‬حين قفزوا فوق‮ "‬‬فترة السماح‮"‬ ‬المفترضة لها،‮ ‬وبدوا في‮ "‬‬حال حرب‮"‬ ‬معها عندما تحدثوا عن الانتقال الى‮ "‬‬المعارضة الشرسة لحكومة احادية من لون اصفر وكان للرئيس السوري‮ ‬بشار الاسد كلمة الفصل في‮ ‬إخراجها الى دائرة الضوء‮"‬، ‬مما‮ ‬يوحي‮ ‬بأن البلاد على ابواب مواجهة بلا قفازات‮.‬
وإذا كان من المفترض ان‮ ‬يكون‮ "‬‬مانيفست‮"‬ ‬الحكومة المتمثل بـ‮ "‬‬بيانها الوزاري‮"‬ ‬اول إختبار نيات لها،‮ ‬فإن هذا الاختبار جاء من طرابلس عبر إشتباك امني‮ ‬ـ سياسي‮ ‬اختلط فيه المحلي‮ ‬بالاقليمي،‮ ‬حصيلته كانت نحو‮ ‬6‮ ‬قتلى وايقاظ الحساسية السنية ـ العلوية على‮ "‬‬وهج‮"‬ ‬الصراع في‮ ‬سوريا وإنزلاق الرئيس ميقاتي‮ ‬السريع الى الاشتباك مع المعارضة التي‮ ‬اوحى بوقوفها وراء احداث جبل محسن ـ باب التبانة‮.‬ هذا الاختبار‮ ‬يعني‮ ‬ان ما تفادى الرئيس ميقاتي تجرُّعه عندما تجنب تشكيل الحكومة على مدى اشهر، سيصبح‮ "‬‬كرة نار‮"‬ ‬بين‮ ‬يديه‮. ‬فهو‮ ‬يدرك ان تدهور الوضع في‮ ‬سوريا‮ ‬يفضي‮ ‬الى تدهور مماثل في‮ ‬لبنان،‮ ‬كان بدأ مع خطف الاستونيين السبعة وامتد الى‮ "‬‬فوضى‮"‬ ‬سجن رومية وعرّج على‮ "‬‬طفرة‮"‬ ‬الاعتداءات على الاملاك العامة والخاصة،‮ ‬وها هو مرشح لمظاهر إنفلات‮ٍ "‬‬أول الغيث‮"‬ فيها ما حدث اخيراً‮ ‬في‮ ‬طرابلس‮.‬
والأكثر اثارة من ذلك ان مكونات الحكومة بدت‮ "‬‬مستعجلة‮"‬ ‬في‮ ‬جر المعارضة‮ "‬‬المستشرسة‮"‬ ‬الى المعركة،‮ ‬فغداة اتهامها من الرئيس ميقاتي‮ ‬ووزيره محمد الصفدي‮ ‬بالوقوف وراء احداث طرابلس،‮ ‬جاء كلام العماد ميشال عون عن قطع تذكرة‮ "‬‬روحة بلا رجعة‮"‬ ‬للرئيس سعد الحريري‮ ‬ليُعتبر‮ ‬موقفاً‮ "‬‬إستفزازياً‮"‬ ‬بالغ‮ ‬الدلالة ويؤشر الى السلوك الاقصائي‮ ‬ـ الانتقامي‮ ‬الذي‮ ‬يحكم من قدّم نفسه على انه‮ "‬‬المتحكم‮"‬ ‬بالسلطة‮.‬
هذا الاستدراج المبكر للمعارضة الى المواجهة جاء على وقع تقارير تحدثت عن ان ابتعاد الحريري‮ ‬عن بيروت سببه اكتشاف خطة لإغتياله،‮ ‬الامر الذي‮ ‬كان وراء نصائح اميركية وفرنسية وسعودية له بالبقاء خارج لبنان الى حين إتضاح الخيط الابيض من الاسود في‮ ‬الصراع الذي‮ ‬تشهده سوريا‮.‬
قراءة المعارضة لـ‮ "‬‬شيفرة‮"‬ ‬كلام عون راوحت بين القول انه استدراج للحريري‮ ‬الى بيروت لإغتياله،‮ ‬والقول انه إفشاء لسلوك لم‮ ‬يعد مكتوماً‮ ‬عنوانه الاجهاز على‮ "‬‬14‮ ‬آذار‮"‬ ‬وبقاياها في‮ ‬السلطة،‮ ‬مقدمة الى الذهاب لانتخابات نيابية في‮ ‬الـ‮ ‬2013‮ ‬على متن قانون انتخاب‮ ‬يضمن التخلص مما‮ ‬يسميه البعض بـ‮ "‬‬الحريرية السياسية‮"‬.‬ غير ان المعارضة التي‮ ‬بدا ان صوتها سيكون اقوى من صوت الحكومة،‮ ‬ربما في‮ ‬الداخل،‮ ‬لكن الاكيد ان صداها سيكون قوياً‮ ‬على المستويين العربي‮ ‬والدولي،‮ ‬تملك قدرة لا‮ ‬يستهان بها،‮ ‬خصوصاً‮ ‬ان الحاضنة الاقليمية للحكومة،‮ ‬اي‮ ‬سوريا وايران،‮ ‬تعيش مأزقاً‮ ‬متمادياً‮ ‬ومفتوحاً‮ ‬على المزيد من المصاعب،‮ ‬وهو الامر الذي‮ ‬سيرتدّ على حكومتها في‮ ‬بيروت‮.‬ إنه سباق حثيث الى مواجهة‮ ‬غامضة،‮ ‬الاكثر‮ ‬غموضاً‮ ‬فيها‮ … ‬نهايتها‮.‬

السابق
يحمر تشيع والد الزميل علي داوود
التالي
السفير: الأسـد يرسم اليـوم معالم الخروج من الأزمـة: إصلاحات واسعة … لا تلامس القضايا الخلافية