خوف أدونيس

سقط ادونيس في الفخ. رسالته المنشورة في «السفير» الثلاثاء الماضي، والموجهة الى الرئيس السوري بشار الاسد، الذي أكد الشاعر والمفكر الكبير في مجلس خاص انه لا يعرفه ولم يلتقه يوما في حياته، جعلت هذا اللقاء ممكنا، بل حققته بالقول لا بالفعل.. برغم انه ليس مقصودا ولا مرغوبا من الرجلين، لأنه بات متأخرا جدا عليهما معا، ولم يعد يجدي نفعا في إزالة حاجز متوهم هو الحزب البعثي، ولا في استعادة عصبية وطنية سورية تبحث اليوم عن هويتها.

في التاريخ العربي ثابت رئيسي لا يمكن أيَّ شاعر أو مثقف بمنزلة ادونيس أن يجهله، وهو ان أي تقرب من الحاكم أو تقارب معه، هو سقوط في المبتدأ قبل أن يكون سقوطا في الجوهر. فالسلطة، مستبدة كانت ام عادلة، قاتلة لكل الناس ومدمرة لكل النفوس، لكنها كانت وستبقى نقيض الشعر والفكر الذي يخسر صفته وقيمته عندما ينضم الى قوافل المغنين والراقصين في سهرات البلاط.
ولكي لا يساء الفهم، فإن ادونيس ليس طالب سلطة أو نفوذ، ولم يبق من العم
ر ما يسمح بغير سلطان الفكرة، وهي كانت وستظل حاضرة مهما تقلب الشاعر في التعبير عن وجع وطني لا يمكن ان يختصر برسالة الى الرئيس، لم يسبق لها مثيل في تاريخه الشخصي الذي وضعه في مصاف النخبة العالمية المتميزة، ورشحه أكثر من مرة لينال التكريم الادبي والانساني الارفع بينهم. خان ادونيس نفسه، وذاك الرصيد، عندما كتب الى حاكم يشك كثيرون في انه يقرأ له ويمكن أن يستمع اليه..

لم يكن ادونيس يطلب شيئا لنفسه. ولم يكتب الى الرئيس وحده. سبق ان كتب في الزميلة «الحياة» الكثير من الرسائل المتحفظة الى الجمهور السوري الذي يتحرك اليوم ضد النظام. قال له بصريح العبارة انه ليس معه ولن يكون مع أي ثورة تخرج من الجامع، وترفع شعارا دينيا.. مع ان الوقائع والشهادات والصور، لا تقيم أي رابط بين صلاة الجمعة والتظاهرات التي تعقبها، سوى الحاجة الى مكان التقاء، بعدما أقفل الحزب والنادي والجمعية وحتى الصالون، ولم يبق سوى المساجد التي كانت العامة تفترض أنها تتمتع بحصانة معنوية فإذا هي بلا أي سقف أو جدار، وحتى بلا أي شيخ يقود المتظاهرين ويرفع الشعار القاتل، بأن الاسلام هو الحل.

الكتابة الى الرئيس بالذات، كانت هدرا مهدورا. لا يحق لأدونيس ان ينزل فجأة، وبدافع الخوف الشخصي، من علياء الشعر والفكر لكي ينخرط في السياسة على هذا النحو البائس، وينجرف بالموجة التي تفترض أن الاصلاح ممكن من داخل النظام، وان التضحية بالحزب لا تزال صالحة، أو جائزة. وهو ما ينكره الواقع، قبل أن ينفيه النظام نفسه، وتهزأ به العامة التي تحرق اليوم مقارّه ورموزه وتحطم أصنامه.
لم تكن الرسالة أفضل إبداعات ادونيس. ولن تضاف الى أعماله الكاملة.

السابق
حكومة ميقاتي وملفات المستقبل
التالي
السفير: رصاص الفتنة على الحكومة … هل يرتد على أصحابه؟