العمل البلدي: إنجازات بين ألغام العوائق

يواجه القيّمون على العمل البلدي تحدّي النهوض بالبلدية إلى مستوى المؤسسة العصرية القادرة على تقديم الخدمات في سرعة وكفاية، والقيام بمهام التخطيط والاستشراف. هذا الأمر يتطلّب وجود جهاز إداري يمتلك الخبرة والكفاية، يعتمد في عمله على التقنيات الحديثة كالمكننة والمعلومات. هذه التقنيات تساعد على تبسيط الإجراءات وتسريعها، كما تساعد البلدية على الإلمام بالواقع الديمغرافي والاجتماعي والثقافي والبيئي والاقتصادي للنطاق البلدي، ما يسهّل عملية التخطيط للمستقبل. فما هو واقع المؤسسة البلدية اليوم؟

الجهاز البشري

تختلف البلديات في تقويم واقع جهازها البشري من حيث العدد والكفاية والحاجة إلى التوظيف وتحديث الملاك البلدي. بالنسبة إلى عدد الموظفين، فإنّ نسبة البلديات المكتفية بعدد موظفيها لا تتعدى الـ30 في المئة، في حين أنّ هناك نحو 35 في المئة من البلديات تعاني نقصا طفيفا في عدد الموظفين مقابل نحو 32 في المئة تعاني نقصا حادا في عدد الموظفين. إلا أنّنا نلاحظ أنّ البلديات الكبيرة هي التي تعتبر أنّ نقص الموظفين هو عائق أساسي أمام عملها. أمّا البلديات الأخرى، فبعضها يعتقد أن عدد الموظفين كاف للقيام بالمهام البلدية الأساسية، في حين أنّ لدى بعضهم الآخر نقصا في الموظفين، إلّا أنّهم لا يعتبرونه عائقا أساسيا.

ما يزيد من حدة المشكلة، عدم إمكان توظيف الملاك البلدي وتحديثه لإضافة وظائف تلبية لحاجات جديدة.

يلاحظ أنّ أغلبية البلديات ما زالت تعمل وتخطط على المدى القصير، إما بسبب الكم الهائل من المهام والمسؤوليات المطلوب منها تنفيذها منذ استلامها المسؤولية، وإما لأنّ المشاريع قصيرة المدى توفر مردودا انتخابيا أكبر للمسؤولين، أو لافتقارها إلى القدرة التقنية لصياغة استراتيجيات مستقبلية.

هذا بالنسبة إلى المؤسسة البلدية، أما بالنسبة إلى إدارة الموارد البلدية، فالملاحظات حدّث ولا حرج، من الاكتفاء المالي، وإدارة المداخيل البلدية ونفقاتها، واقتراحات باتجاه تحسين مالية البلديات.

إقتراحات

في خضمّ تحسين نوعية العمل البلدي وتطويره، من الضروري تأمين المتطلبات التالية:

– إدخال حصة البلدية في الموازنة العامة بحيث تكون كل بلدية قادرة على معرفة حصتها ويصبح الحصول عليها أمرا منتظما.

– تمثيل البلديات في أي جهة معنية بأموال البلديات. ويقترح أحد القيّمين على العمل البلدي ضرورة أن تكون البلديات طرفا مع الذين يقومون بتوزيع أموال الصندوق وطرفا من الذين يتحقّقون من دقة الأرقام. إذ لا يجوز للبلدية، وهي صاحبة هذا المال، أن لا تعلم كيف يتم توزيع هذا المال على البلديات، إذ يحق لها أن تعرف على أي أسس حددت حصتها من هذا المال، وهذا الأمر ينطبق على الصندوق البلدي المستقل، كما ينطبق على وزارات وإدارات المياه والهاتف والكهرباء.

– إيجاد وسيلة تكفل إلزام دوائر ومصالح ومؤسسات الدولة العامة بتحويل مستحقات البلديات كل ثلاثة أشهر.

وفي ما يتعلق بتحسين الموارد المباشرة للبلدية:

– العودة إلى اعتماد براءة الذمة البلدية في كافة المعاملات العائدة للمواطنين.

– ضرورة إيجاد وسيلة لإلزام المواطنين دفع المستحقات، مثل وثيقة براءة الذمة التي لا تعطى للمواطن قبل أن يكون قد دفع كل ما يتوجب عليه.

– تقييم القاعدة الضريبية الحالية ومكننة قاعدة معلومات للقاعدة الضريبية. فمعظم البلديات ليس لديها فكرة واضحة عن القاعدة الضريبية في نطاقها، وليس لديها طريقة سهلة وممكنة لتقييم وإصدار الفواتير الضريبية.

– تطوير طرائق لتسهيل جباية الضرائب البلدية كإشراك الفروع المحلية للمصارف في العملية، كما هو حاصل بالنسبة إلى جباية فواتير الهاتف الخلوي.

– تقديم المساعدة إلى البلديات لتقييم عقاراتها ومعاينتها ولتطوير أفكار يمكن أن تحول هذه العقارات إلى مشاريع رابحة وتنموية للبلدة كالمرافق الرياضية والثقافية والمناطق التجارية والمتاحف والمسارح.

– البحث عن موارد جديدة للبلديات تصبح في ما بعد موارد دورية، إذ إن أي ضريبة جديدة تعمد البلدية إلى فرضها، تتطلب مشروع قانون جديدا.

– إستحداث دائرة متخصصة في الجهاز البلدي تنحصر أعمالها بتحضير الموازنة في البلديات الكبرى أو في اتحادات البلديات لتساعد رؤساء البلديات الأخرى في اعتماد المنهجية العلمية لوضع مشاريع الموازنات.

– إلغاء ازدواجية النظام المالي واعتماد نظام مالي موحّد للبلديات الكبرى والصغرى معا.

هذا إلى جانب سعي معظم البلديات لتخفيف الروتين الإداري والرقابة المسبقة عن بعض أعمالها، ما يؤدي إلى طرح السؤال في شأن مستقبل اللامركزية الإدارية في لبنان.

وبين العوائق والتحديات، يبقى أن بعض البلديات في لبنان تسعى اليوم لتحقيق الإنجازات على رغم ما تواجهه، إلى جانب إصرار المجتمع المدني واهتمام السلطة المركزية بتطوير العمل البلدي في لبنان من خلال البحث عن الأطر القانونية المناسبة لتطوير السلطات المحلية وتمكينها.

السابق
الحوت: الازمة في طرابلس قيد الاحتواء
التالي
تطوير علاج فقدان السمع