فضل الله: علينا احترام المطالب الشعبية العربية في مسألة الحريات والإصلاح، والحكومة لخدمة الناس وخطة استراتيجية تحمي الوحدة الوطنية

ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:

"تستمر الإدارات الغربية ببذل جهودها من أجل تنفيذ مخططها الرامي إلى اختراق المزيد من الساحات العربية، والالتفاف على الثورات والتحركات الشعبية، التي تخشى من روحها وفكرها وحيويتها على مستقبل مصالحها في المنطقة، ولذلك هي تسعى إلى تطويقها، إن باستثمار حاجتها إلى الدعم الدولي أو المال أو السلاح لمواجهة ما تتعرض له، أو بالضغط عليها من خلال إثارة التوترات الطائفية والمذهبية والقبلية والسياسية، لإرباك حركتها الداخلية".

اضاف:" إننا في الوقت الذي نشعر بأن علينا احترام المطالب الشعبية العربية في مسألة الحريات والإصلاح، وأن من حق شعوبنا أن تنعم بواقع جديد ينطلق فيه التغيير من رحم الحاجة إلى هذه المطالب، نؤكد على شعوبنا والطلائع الواعية، أن تتعامل بحذر شديد مع كل ما يتصل بمحاولات الرعاية الغربية لهذه الثورات والتحركات، لأنها رعاية ماكرة، عنوانها الاحتضان، وباطنها العذاب والتدمير من الداخل".

وحذر "من أن اللعبة الغربية تقوم على تخيير مجتمعاتنا وشعوبنا بين انتقال للسلطة يحاكي طموحات الإدارات الغربية، وفتنة داخلية وحرب أهلية يختلط فيها الجانب السياسي بالأمني بالمذهبي، لتصل المسألة إلى أعلى مستويات الدمار الذاتي الذي لا يستفيد منه إلا العدو".

اضاف:"إننا لا نحتاج إلى التأكيد أن هدف الاستكبار العالمي هو تحقيق أطماعه في المنطقة، والإمساك بمفاصلها الحيوية، والسيطرة على ثرواتها، ومنعها من التحول إلى قوة لها وزنها في العالم، وذلك على قاعدة تأكيد التفوق العسكري للكيان الصهيوني، ليكون عنصر إرباك دائم ومانع، وعامل استنزاف لأي عمل قطري ناهض أو وحدوي يمكن أن ينطلق في هذه المنطقة…ضمن هذه الأجواء، يغتنم الكيان الصهيوني الفرصة لتسريع وتيرة البناء الاستيطاني في قلب القدس الشريف، وفي الضفة الغربية المحتلة، وذلك في ظل هذا الدعم الأميركي، والذي تجلى اخيرا في تهديد الكونغرس الأميركي بقطع المساعدة الأميركية المالية للأمم المتحدة إذا انطلق الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية في أيلول القادم، ويواكب هذا الدعم أصوات أوروبية داعية إلى رفض أي خطوة فلسطينية من هذا النوع، باعتبارها أحادية، بما يؤكد أن أولوية واشنطن هي تطويق أي مسعى لوضع القضية الفلسطينية في دائرة الضوء، حتى لو اتخذ طابع الاعتراف بدولة فلسطينية على مستوى حدود 1967".

ورأى "إن هذا الواقع يستدعي استمرار الجهد لتعميق أواصر الوحدة الفلسطينية، وذلك عن طريق تأسيس قيادة فلسطينية واحدة، وقيام حكومة فلسطينية تعيد إنعاش الروح الفلسطينية، وتثبيت الشعب والأرض لمواجهة كل التحديات القادمة".

اضاف:" وفي موازاة ذلك، نرى إصرارا أميركيا على استمرار الاحتلال للعراق بطريقة وأخرى، وتحت عناوين جديدة، مراهنا في ذلك على إعادة خلط الأوراق السياسية والمذهبية بما يوقظ الفتنة، وبما يمهد السبيل لقبول بعض الكتل البرلمانية باستمرار الاحتلال تحت وطأة الضغوط المتعددة الجوانب، وممارسا ضغوطا سياسية واقتصادية، أبرزها مطالبة واشنطن للعراق بكل تعويضات الحرب، الأمر الذي يحمل العراق أعباء تجعله رهينة لسنوات طويلة، علما أن أميركا احتلت العراق لحساب مصالحها، ومن دون أن تستأذن الشعب العراقي، ولو كانت استأذنته، لرفضت الكثير من المواقع العراقية قرار الاحتلال، رغم طغيان صدام وجرائمه".

وتابع:" إننا في الوقت الذي نقدر الأصوات العراقية التي رفضت رفضا قاطعا بقاء الاحتلال في أرض الرافدين، نؤكد أهمية صدور موقف عراقي واحد، لينطلق الصوت واحدا من العراقيين سنة وشيعة ومسيحيين وعربا وكردا وتركمانيين، صوتا يعبر عن الرفض القاطع والحاسم لاستمرار الاحتلال، لأننا نرى في الخروج النهائي للاحتلال من العراق فرصة كبيرة للعراق ولكل شعوب المنطقة حتى تتنفس حرية وأمنا ووحدة وتواصلا.. ولو قدر لأميركا أن تبقى لفترة إضافية، فإنها لن تخرج من العراق إلى أمد طويل، وهي ستستخدم كل الوسائل للبقاء".

واستطرد "إننا نعرف حجم الضغوط على مراكز القرار في العراق، وحجم المعاناة التي سوف يتعرض لها إن لم يمدد للاحتلال، ولكن رفض الاحتلال سيكلف أقل مما سيواجهه العراقيون الذين لا يريدون لبلدهم أن يكون بقرة حلوبا للاحتلال، ومنطلقا لمشاريعه على مستوى المنطقة، إن للسيطرة عليها، أو لتوكيد الصراعات في ساحاتها".

وتطرق الى الوضع في لبنان وقال "اما في لبنان، فلسان حال الجميع يقول: الحمد لله على السلامة، وعلى هذه الولادة القيصرية للحكومة الجديدة، التي ظن الكثيرون أنها لن تبصر النور في ظل الظروف المحلية والإقليمية والدولية الراهنة، ولكن إرادة اللبنانيين كانت أقوى… إننا أمام هذا الأمر، نسجل تقديرا لما حصل من تنازلات مهمة لمصلحة وحدة الصف الإسلامي والوطني في مسألة تشكيل الحكومة، بما يشير إلى أن الأعراف لا يجب أن تقف عائقا أمام رجال الدولة عندما تقتضي المصالح العليا للبلاد ذلك".

اضاف:" الأعراف ليست مقدسات نتعبد لها أو نخضع لإرادتها، بل إن قيمة الأعراف عندما تكون لمصلحة البلد، وإلا فلتسقط، ولتكن مصلحة البلد هي الأساس.. إن مشكلتنا في الكثير من الواقع السياسي، أنه انتقائي يقدس غير المقدس لحساب مصالحه، ويرفض المقدس عندما يتناقض ومصالحه".

وتابع:" إننا نرى في هذه الخطوة نموذجا راقيا في أداء سياسي جديد عنوانه مصلحة البلد قبل مصالح الطوائف والمذاهب.. وهو لا يقفل الطريق على الساعين لتحريك الفتنة في الداخل فحسب، بل يمكن لهذا النموذج أن يتم الاقتداء به على أكثر من مستوى في المنطقة العربية والإسلامية، ليعرف الجميع أن السنة والشيعة يمثلون وحدة إسلامية حقيقية، وبالتالي، لا مجال لإثارة الفتنة فيما بينهم في مسألة السلطة وغيرها".

ودعا الحكومة الجديدة إلى أن "تباشر العمل كوحدة متماسكة، وأن تضاعف جهودها لخدمة الناس، آخذة بعين الاعتبار الفترة الزمنية التي جرى استهلاكها في مسألة التشكيل، لتنطلق كورشة اجتماعية وسياسية واقتصادية وأمنية، تعمل على حل مشاكل المجتمع، وخصوصا الطبقات المحرومة التي باتت تشكل الأغلبية الساحقة من اللبنانيين…فاللبنانيون باتوا بحاجة إلى كل شيء، وإلى أبسط مقومات الحياة… فلتنطلق هذه الحكومة للعمل على حل مشاكل الناس الاجتماعية الحادة، والسعي للنهوض الاقتصادي بالوطن، لتحريك عجلة الإنتاج وكل ما يرفع من مستوى الناس، ومواجهة الفساد والهدر الذي يطغى على كل مواقع الدولة، ولا سيما الإدارة، والأهم، أن تنطلق الحكومة في خطة استراتيجية متكاملة لحماية الوحدة الوطنية والإسلامية، وحماية البلد وتحصينه في مواجهة الأطماع الصهيونية والضغوط الأميريكية وغيرها".

اضاف:" لقد دقت ساعة العمل، فلا تضيعوا المزيد من الوقت في كل استعراضات التهنئة والتبريك، وما تعود عليه الناس في هذه الأجواء الاحتفالية، أو الرد على تصريحات من هنا وهناك، انطلقوا إلى العمل قبل أن يحاصركم الفشل، وتجهزوا لبذل كل الجهود في سبيل خدمة أهلكم وشعبكم.. فبالعمل وحده لمصلحة الوطن وحمايته تستطيعون أن تواجهوا كل التحديات والانتقادات التي تواجهكم. وليكن العدل منهجكم، والمساواة غايتكم، وليكن سعيكم، أنتم الذين يعتبرونكم من لون سياسي واحد، أنكم لن تنغلقوا على لونكم، بل أنتم لكل الألوان، لنتعلم في هذا البلد أن يكون هناك موالاة تعمل ومعارضة تنتقد، موالاة تعمل للنهوض بالبلد، لا لتكيد للذين يعارضونها، ومعارضة تنتقد لتبين الأخطاء ولتصلحها لا لتسجيل النقاط، وبذلك نحمي البلد ونقويه".

وختم متوجها الى المسؤولين، "آن الأوان لنخرج اللبنانيين من يأسهم وإحباطهم، ونشعرهم بأنهم يعيشون في بلد يأمنون فيه على حاضرهم ومستقبلهم، بلد قادر على مواجهة تحديات الداخل وعواصف الخارج… وهذا لا يتم إلا بتعاون الجميع".

السابق
النابلسي: لعدم الإنزلاق في صراع داخلي والتركيز على الأوضاع الاجتماعية للناس
التالي
السيد: الأمن والقضاء مصلحة مشتركة لجميع اللبنانيين من كل الطوائف والمذاهب