حكومة الميقاتي في مواجهة المشكلات والملفات المستقبليّة

بعد نحو خمسة أشهر من تكليفه، نجح الرئيس نجيب ميقاتي في تشكيل حكومته الثانية (الأولى كانت عام 2005 بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري)، وقد ولدت الحكومة الميقاتية الجديدة في ظروف سياسية صعبة داخلياً وخارجياً. فعلى الصعيد الداخلي واجه ميقاتي صعوبات كبيرة على صعيد التشكيل، ما اضطر الرئيس نبيه بري الى التضحية بأحد الوزراء الشيعة لمصلحة وزير سني سابع (فيصل كرامي). كذلك تلقت الحكومة الاعتراض الأول عليها من الوزير طلال ارسلان الذي شنّ حملة قوية على الرئيس ميقاتي واعلن رفضه تسلم حقيقة «وزارة الدولة»، كما عمد انصاره الى قطع الطرقات وحرق الدواليب احتجاجاً.

من جهتها قوى «14 آذار» اعتبرت هذه الحكومة أنها «حكومة حزب الله وحلفائه» أو حكومة الرئيس السوري بشار الأسد، رغم ان ميقاتي نجح مع الرئيس ميشال سليمان ورئيس جبهة النضال الوطني وليد جنبلاط في الحصول على ما يسمى «الثلث الضامن أو المعطل» بحيث لا يمكن الحكومة اتخاذ أي قرار اساسي بدون موافقتهم.

اذن، ولدت الحكومة في ظروف صعبة وقاسية. لكن المشكلة لم تنته عند هذا الحد، لأن امام الحكومة تحديات ومشاكل صعبة ستواجهها في الأيام المقبلة، كملف المحكمة الدولية والموقف من المقاومة والهموم المعيشية والاقتصادية والمعارضة التي سيتولاها «تيار المستقبل» وقوى 14 آذار، اضافة الى التطورات الحاصلة في الدول العربية عامة وفي سوريا على الأخص، التي قد تنعكس سلباً على الوضع اللبناني.

فما هي نقاط القوة ونقاط الضعف في حكومة الرئيس ميقاتي الجديدة؟ وما هي أبرز المشكلات والتحديات التي ستواجهها في المرحلة المقبلة؟

نقاط القوة ونقاط الضعف
بداية كيف يمكن تقويم واقع الحكومة الميقاتية الجديدة، وأين تكمن نقاط القوة والضعف فيها؟

نقطة القوة الأساسية في الحكومة الجديدة هي الدور الذي أداه وسيؤديه رئيسها نجيب ميقاتي مع حليفيه الأساسيين الرئيس ميشال سليمان والنائب وليد جنبلاط. فهذا الثلاثي الذي يمتلك (الثلث الضامن أو المعطل) سيحاول ضبط أداء الحكومة، سواء في الملفات الداخلية أو الخارجية، أي سيعمل هذا الفريق لكي لا تقوم الحكومة بخطوات سلبية تجاه «قوى 14 آذار» ومؤيديها في الادارات العامة، وسيحاول ألا تتخذ الحكومة اية خطوات تجعلها في مواجهة المجتمع الدولي، ولا سيما على صعيد المحكمة الدولية والقرارات الدولية.

وتضم الحكومة الجديدة عدداً من الوجوه الوزارية الجديدة او القديمة التي يمكن أن تساهم في القيام بخطوات جدية لمعالجة الملفات الساخنة سواء على الصعيد الداخلي والخارجي. وقد نجح الرئيس ميقاتي بالإتيان بفريق عمل قوي الى جانبه، بالاضافة الى تعزيز التمثيل السني (عددياً)، ما قد يساعده في دعم حضوره الشعبي.

والحكومة أيضاً قادرة على إقامة علاقات خارجية متوازنة تجعلها قادرة على مواجهة العقبات والحملات التي قد تشن عليها.

اما نقاط الضعف فهي تتمثل بالخلافات بين اقطاب الأكثرية الجديدة وأفرقائها، التي برزت خلال مرحلة التشكيل والتي قد تنعكس سلباً على أداء الحكومة وقدرتها على تحقيق انجازات حقيقية في الملفات الادارية والاقتصادية والمعيشية، وتفتقر الحكومة كذلك الى برنامج عمل متماسك متفق عليه بين كافة الأطراف السياسية الداعمة لها، ما يعني أننا سنكون امام برامج عمل متنوعة من قبل كل فريق سياسي داخل الحكومة.
والمسألة الثالثة التي ستواجهها الحكومة هي الحملة الاعلامية والسياسية التي ستشنّ عليها داخلياً وخارجياً (والتي بدأت نُذرها) واحتمال قيام بعض الحكومات العربية أو الأجنبية باتخاذ خطوات سلبية قد تؤثر سلباً على أداء الحكومة كما حصل من خلال القرارات الاميركية بحق البنك اللبناني – الكندي أو غير ذلك من خطوات لمحاصرة الحكومة ورئيسها.

التحديات والمشكلات المستقبلية
لكن ما هي أبرز الملفات والتحديات والمشكلات الساخنة التي ستواجهها حكومة الرئيس ميقاتي في المرحلة المقبلة؟
لعل أهم وأبرز ملف سيواجه الحكومة الجديدة في الأيام المقبلة هو ملف المحكمة الدولية، سواء بالنسبة إلى ما سيتضمنه البيان الوزاري حولها أو لجهة كيفية التعاطي مع القرار الظني إذا صدر قريباً.
وهذا الملف هو الملف الأساسي لدى حزب الله وحلفائه، وهو الذي أدى الى اسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري. ومع ان الرئيس ميقاتي أكد مراراً أنه سليتزم الاجماع الوطني وعدم اتخاذ قرارات تؤدي الى الصدام مع المجتمع الدولي، سيكون الأداء السياسي والمباشر في الموقف من المحكمة الدولية سيكون احد المفاصل الأساسية في دور الحكومة الميقاتية وواقعها ومستقبلها.

اما الملف الثاني فهو «ملف المقاومة». فرغم ان هذا الملف ينبغي ان يعالج في اطار «مؤتمر الحوار الوطني» وضمن عنوان «الاستراتيجية الدفاعية» وعلى قاعدة الاحتفاظ بثلاثية «الشعب والجيش والمقاومة، فإن ملف سلاح المقاومة أو سلاح حزب الله سيطرح بقوة في الأيام المقبلة، وقد سمعنا أخيراً المواقف والتصريحات من نواب «تيار المستقبل» التي اشارت الى نقل الحزب بعض اسلحته الثقيلة الى جرود عكار رغم نفي الحزب لذلك. لكن هذه الأخبار تؤكد ان هذا الملف سيكون ساخناً، وقد تتجدد حملة «تيار المستقبل» و«قوى 14 آذار» على سلاح المقاومة وحزب الله، وذلك في محاولة لحشر الحكومة الميقاتية في الزاوية.

اما الملف الثالث فيتناول القضايا الادارية والمعيشية والاجتماعية، فالحكومة ستواجه الكثير من العقبات والمشاكل سواء على صعيد التعيينات الادارية أو كيفية التعاطي مع المواقع الادارية المؤيدة لتيار المستقبل وقوى 14 آذار، أو لجهة كيفية معالجة الهموم الاجتماعية والمعيشية ووضع قانون جديد للانتخابات وبحث ملف اتفاق الطائف، وستضطر الحكومة الى اتخاذ قرارات قاسية وغير شعبية في بعض الأحيان، ما سيعرضها لحملات سياسية واعلامية، كذلك ان الخلافات بين اقطابها قد تؤدي إلىعرقلة عملها وتحولها إلى حكومة «تصريف الأعمال» او حكومة انتقالية كما تتحدث بعض الأوساط السياسية.

الملف الرابع الحساس الذي ستواجهه الحكومة هو ملف الأوضاع الخارجية، ولا سيما في ظل التطورات التي تشهدها المنطقة العربية عامة وسوريا بشكل خاص، فهذه التطورات ستضع الحكومة امام تحديات كبرى. ومع ان الحكومة تحظى بدعم قوي من سوريا وايران ومعظم افرقائها على علاقة جيدة مع القيادة السورية، فإن حصول اية تغييرات او تطورات خطيرة في سوريا سيعرِّض الحكومة لمشاكل كبيرة، وهناك تخوف كبير من تعرض الحكومة لضغوط خارجية اميركية وأوروبية وعربية (وقد بدأت ملامحها في الأشهر الماضية)، ما يفرض عليها البحث في كيفية مواجهة هذه الضغوط واستيعابها.

إذن، طريق الحكومة الميقاتية ليس سهلاً، فهل ينجح الرئيس ميقاتي في ادارة دفة البلاد كما ادارها بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005؟ وهل تصمد الحكومة الى وقت اجراء الانتخابات النيابية عام 2013، أم انها ستكون حكومة انتقالية كما يتوقع البعض؟

السابق
شلالا ضمن الفريق
التالي
الانباء: مصدر واسع الاطلاع يكشف الخطوط العريضة للبيان الوزاري