الإعتدال ···في مواجهة اللون الواحد!

بات الرئيس نجيب ميقاتي رئيساً فعلياً بعدما كان مكلّفاً، وأضحت الحكومة أمراً واقعاً، وسرعان ما طويت صفحة التكهنات حول التأليف لتفتح مجلدات حول المرحلة المقبلة · ·· بما أن الحكومة المشكّلة تأتي بعد شلل طويل، سيطر على الأداء الرسمي في معالجة الملفات الحياتية، واستفحال سياسة الدكاكين داخل الوزارات، فاجتهد كل على طريقته لتسجيل النقاط على الآخر، ضاربين بمصلحة المواطن عرض الحائط·
ولا ينكر أحد أن التشكيل قد عكس بعض الارتياح في الأوساط الشعبية، التي ضاقت ذرعاً من مسلسل 8 آذار و14 آذار الذي لا تبدو نهايته قريبة، والتي لا يهمها سوى أمنها المفقود ولقمة عيشها النادرة!

إلا أن درجة التسييس العالية المسيطرة على الشارع اللبناني بسبب الإنقسامات الداخلية الحاصلة أولاً، وموقع لبنان في وسط الأزمات الإقليمية·

ثانياً، جعل من المواطن البسيط يتعاطى مع الحكومة والتطلعات المرافقة لها بقدر عالٍ من الواقعية، بما أن تجربة حكومة الوحدة الوطنية السابقة، والتي كانت منبثقة من توافق داخلي باءت بالفشل بعدما تم تعطيلها منذ اليوم الأول، وإقالتها بالشكل المستفز الذي حصل·

وبالتالي، لن يكون الحال أفضل اليوم، ولا الفرص الممنوحة للحكومة الحالية أكثر سخاء، فالإنقسام الواقع في البلاد وخارجها بلغ حداً من التوتر غير المسبوق، خاصة في ظل غياب لغة الحوار والتواصل بين شركاء الوطن والأشقاء في العالم العربي·

كل منشغل بملفاته الداخلية، محاولاً إنقاذ ما يمكن إنقاذه بأقل تكلفة داخلية، ومهما بلغت الفاتورة العربية، وبالتالي ليس من بارقة أمل في المدى المنظور··· فالسفينة تغرق ببطء، وكل يحاول النجاة ولو اضطر إلى الاستيلاء على سترة غيره أو حتى إغراق الآخرين لينجو بنفسه·

<تايتانيك> عربي في بحر غربي هائج، مستعد لابتلاع كل ما يقع فيه، تحت غطاء الحرية وحقوق الانسان، ذات المفاهيم والمقاييس المزدوجة!·

ولكن واقعية اللبناني في نظرته لحكومة اللون الواحد التي شكلت، أخيراً، لا يحلها من واجباتها العديدة، والمتعلقة بالسياسات الفعلية على الأرض التي تنوي، أو ينوي من بيدهم الحل والربط فيها انتهاجها، وليس الشعارات الرنانة المطلقة في البيان الوزاري، والذي أثبتت التجارب أنه يصاغ دون طعم أو لون لتمويه المواقف الخلافية، ولتمرير جلسة الثقة بأقل خسائر ممكنة·

ومن هنا، يتوقع للحكومة الجديدة جدول أعمال مكثف علّه يُفرج عن جزء من هموم الناس، بدءاً من إعادة إمساك الأمن وتعزيز دور القوى الأمنية وهيبتها التي اهتزت بفعل التجاذبات العديدة وحملات التخوين المتكررة في المرحلة السابقة، مما قد يتيح استعادة الثقة بقطاعي الاستثمار والسياحة المعطلين منذ فترة، وصولاً إلى إيجاد الحلول الناجعة لقطاعات الخدمات الأساسية كالطاقة والمياه والاتصالات، والتي كانت في الآونة الأخيرة محط خلافات وتحديات، تجاوزت الأطر الإدارية، لتنال من حقوق المواطن البديهية من هذه الخدمات· أما مشروع ضمان الشيخوخة والتغطية الصحية والأزمة مع المستشفيات الخاصة، وصولاً إلى مطالب الأساتذة في القطاع الرسمي وما إلى ذلك، ليست إلا جزءاً من معاناة يومية يعيشها المواطن ويبرع المسؤول في سد اذنيه و بإغماض عينيه عنها· تبقى القضايا المتعلقة بتفعيل دور المؤسسات، وملف شائك قائم بحد ذاته، بما انه يتناول التعيينات في مختلف المجالات العسكرية والمدنية والقضائية، والتي تطرح علامة استفهام كبيرة حول كيفية إخراجها مراعية التوازنات بين الطوائف والكتل في وقت سارع التيار الوطني لإعلانها على رأس الأولويات وكأنه في سباق لتحصيل ما يمكن تحصيله في ظل غياب الشريك في الوطن عن موقع القرار <التجربة خير برهان> بشكل عام، ولكن في لبنان ممكن أن يكون ثمن التجربة باهظاً، إذا ما تم التفرد بالقرارات، وتركت الساحة الداخلية للاعبين عرفوا بتطرفهم السياسي، وغياب منطق الحوار والحلول الوسط عن قاموسهم··

فهل تنجح أصوات الاعتدال في الحكومة الحالية في تصويب مسارها لتجنيب الداخل حرباً كيدية ضروساً ممكن أن تلقي بالعباد في جهنم الاقتتال العبثي، ولتجنيب البلاد من السقوط في أتون الصراع الأميركي مع دول الجوار، والذي لن يألو جهداً أو وسيلة لتطويع الطرف الآخر!

السابق
جنبلاط يزور تركيا فَروسيّا، دعماً للأسد!
التالي
اللواء: ميقاتي في مواجهة القرار الإتهامي بقرار حكومي ملزم