القصة الكاملة لتنازل بري عن “المقعد الشيعي” في الحكومة

شكل تنازل الرئيس نبيه بري عن المقعد الشيعي وحقيبة الشباب والرياضة العائدة له، لمصلحة فيصل عمر كرامي احد أبرز مفاجآت الحكومة الجديدة التي لم تكن لتشكل لولا هذه التسوية المبتكرة التي شكلت سابقة في تشكيل الحكومات وكسرت توازنا مذهبيا وطائفيا مع تقدم الحصة السنية على الحصتين الشيعية والمارونية، والمفارقة الآن ان هذه الخطوة التي لاقت تقدير ومباركة الرئيس بشار الاسد واجهت انتقادات في أوساط سنية وشيعية على حد سواء، أي في أوساط الطائفة المتلقية والطائفة «المانحة أو الواهبة»، وحتى في أوساط الحلفاء وأبرزهم العماد عون

جاء الترحيب بخطوة وجهود بري مقرونا بالتحفظ على تنازلات كهذه مستقبلا، كيف ولدت هذه الفكرة وشقت طريقها الى التنفيذ؟
وكيف تم التعاطي معها والرد عليها؟

بعدما تم «استدعاء» الرئيس بري على عجل الى قصر بعبدا باتصال تلقاه من الرئيس ميشال سليمان، وصل ليجد في انتظاره تشكيلة حكومية من 24 وزيرا ليس فيها وزراء دولة. فكان ان سجل بري اعتراضا على نقض الاتفاق الحاصل على حكومة من 30 وزيرا، ودار هذا الحوار:

٭ بري: هل اسم فيصل كرامي موجود في التشكيلة؟

٭ ميقاتي: كلا.. اسمه ليس مدرجا فيها.

٭ بري: لكنك كنت قد أبلغتني ان الكراميين (أحمد وفيصل) سيجري توزيرهما.

٭ ميقاتي: بالاذن منك دولة الرئيس.. روايتك غير كاملة، لقد سبق إن قلت لك ان هناك خيارين، فإما ان يوزر أحمد وفيصل كرامي معا.. وإما ان يسمي الرئيس عمر كرامي من يمثل المعارضة السنية، غير فيصل.

٭ بري: صحيح.. معك حق.

٭ ميقاتي: ما حصل انه لم تكن هناك إمكانية لتطبيق أي من هذين الخيارين.

٭ بري: لكن هناك التزاما مني ومن السيد نصرالله والعماد عون بتوزير فيصل كرامي.

٭ ميقاتي: إذا تم توزير أربعة من طرابلس تصبح بيروت ممثلة بمقعد واحد، وهذا الأمر يسبب لي مشكلة في العاصمة ولا أستطيع تحملها ولا أقبلها أيضا. وهل لديك بدائل يا دولة الرئيس.

٭ بري: نعم البديل عندي حصتي مؤلفة من ثلاثة وزراء الخارجية والصحة والشباب والرياضة، وأنا أقول انني على استعداد للتنازل عن مقعد شيعي وليكن فيصل كرامي من كتلتي. بهذا المخرج يصبح الوزراء السنّة 7 والشيعة 5.

٭ سليمان: هل يسمح الدستور بهذا المخرج؟

٭ بري: لا نص دستوريا يمنع ذلك هناك عرف منذ أيام الانتداب وأنا أريد خرقه هذه المرة في سبيل مصلحة الوطن.

٭ سليمان: هل تستطيع أن تتحمل هذا الأمر في طائفتك.

٭ بري: أستطيع حمل هذا الموضوع، وهو ليس أخطر من موافقتي على قبول الزواج المدني الاختياري. وأنا أريد أن أضع نفسي في امتحان لزعامتي في الطائفة وأترك لي هذا الأمر وأنا قادر على تحمل عواقبه. البعض لا يريدني زعيما وطنيا، على الأقل اقبلوني زعيما شيعيا.

٭ ودخل الرؤساء الثلاثة في جدل حيال هذا المخرج لنحو 45 دقيقة. ثم أخذ بري الكلام من جديد وتوجه الى ميقاتي: سبق ان تألفت إحدى الحكومات ولم تضم وزيرا شيعيا واحدا، وكانت رباعية وأدت الى قهر الطائفة الشيعية. وأنا أريد اليوم ان تكون الغلبة في مصلحة لبنان.

٭ ورد رئيس الجمهورية وهو ينظر الى ميقاتي: ان المخرج الذي وضعه الرئيس بري هو الأخير في عملية تأليف الحكومة.

٭ وبعد مرور حوالي 45 دقيقة على الجدال حول هذه النقطة، توجه بري الى سليمان بالقول: فخامة الرئيس.. احتراما لمجلسك لا يجوز أن أغادر.. لكن اعذراني، أشعر بأنني بدأت أكرر نفسي.

٭ نظر سليمان الى ميقاتي، وقال له: أعتقد أن ما طرحه الرئيس بري هو المخرج الأخير. وهنا، طلب الرئيس المكلف من بري أن يطلع على التشكيلة معدلة، فأصر بري على الرفض، ثم هم بالمغادرة قبل ان يستدرك مخاطبا ميقاتي: أود أن ألفت انتباهك الى أنني تنازلت لفيصل كرامي عن حقيبة وزارية، أي انه ليس وزير دولة.

٭ في طريق العودة، اتصل بري بمعاونه السياسي النائب علي حسن خليل وطلب منه أن يبلغ المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله الحاج حسين خليل بضرورة أن يلاقيه في عين التينة فورا لأمر ملح، وهكذا كان.

٭ شرح بري للحاج خليل حيثيات الاقتراح الذي قدمه للرئيسين سليمان وميقاتي، وقال له: هذا الموقف آخذه بصدري وحدي، وحزب الله ليس ملزما به إذا لم يكن موافقا عليه. ولاحقا، وصلت رسالة الى بري من نصر الله تؤكد تأييده المخرج الذي طرحه.

٭ وفور الاعلان عن الحكومة، أجرى الرئيس السوري بشار الاسد اتصالا بالرئيس بري حياه على جهوده ومساهمته في هذه الولادة وخاطبه: «هذا هو عهدي بك يا دولة الرئيس. هذه الخطوة ستكتب لك في سيرتك السياسية الوطنية والقومية.

٭ وان اتخاذ مثل هذا الموقف ليس جديدا عليك، وما قمت به هو رسالة كبيرة الى كل الأمة»، معتبرا ان خطوة بري ستترك انعكاسات ليس فقط على لبنان، وإنما على سورية والمنطقة ككل.

  

السابق
التقمص:”عمري لا يقاس بحياة واحدة، فالحيوات الأخرى في الانتظار”
التالي
فيصل: لا يؤمن بالوراثة السياسية