السفير: البيان الوزاري يُطمئن الداخل وسوريا … ولا يستفز المحكمة

..وفي اليوم الثالث على ولادة الحكومة الجديدة، أُخذت الصورة التذكارية لأعضائها، ناقصة طلال ارسلان، وانعقد الاجتماع الأول لمجلس الوزراء الذي اتخذ قراره الأول وهو تشكيل لجنة صياغة البيان الوزاري، على ان يكتمل المشهد الجديد اليوم مع دخول الرئيس نجيب ميقاتي الى السرايا الحكومية، بعد مرور حوالى ست سنوات على خروجه منها في بداية صيف العام 2005.
وبمعزل عن القراءات المتباينة للتشكيلة الحكومية، فإن مشهد مجلس الوزراء مجتمعا في قصر بعبدا بعد قرابة خمسة أشهر على الفراغ وقبلها قرابة سنة من المراوحة والتعطيل، إنما أشاع مناخا مريحا في البلد المتعطش لوجود سلطة ومرجعية، تعيدان العمل بقانون «الجاذبية السياسية» وتنهيان حالة انعدام الوزن التي كانت سائدة طيلة الفترة الماضية.
المهم أنه أصبحت للبنان حكومة، كأي بلد طبيعي آخر، ولو انها لم تعجب البعض الذي من حقه ان يعارض في سياق الاصطفاف المنطقي بين موالاة ومعارضة، وإن يكن مستغربا أن يبدأ فريق 14 آذار حملته المضادة من سقف مرتفع جدا وبتوقيت مبكر جدا، حتى قبل ان تباشر الحكومة عملها، ليبنى على الشيء مقتضاه.
ومن المرجح ان تكتمل صورة الحكومة قريبا من خلال معالجة مسألة استقالة الوزير طلال أرسلان منها، على ان يحل مكانه شقيق زوجته رجل الأعمال مروان خير الدين، بعدما ينتهي الوسطاء من إيجاد الاخراج الملائم لهذه الصيغة.
مجلس الوزراء
وإذا كانت جلسة مجلس الوزراء أمس قد طغى عليها الطابع البروتوكولي، وخصص القسم الاول منها للتعارف، فإن الأنظار تتجه الآن نحو لجنة صياغة البيان الوزاري التي يُنتظر منها ان تنتهي من مهمتها بأسرع وقت ممكن للتعويض عن التأخير في التأليف.
وعلم ان المهلة المعطاة للجنة من أجل إنجاز مهمتها تتراوح بين 10 و15يوما، ما يتيح للحكومة ان تمثل امام مجلس النواب لنيل الثقة في مطلع تموز المقبل. ومن المتوقع ان يقوم ميقاتي بعد نيل الثقة بجولة إقليمية تبدأ من دمشق ومن ثم السعودية وصولا الى تركيا، وربما تقوده أيضا الى باريس.
وأكد مصدر وزاري لـ«السفير» ان «التوجه هو للإسراع في اعداد بيان وزاري لا يكون فضفاضا، على أن تحتل
هموم الناس الأولوية فيه، مرجحا ان تكون هناك تقاطعات عدة بينه وبين البيان الوزاري للحكومة السابقة. وأوضح ان البنود التي كانت توصف في السابق بالخلافية ستتم مقاربتها بروح المسؤولية وبما ينسجم مع مصالح لبنان العليا والحفاظ على الوحدة الوطنية.
وقد رسمت كلمتا الرئيسين ميشال سليمان ونجيب ميقاتي خلال الجلسة التعارفية الأولى، ما يشبه «خريطة طريق» للجنة إعداد البيان الوزاري، علما ان سليمان أكد أن الحكومة ولدت لبنانية مئة بالمئة، ومن دون أي تدخلات خارجية، مشددا على ان سوريا لم تتدخل وهذا هو المطلوب.
وقال ميقاتي إن حكومته «ستعمل من أجل جميع اللبنانيين، ولن تميز بين من هو موال او معارض، وسنمارس هذا الدور من دون أي كيدية، تحت سقف القانون». ورأى أن الامن الاجتماعي في لبنان بات يوازي بأهميته الامن السياسي والاستقرار الامني والاقتصادي.
نصر الله ـ جنبلاط
وكانت التحديات التي تنتظر الحكومة موضع بحث بين الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله والنائب وليد جنبلاط بحضور الوزير غازي العريضي والحاج وفيق صفا. وقال جنبلاط لـ«السفير» ان لقاءه نصر الله كان ممتازا، مشيرا الى انه توافق معه على وجوب ان تكون أولوية الحكومة هي التصدي للشأن الاقتصادي والاجتماعي.
وعن الحملة العنيفة التي تتعرض لها الحكومة منذ اليوم الاول لتشكيلها، لفت جنبلاط الانتباه الى انها كانت متوقعة، وأضاف: لقد شككوا بنا داخليا وخارجيا، ولكننا صبرنا ونجح الائتلاف الوطني العريض في تحقيق هدفه من خلال تأليف الحكومة، وأنا لست خائفا، وسنتصدى لهذه الحملة بهدوء وبرفع منسوب إنتاجية مجلس الوزراء.
الألغام السياسية
وفي انتظار إنجاز بيان وزاري واقعي، يخفف من الإنشائيات ويكثر من آليات العمل، يمكن القول ان تحديات سياسية عدة تنتظر الحكومة التي سيكون عليها ان تسير في حقل ألغام، تحت مراقبة المجتمع الدولي، ووسط «كمائن» الخصوم في الداخل.
أما أبرز التحديات، فهي كالآتي:
– المحكمة الدولية: من الواضح ان اختبار التعاطي مع ملف المحكمة الدولية وقرارها الظني سيكون من أصعب الاختبارات التي ستواجه الحكومة وبيانها الوزاري، خصوصا أن هذا الملف هو على تماس مباشر مع المجتمع الدولي من جهة ومع الرئيس سعد الحريري بما يمثل في الطائفة السنية من جهة أخرى.
وإذا كان البيان الوزاري سيتجنب على الارجح اتخاذ موقف سلبي أو إيجابي من المحكمة بحد ذاتها، فهو سيركز على الالتزام بمفهومي العدالة والحقيقة لمعرفة من قتل الرئيس رفيق الحريري، إلا ان السؤال الأصعب الذي ينتظر الحكومة هو كيف ستتعامل مع مسألة تمويل المحكمة ووجود قضاة لبنانيين فيها، ومع مضمون القرار الظني بعد صدوره بشكل رسمي متضمنا أسماء أشخاص من «حزب الله» الممثل في الحكومة… وماذا لو قرر دانيال بيلمار في النسخة الأخيرة إضافة أسماء سورية؟
– العلاقة مع سوريا: لعل الاولوية الاساسية للحكومة على هذا الصعيد هي إعادة تثبيت الثقة بين البلدين، بعدما بقيت مهتزة طيلة فترة وجود الرئيس سعد الحريري في السلطة. وإذا كان مطلوبا من دمشق عدم الغرق مجددا في التفاصيل اللبنانية وتجنب تكرار أخطاء الماضي وخطاياه، فإن المنتظر من الحكومة اللبنانية الجديدة في هذه المرحلة طمأنة دمشق سياسيا وأمنيا من خلال ضبط الحدود مع سوريا، لمنع تهريب السلاح اليها، ترجمة لاتفاق الطائف الذي يحظر جعل أي من البلدين ممرا او مقرا لاستهداف البلد الآخر. كما ان الحكومة ستكون معنية بالحؤول دون استدراج لبنان الى ان يصبح جزءا من الحملة الدولية للضغط على سوريا ومحاصرتها، لا سيما أن الولايات المتحدة تسعى جاهدة الى جره نحو مثل هذا الدور، وليست الزيارة الاخيرة لجيفري فيلتمان الى بيروت سوى أحد الامثلة على هذا المـسعى الاميركي الحثيث.
وإلى جانب ذلك كله، فإن الوقت قد حان لتطبيق الاتفاقيات الموقعة بين البلدين، وصولا الى «مأسسة» العلاقة الثنائية، من دون ان يعني ذلك الانتقاص من كونها مميزة.
– المقاومة: يُفترض ان تكون العلاقة بين حكومة الرئيس ميقاتي والمقاومة سلسة ومتناغمة، على قاعدة معادلة «الجيش والشعب والمقاومة» التي سبق ان تضمنها البيان الوزاري لحكومة الرئيس سعد الحريري، ما يشكل تغطية مسبقة لميقاتي وحكومته، وحماية لهما في مواجهة الاتهامات الجاهزة التي ستوجه اليهما، بحجة ان المقاومة فقدت شرعيتها بعدما وجهت سلاحها الى الداخل، علما ان الحريري وافق على المعادلة المشار اليها بعد أحداث 7 أيار، وبالتالي فإنه سيكون من الصعب الاقتناع بأن تنصله منها ليس رد فعل على إخراجه من السلطة.
وتجدر الاشارة في هذا المجال الى ان ميقاتي الذي رفض ان يقدم اي تعهد شفوي او خطي لأي من الاطراف الداخلية بعد تكليفه، أقرّ بأن الاستثناء الوحيد يكمن في التزامه بحماية المقاومة وتأكيد حقها بتحرير ما تبقى من أراض محتلة.
– القرار 1701: من البديهي ان الحكومة ستؤكد احترامها لهذا القرار وستطالب الامم المتحدة بان تُلزم إسرائيل باحترامه ايضا والكف عن انتهاك سيادة لبنان. ولكن أمن القوات الدولية العاملة في الجنوب سيظل الهاجس الاكبر، بعدما كشف الاعتداء الاخير الذي تعرضت له في الرميلة عن ان هناك من يصر على استعمال هذه القوات كصندوق بريد لتوجيه الرسائل.
– اتفاق الطائف: سيعيد البيان الوزاري التأكيد على ما ورد في البيان الوزاري السابق عبر التزام الحكومة مبادئ الدستور وأحكامه ومضامين خطاب القسم وتوجهاته وقواعد النظام الديموقراطي والميثاق الوطني وتطبيق اتفاق الطائف.
– القانون الانتخابي الجديد: تواجه الحكومة اختبار القدرة والارادة على وضع قانون انتخابي عادل ومتوازن، يشكل عنصر اطمئنان، خاصة للشريحة المسيحية، وفي الوقت نفسه، يؤدي الى فتح نوافذ الاصلاح الانتخابي، خاصة من خلال اعتماد النسبية التي لطالما نادى بها نجيب ميقاتي من خلال منابر «الوسطية»، ولعل العبرة هي في تضمين البيان الوزاري اشارات واضحة بهذا الاتجاه، خاصة بعد المبادرة التي أطلقها الرئيس نبيه بري في موضوع التنازل عن أحد المقاعد الشيعية في الحكومة… خطوة على طريق هز بنية النظام الطائفي التي باتت مصابة باهتراء شديد.
– التعيينات الادارية: تواجه الحكومة تحدي إجراء تعيينات ملحة تملأ الشواغر الكثيرة في الادارة، على ان التحدي الاهم يكمن في مدى النجاح بمراعاة معيار الكفاءة والنزاهة والابتعاد قدر الامكان عن المحسوبيات والانانيات، بحيث يختار ممثلو الطوائف في الحكومة الافضل لديهم، ضمن المحاصصة الطائفية والمذهبية التي تبقى شرا لا بد منه، ما دام النظام السياسي على حاله.
كما أن الحكومة ستجد نفسها أمام محك آخر، وهو عدم قطع الخيط الرفيع الذي يفصل بين إجراء المحاسبة والمساءلة حيث تدعو الحاجة وبين ممارسة الكيدية والانتقام السياسي بحق الفريق الذي خرج من السلطة. ومن المتوقع أن تشهد الجلسة الأولى لمجلس الوزراء بعد نيل الثقة، التجديد لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة وتعيين رئيس جديد للأركان في الجيش اللبناني بالإضافة الى تعيين مدير عام جديد للأمن العام خلفا للواء الراحل وفيق جزيني.
ومن المتوقع أن يقارب البيان الوزاري مجموعة عناوين سياسية تطرقت اليها البيانات الوزارية السابقة ولا سيما اللامركزية الادارية التي نص عليها اتفاق الطائف.   

السابق
اللواء: سليمان: ولادتها لبنانية من دون تدخّلات خارجية ميقاتي: مبادرة برّي لتأكيد الوحدة بين السنّة والشيعة
التالي
اوروبا: المخاض السوري طويل