ليس في الميدان إلا… جعجع

تدرك القوات أنّ أساليبها في مرحلة اعتقال جعجع لا تنفع في الظروف الراهنة (أرشيف ــ هيثم الموسوي)أمام فريق 14 آذار اليوم فرصة سانحة لإعادة إشعال حربه مع سوريا. تحرّكت هذه القوى على هذه الجبهة في اليومين الماضيين من مدخل «حكومة جسر الشغور». لكن قيادات الأقلية النيابية لا تزال تفضّل التريّث في مواجهة الحكومة. القوات اللبنانية وتيار المستقبل مثال على ذلك

=صباح أمس، جلس رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية في مكتبه وفكّر في الأزمة المستجدّة المتمثّلة بتأليف الحكومة. قرأ التقارير الصحافية الموضوعة على طاولته وأبرز مواقف الحلفاء والخصوم واطّلع كعادته على أبرز النقاشات الحاصلة في محيطه. لم يجد أي جديد يضيفه إلى ما يجري تداوله منذ إصدار المراسيم الجمهورية الأخيرة، فقرّر تأجيل «جلسة الدردشة» مع الإعلاميين التي كانت مقررة في معراب أمس.

في هذه المرحلة الحساسة، يحاول جعجع التريّث قبل إطلاق أي موقف متشائم أو متفائل مما ستؤول إليه الأمور، حتى إنّ موقف الكتلة النيابية القواتية تلخّص في اليومين الماضيين عبر كلمات قليلة قالها النائب أنطوان زهرا. وكأن ثمة توجّهاً في معراب إلى عدم السير في موجة ردّ فعل غير مدروس. أو ربما يمكن القول إنه ليس من خريطة معدّة سابقاً للبدء بعملية إطلاق النار على حكومة فريق 8 آذار، وهو الأمر الذي يدفع فريق الأقلية الحالية، ومن ضمنه القوات اللبنانية، إلى تأجيل مشروع «المعارضة الجدية والفعليّة وغير الاعتيادية» لحين صدور البيان الوزاري للحكومة الجديدة.

وجوه قواتية وأخرى مستقبلية تؤكد أنّ التريّث هو للسماح بالمزيد من التشاور ولـ«جمع المعلومات الإضافية والقراءات المختلفة حول المرحلة المقبلة». أو بالأحرى يجوز القول إنّ التريّث هو للقيام بالتشاور اللازم وليس «المزيد منه»، لكون التواصل المباشر مقطوعاً بين جعجع والرئيس السابق سعد الحريري منذ أسابيع. وبالطبع لا يكف رئيس القوات عن الاستماع إلى بعض ما يقوله نواب الرئيس السابق للحكومة ومستشاروه، لكنه بحاجة إلى جلسة ثنائية طويلة يعقدها في «وادي أبو جميل» لمعرفة المعلومات اللازمة عن قرب، مع العلم أنّ جعجع ومن حوله لم يخفوا، الأسبوع الماضي، امتعاضهم من غياب الحريري المستمر عن البلد، ما رأوا أنه يساهم في إضعاف حلقة 14 آذار وتجميد حركتها.

وهذا الجمود يبدو واضحاً على أداء الأقلية، إذ إنه حتى اليوم ليس من شكل واضح للمعارضة التي يتحدث عنها هذا المحور. والقوات اللبنانية التي تمتلك الخبرة الأكبر في خندق «التصدّي للسلطة» لا تزال عاجزة عن تقديم أي مشروع واضح لتنظيم هذا الأمر. مع العلم أنّ معراب تدرك تماماً أنّ الأساليب التي كان يعتمدها القواتيون في مرحلة اعتقال جعجع، لا تنفع في الظروف الراهنة. ومن هذا المنطلق، تحاول هذه القوى إعادة إنعاش شعارات 2005 وأولها «حرية وسيادة واستقلال»، عبر الطرق بنحو ممنهج على كون حكومة 13 حزيران 2011 هي حكومة «سورية بعثية، وأتت نتيجة إسقاطات وضغوط خارجية، وأهدافها حماية العاصمة السورية قبل أي شيء آخر».

في عملية نبش هذه الشعارات، قد يتفوّق القواتيون على غيرهم من حلفائهم، إذ إنّ استعادة مشهد ساحة الشهداء أسهل عليهم بكثير. رئيس الحزب لم يجلس مع الأمين العام لحزب الله ولم يزر سوريا لمصافحة رئيسها ومطالبته ببعض الخدمات السياسية. كذلك فإن جعجع لم يأخذ الأوامر من سفارات عربية وأجنبية بتجميد الجبهة مع سوريا. حتى إنّ جمهور القوات اللبنانية ومناصريها لم يتعرّضوا لما تعرّض له جمهور تيار المستقبل (أحداث أيار 2008 وتجربة المحاكاة الأمنية 2010)، وبالتالي لا يزال يحافظ على ثقته بنفسه في قدرته على الحراك في مناطقه والتعبير عن رأيه من دون أي خوف.

العودة إلى شعارات 2005 وبالتالي إعادة فتح الجبهة مع سوريا، هي من أهم المواقع التي يمكن أن يستفيد منها فريق الأقلية، وأولها القوات اللبنانية، خصوصاً في ظلّ الأزمة التي يعيشها النظام في دمشق. ومثّلت المواقف الأولية من الحكومة العتيدة مدخلاً لإعادة فتح هذه الجبهة، عبر اعتماد نواب الأقلية سياسة الطرق الممنهج على كونها الحكومة «السورية»، أو كما قال النائب نهاد المشنوق «حكومة جسر الشغور».

الحرب مع سوريا بدأت. فنواب كتلة المستقبل يؤكدون من جهتهم أن ليس ما يبرر تأليف حكومة من هذا النوع سوى القرار السوري بالمواجهة العسكرية في الداخل والسياسية في لبنان. ويلفت أحد نواب الكتلة إلى أن «هذا القرار السوري شبيه إلى حد بعيد بقرار التمديد للرئيس إميل لحود عام 2004، مع ما أنتجه من دمار على لبنان وسوريا». يضيف: «كان بإمكان نجيب ميقاتي أن يؤلف حكومته بعد أسبوع على تكليفه، ولم يكن ليلقى أي خسارة تُذكَر. لكن تأخير الحكومة إلى اليوم أثبت أن ميقاتي لم يكن يملك قراره، إذ ألف حكومته بناءً على كلمة سر سورية».

واللافت أنّ أول ما لجأ إليه لسان حال القوات اللبنانية في اليومين الماضيين، النائب زهرا، عنوان «حكومة مواجهة الشرعية الإقليمية والدولية». ويعني كلام زهرا مواجهة عرب الاعتدال أو تركيا. أما دولياً، فيظهر أنّ قوى 14 آذار ليس بمقدورها سوى التضرّع إلى الغرب من جديد لإنقاذها من أزمتها الجديدة. وليس جديداً القول إنّ تريّث الأقلية هو في انتظار الرسائل والإشارات اللازمة من واشنطن وباريس، مع العلم أنه نهاية الأسبوع الماضي تحدثت مجالس مستقبلية عن «حركة أميركية جديدة في لبنان خلال أيام» وَضعها الأقلويون في خانة المستجدات في سوريا ومستقبل النظام فيها. الضيوف الأميركيون المنتظر وصولهم إلى عوكر، بحسب أجواء 14 آذار، سيجّددون التركيز على أهمية تناول الانتفاضة السورية، وذلك وفق النظرية التي تعتمدها شخصيات ثورة الأرز منذ فترة، والقائلة بأنّ «سقوط (الرئيس بشار) الأسد يُسقط حزب الله وكل مشروعه»، والحكومة العتيدة وباقي التفاصيل اللبنانية ستسقط بسقوطه.

وقبل السؤال عن موقف الحكومة من المحكمة الدولية والقرار 1701، تطرح مجالس الأقلية استفسارات حول موقفها من القرار الدولي الذي يُعدّ في مجلس الأمن للضغط على سوريا، وكيف سيتعاطى «مجلس حزب الله» مع هذا القرار؟ ويشيرون إلى أنّ هذا الملف سيكون «أولى زلّات رجل حكومة 8 آذار تجاه المجتمع الدولي»، ومنها سينطلق الضغط الدولي على الحكومة.

وبالعودة إلى واقع قوى الأقلية، تجدر الإشارة إلى أنّ هواجس القوات اللبنانية وتيار المستقبل وغيرها من مكونات المعارضة الحالية يجب ألّا تتمحور حصراً حول كيفية استرجاع الحكم، بل حول إمكانية استمرارها في أجهزة الدولة وإدارتها الرسمية، إذ إنّ النقاش الجدي الذي لم يطلقه المعارضون بعد هو إمكانية خسارة الدولة لا السلطة وحسب! هذا العنوان بدأ يثير مجموعة من نواب 14 آذار، وأولهم نواب المستقبل الذين يشيرون إلى أنّ الشروط التي حصّلها رئيس تكتل التغيير والإصلاح، العماد ميشال عون، في الحكومة «مكنته من وضع يده على مفاصل الإدارة اللبنانية، من خلال وزرائه، في العدل والاتصالات والطاقة والعمل والسياحة والدفاع و… الداخلية». هذه الحقائب وما تحمله من ملفات تدفع المستقبليين ومن خلفهم فريق الأقلية إلى التعبير عن قلقهم من «نيّة عون في محاسبة المرحلة السابقة كاملةً، من عام 1992 حتى اليوم». لكن ماذا سيفعل الرئيس سعد الحريري لمواجهة ما يُعدّ له؟ يجيب مسؤول في تيار المستقبل: «لا نتوقع منه شيئاً. أداؤه لن يتغيّر».

والخلاصة: بات كل حمل 14 آذار على عاتق سمير جعجع.

الرأي العام؟

يوم وعدت قوى 14 آذار اللبنانيين بأن معارضتها ستكون غير اعتيادية وغير نمطية، ظنّ كثيرون أن الحياة السياسية في لبنان تتّجه إلى حركة تطوّر وتقدّم. لكن هذا الوعد الذي أطلقته هذه القوى مطلع آذار الجاري، لم يتحقق منه شيء حتى الآن، فيما أبزر الأفكار التي تجري مناقشتها في هذا الإطار، تأليف حكومة ظلّ لمراقبة وملاحقة عمل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي.

لكن ما لم تدركه القوى الأقلية بعد، أنّ هذا النوع من المعارضات المستنسخ من الخارج، له شرعيّته وحيثيّته وآلية عمله في الدول التي يطبّق فيها، فيما تطبيقه في لبنان قد يكون له وقع آخر. فآخر تجربة لحكومة ظل فشلت فشلاً ذريعاً، وهي التي أطلق فكرتها النائب الشهيد جبران تويني عام 2005. بعد التجارب المستمرة منذ ثورة الأرز، لم يدرك كوادر 14 آذار والمسؤولين فيها أنّ الاقتراحات لا تأثير لها في لبنان، لكون «الرأي العام» الذين يعتمدون عليه غير موجود.

السابق
السفير: دمشق: مسـيرة حاشـدة اليوم ترفع أكبـر علم سـوري أردوغان يطالب الأسد بجدول زمني سريع للإصلاحات
التالي
الجمهورية: المستقبل تختار المعارضة السلميّة.. حكومة المواجهة والكَيد السياسي