حكومة مأزومة بمكسبها !

الكاسب مأزوم والخاسر مأزوم مع هذه الحكومة الجديدة ولا حقيقة اخرى دون ذلك مهما قيل. الكاسب يأتي محمولا بويل ما ينتظره، والخاسر تراه لا يصدق ما يرى من وقائع معاكسة لمجرى المنطق. لكأن حكومة الاكثرية تسللت الى سدة السلطة بخديعة هي تدرك ان العالم يكمن لها على الكوع مترصدا اي حركة وموقف وإجراء ليأخذها بجريرة هذه "الفعلة الانقلابية". ولكأن خصومها يعيشون عنف القدر المتحكم بلبنان بميزان قوى مختل يأبى الا ان يعمل آخر خلجاته في تحكيم خصومهم.

في الواقع النظري ظن جمهور 14 اذار انه من رابع المستحيلات ان يتمكن حلفاء سوريا في لبنان من تشكيل حكومتهم فيما حليفهم الاقليمي الاكبر "يعاني" تبعة القمع الدامي الجاري في سوريا. لكن هذا المستحيل حصل.

وفي الواقع العملي يظن جمهور 8 اذار ان النجاح في اخر الخطوات المتممة للانقلاب على فريق 14 اذار ستمر ببراعة المناورة والقدرة المستمرة للنفوذ السوري. لكن هذا النجاح الموقت محفوف بآلاف المزالق القابعة على الطريق.

حتى مع الغضب المكبوت لدى جمهور 14 اذار، ثمة ما يمتلكه من "رهان" على ان مجازفة الخصوم كانت خطأ فادحا اذ ان النجاح في تأليف حكومة لن يوقف مد الثمن المزدوج لتحكيم اللون الواحد، ولو بلونين متفاوتين بين واحد فاقع وآخر معتدل، ولتلقي الانعكاسات عن كل ما يلم بالحليف السوري.

وحتى مع الزهو الطافح لدى جمهور 8 اذار ثمة ما سيدعوه الى التوقف دوما للالتفات الى الوراء والامام وتحسس كل شاردة ووواردة تأتي لها هذه الحكومة المرصودة.

قد يقال ان في لبنان وحده يحصل هذا، وقد قيل قبل ذلك ان لبنان ليس جزيرة معزولة عن محيطه الملتهب. لكن ان يحصل الامر بهذا الالتواء المنطقي فهنا ذروة المفارقات والغرائب. جرى تبرير الولادة المتأخرة بانعكاسات الدومينو العربي وآخر حلقاته السورية خصوصا. ثم جرى تبرير الولادة الصاعقة بالحسم السوري. وما بينهما لا لبننة ولا من يلبننون سوى مسرح الدمى المسمى عقدا داخلية.

قد تكون هذه الخلاصات شديدة القسوة على الذات اللبنانية وربما جاحدة لانها تنكر اثر الحساسيات اللبنانية والطموحات الفائقة القوة الى نصب مشهد متغير فعلا بحصص واحجام بدت ماثلة في تركيبة الحكومة. ولكنها خلاصات واقعية في اقتناعات الناس الذين يتندرون بسخرية قاهرة ومريرة حول تفلت فرصة ذهبية لخطف لبنان من كل ماضيه القريب.

ومع ان السياسة ليست صنيعة الانفعالات وحدها، فان اهمال المشاعر غالبا ما يؤدي الى سقطات وحرائق قاتلة، وهذا الذي يجري في العالم العربي اكبر من ان يدحض بغير هذا الدليل. ولنقل ان ليس امام حكومة مأزومة بمكسبها سوى خيار واحد هو التزام تعهدات رئيسها نفسه بالحكم على افعالها.

السابق
اعتكاف مدير مستشفى بنت جبيل الحكومي
التالي
السفير: القصة الكاملة لمفاوضات الساعات الحاسمة في قصر بعبدا