حاصبيا والعرقوب: تراجع الحركة التجارية بنسبة 70 في المئة

وصل الجمود الاقتصادي إلى أدنى مستوياته في حاصبيا والعرقوب، مذكراً بأحلك الظروف الأمنية التي عاشها أهالي المنطقة جراء الاعتداءات الإسرائيلية. ذلك هو الشعور السائد عند المواطن الحاصباني، الذي تنكد عيشه حالة اقتصادية خانقة غير مسبوقة، باتت تهدد لقمة طعامه في ظل كساد مواسمه الزراعية وخاصة زيت الزيتون، الذي لا يزال مكدسا في الخوابي، مع ارتفاع حجم البطالة والفقر التي وصلت إلى حدّ تعثر الكثير من المؤسسات التجارية والصناعية، المهددة نسبة كبيرة منها بالإقفال وصرف عمالها، ما يفاقم من تردي الوضع، الذي يزيد من تعقيده غياب تام للمعالجات الجدية أقله في المدى المنظور.
من البديهي أن تتشابه معاناة حاصبيا والعرقوب بمعاناة سائر المناطق اللبنانية، لجهة الركود الاقتصادي وتراجع الإنتاج، مع تصاعد الأزمة السياسية الحادة، وحجم التضخم وقلة السيولة، وارتفاع أسعار المحروقات، وندرة الرقابة على الأسعار، التي تتفلت من عقالها من دون حسيب أو رقيب. ومما يزيد الطين بلة، الخوف من التصعيد جنوباً، في أعقاب التهديدات الإسرائيلية المتلازمة عادة مع كل موسم صيف، والتي باتت ترخي بظلالها على المنطقة وأهلها، الذين يتخوفون من انعكاسات وارتدادات سلبية لأي اعتداءات صهيونية يمكن ان تحصل، والتي ستخسر المنطقة روادها الذين يقصدون متنزهاتها ومعالمها السياحية صيفا، من معظم المناطق اللبنانية والكثير من البلدان العربية والأجنبية. كل ذلك يذهب بالمؤشرات التجارية والاقتصادية في حاصبيا إلى انحدار مخيف، يمكن أن يبلغ حدود انعدام الحركة.
وتشير إحصاءات قامت بها مؤسسات خاصة تعنى بالوضع الحياتي، أن الحالة الاقتصادية في المنطقة تراجعت بنسب كبيرة عن السنوات الماضية، فاقت 55 بالمئة، في حين يشير العديد من أصحاب المحال التجارية والصناعية، إلى أن التراجع بلغ 70 بالمئة، بالرغم من التنزيلات والإغراءات التي تقدم للزبائن، مؤكدين على أن مثل ذلك الوضع «لم تشهده أسواق المنطقة منذ أمد طويل، وبات الخوف في محله أن يرتفع عدد المؤسسات التجارية التي تقفل أبوابها، علماً أن 17 محلا تجارياً أقفلت بشكل نهائي خلال الأشهر الأربعة الماضية، لأسباب عدة منها ارتفاع أسعار إيجارات المحلات، التي وصلت إلى حدود الخيال»، كما يقول ابو سامر، وهو صاحب محل أدوات منزلية. ويضيف «المطلوب حركة تجارية ناشطة علناً، نتمكن من تسديد المستحقات الضاغطة، ومنها الرسوم والضرائب وفواتير الكهرباء والاشتراك الهاتفي وما إلى ذلك».
ويقول مازن، صاحب محل ألبسة، «نعيش اليوم واقعا مأساوياً لم نشهد مثيلا له من قبل، حيث إن نسبة التراجع في حركة البيع والشراء تخطت 70 بالمئة، والأسواق تشهد على ذلك»، محذراً من أنه «إذا استمر الوضع على ما هو عليه فإن العديد من أصحاب المحلات سيقفلون أبوابها، لكونهم سيعجزون عن تسديد الديون المترتبة لتجار الجملة والمصارف». ويشير أبو عمر، صاحب محل لبيع الأحذية، إلى أن السنة الحالية «هي الأسوأ منذ بدأت تجارة بيع الأحذية في المنطقة، أي منذ اكثر من 13عاما، إذ إن حركة البيع والشراء معدومة بالكامل نتيجة الفراغ السياسي الحاصل والتصعيد الكلامي واللهجة العدائية من قبل مسؤولينا، والتي نسمعها يوميا عبر الإعلام، والتي تنعكس على الأوضاع الأمنية والاقتصادية والمعيشية». ويقول: «اليوم نجاهد لكي نستمر ولو بخسارة». ويرى نديم، صاحب مطعم وجبات سريعة، «ندخل كل يوم في مراهنة مع الذات، فهل سنتمكن من بيع كلغ كفتة أي حوالى 15 سندويش، وعدد مماثل من سندويشات الفلافل». ويضيف: «كن على ثقة في المساء نضطر إلى رمي كمية كبيرة من اللحوم إلى الهررة، أو في الزبالة كي لا تفسد».
وتقول المواطنة فريدة، ربّة عائلة مؤلفة من 7 أطفال: «أمام الوضع المأساوي، نتجه إلى الأسواق الشعبية، أو إلى محال العتيق، في محاولة للتوفير على الجيب، لكن مهماً تحايلنا فالغلاء مستشر ولا يرحم، وسياستي في الفترة الحالية التوفير في ملابس الأطفال لصالح تأمين لقمة العيش». ودعت فريدة إلى «تضافر كل الجهود لإنقاذ الحركة الاقتصادية في البلد قبل فوات الأوان».
أما أبو ذياب، فيمكن أن يكون نموذجاً مميزاً لمأساة التاجر اللبناني، فقد ابتكر حلاً يوفر عليه بعض المصاريف في تجارته، فبدل استئجار محل، حول سيارته العتيقة إلى دكان متجول، حشر بداخلها وفي صندوقها وفوق السطح والجوانب، كميات كبيرة من المواد الغذائية والتموينية وألعاب الأطفال، يطوف فيها في الشوارع ويقصد القرى المجاورة والأسواق الشعبية، «أنا مرتاح مع حال كهذه»، كما يقول أبو ذياب، «لي زبائني في كافة قرى المنطقة، وبتّ مشهوراً من خلال التميز في عملي، همّي أولاً تأمين مصروف المنزل وذلك يكفيني، ونأمل انخفاض سعر البنزين لنوفر القليل، وحتى لا نضــطر إلى رفع الأسعار على الزبائن الذين هم في حال يرثى لها حقا».

السابق
في زمن النفط والدم: الملوك يريدون تغيير الجمهوريات!
التالي
حملات تشجير مجانية.. وأصحاب المشاتل يسألون عن إنتاجهم