الانباء: كيف وُلدت الحكومة اللبنانية؟ وما هي تفاصيل الربع ساعة الأخير؟

ماذا حصل في لبنان؟ ولماذا ولدت الحكومة بهذه الطريقة؟ كيف يمكن ان يجزم البعض في قوى الأكثرية مساء الأحد وعبر الشاشات انه لا حكومة قريبا ومن ثم يستفيق اللبنانيون على أخبار عاجلة من قصر بعبدا توحي بقرب تشكيلها؟
قصة الولادة القيصرية بدأت مع زيارة جنبلاط الى دمشق ولقائه مع الرئيس بشار الأسد، وبعدها لقاء أقطاب 8 آذار في مكتب الرئيس بري، وبعد ذلك زيارة طه ميقاتي الى دمشق نهاية الأسبوع الماضي، حيث التقى الرئيس بشار الأسد الذي شدد على ضرورة استعجال تأليف الحكومة، قائلا لميقاتي انه حريص على تأليفها وهو يرى في ذلك مصلحة سورية. وشجع الأسد على تخطي كل العقبات في أسرع ما يمكن، معتبرا ان المماطلة في التأليف تستهدف سورية مباشرة.

يوم الاثنين (أمس الأول) طلب الرئيس ميقاتي موعدا عاجلا من الرئيس سليمان الذي دعا الرئيس بري الى قصر بعبدا. كان في جيب ميقاتي حكومة من 24 وزيرا من دون وزراء دولة ومن دون فيصل كرامي. هذه التشكيلة لم تعجب بري حيث اعتبرها مخالفة لما اتفق عليه، وغادر متجهما لتبدأ دورة اتصالات كثيفة.

ولم يطل الأمر كثيرا، إذ عندما سأل سليمان وميقاتي، بري، عن كيفية حل قضية توزير فيصل كرامي، وخصوصا أن بيروت لن تمثل سوى بوزير واحد، رد رئيس المجلس: «خذوا من حصتي، ولن أشترط عليكما أي حقيبة. اختارا منها ما تشاءانه». بدت الصدمة على رئيس الجمهورية والرئيس المكلف اللذين لم يفهما بداية على بري، فسارع إلى توضيح موقفه بالأرقام: «أنا مستعد لأن تكون حصة الشيعة من خمسة وزراء في حكومة ثلاثينية، في مقابل 7 وزراء من السنّة. كل ما أريده هو أن تبصر الحكومة النور، وأن يكون فيصل كرامي فيها». وطبعا وافق سليمان وميقاتي على طرح بري الذي خرج من القصر الجمهوري بعد ساعة من وصوله إليه، رافضا الإدلاء بأي تصريح.

ويقول مرجع دستوري بارز: «ما سمعناه عن تنازل ممثلي الطائفة الشيعية عن وزير لمصلحة الطائفة السنية يثير التساؤل حول طبيعة هذا الحق وما اذا كان حقا شخصيا وتاليا يجوز التنازل عنه».

ويضيف: «هذا الحق ليس شخصيا لأن العرف هو الذي أرسى هذا الحق لأصحابه حتى ولو لم يكونوا راضين به، وتاليا فإن التنازل الذي حصل لا يلغي العرف الدستوري لأن الأخير أضحى يتمتع بالمشروعية، ولا يمكن أحدا ان ينزع المشروعية عن هذا العرف حتى في ظل تنازله عنه، اضافة الى ان هذا التنازل يتعارض مع التوافق الوطني».

ولكن في حسابات الربح والخسارة، ظهر حزب الله الأقل تمثيلا من الناحية الوزارية، كمّا ونوعا، الا انه الرابح الأكبر في هذه الحكومة الواقعة تحت تأثيره والمتحكم بقرارها السياسي.

أما العماد ميشال عون فهو الرابح الأول في الحكومة بعدما احتكر، أو كاد، كل التمثيل المسيحي. وإذا كان ميقاتي ورث الحريري في الحكومة، فإن عون ورث مسيحيي 14 آذار ووزاراتهم (باستثناء الشؤون الاجتماعية). وحصد تكتل الاصلاح والتغيير وزارات سيادية (الدفاع ونصف الداخلية والعدل والاتصالات) ووزارات أساسية (الطاقة والعمل والسياحة والصناعة والثقافة)، وبات يقف الآن في ذروة وضعه السياسي ولكن مع مسؤولية أكبر لأنه سيتحمل «وزر المواجهة» في حكومة هي «حكومة مواجهة»، وكون عون أكبر الرابحين في الحكومة، سيجعله أكبر الخاسرين اذا فشلت هذه الحكومة أو سقطت.

النائب وليد جنبلاط رابح ايضا على المستوى السياسي ومن دونه لما كان حصل كل ما حصل من تحول سياسي جذري، ولما وصل ميقاتي الى رئاسة الحكومة ولما تشكلت الحكومة، حيث لعب جنبلاط دورا ضاغطا ومساندا لميقاتي عندما لوح بأنه سيكون في حل من التزاماته ومن الأكثرية الجديدة، وعندما حمل حزب الله مسؤولية التأخير.

الرئيس ميشال سليمان مارس في هذه الجولة سياسة «الحد من الخسائر»، فإذا كانت حصته أقل هذه المرة (من 3 الى 5 وزراء) فإنها حصة صافية له ليس فيها لا ودائع ولا أسهم لغيره، ولكن رئيس الجمهورية حصل على حصة حكومية ضعيفة مقارنة بالدور الذي قام به. فهو أعطى التغطية والشرعية للحكومة ولم يأخذ ما يوازي ذلك.

أما الخاسر الأول والمباشر فهو الرئيس سعد الحريري لأن هذه الحكومة تضعه مع تياره وحلفائه للمرة الأولى خارج الحكم منذ العام 2005، أمس حصل الانقلاب السياسي فعلا واكتملت صورته ومقوماته بعدما كانت بدايته وبوادره في تكليف ميقاتي، بعد التأليف بدأت المواجهة الفعلية، في حين ان الحريري صرف الكثير من ذخيرته السياسية بعد التكليف.

ولكن من السابق لأوانه تقدير حجم هذه الخسارة ومداها، وما اذا كانت خسارة مؤقتة، فيكون خروج الحريري من الحكم خروجا مؤقتا شبيها بخروج والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري عام 1998 وعودته مظفرا الى السرايا عام 2000. أم ستكون خسارة عميقة ومتمادية تؤشر الى أفول العصر الذهبي لـ «الحريرية السياسية»، وبداية عصر «الميقاتية السياسية» بالتزامن والتلازم مع انتقال الثقل السني في الحكم واللعبة السياسية من بيروت الى طرابلس.

التوزيع السياسي والطائفي والمناطقي لحكومة ميقاتي

بعد أربعة أشهر ونصف شكل الرئيس نجيب ميقاتي حكومة العهد الثالثة (بعد حكومتي السنيورة والحريري)، وحكومة ميقاتي الثانية (بعد حكومة 2005) وهذه خريطة التوزيع الطائفي والسياسي للحكومة.
1ـ التوزيع الطائفي للحكومة: سنة (7): نجيب ميقاتي، محمد الصفدي، أحمد كرامي، فيصل كرامي، حسان دياب، علاء ترو، وليد الداعوق.

موارنة (6): جبران باسيل، فادي عبود، ناظم الخوري، مروان شربل، شكيب قرطباوي، سليم كرم.

شيعة (5): علي حسن خليل، محمد فنيش، حسين الحاج حسن، علي قانصوه، عدنان منصور.

أرثوذكس (4): سمير مقبل، فايز غصن، نقولا نحاس، غابي ليون.

دروز (3): غازي العريضي، وائل أبو فاعور، طلال ارسلان.

كاثوليك (3): شربل نحاس، نقولا فتوش، نقولا صحناوي.

أرمن (2): فريج صابونجيان، بانوس مناجيان.

2- التوزيع السياسي للحكومة (حسب العدد): تكتل الاصلاح والتغيير

(10): الدفاع (غصن)، العدل (قرطباوي)، الطاقة (باسيل)، الاتصالات (صحناوي)، العمل (ش.نحاس)، السياحة (عبود)، الثقافة (ليون) الصناعة (صابونجيان)، دولة عدد 2 (كرم ومناجيان).

ميقاتي (6): رئاسة الحكومة + المال (الصفدي)، التربية (دياب)، الاعلام (الداعوق)، الاقتصاد (ن.نحاس)، دولة (أحمد كرامي).

سليمان (3): الداخلية (شربل)، البيئة (الخوري)، نيابة الرئاسة دولة (مقبل).

جنبلاط (3): الأشغال (العريضي)، شؤون اجتماعية (ابو فاعور)، مهجرون (ترو).

بري (2): الصحة (خليل)، الخارجية (منصور).

حزب الله (2): التنمية الادارية (فنيش)، الزراعة (الحاج حسن).

القومي (1): دولة (قانصوه).

المعارضة السنية (1): شباب ورياضة (ف.كرامي).

الديموقراطي اللبناني (1): دولة (ارسلان).

مستقل (1): دولة (فتوش).

3ـ في التوزيع المناطقي: الحكومة شمالية الطابع والهوى و«حصة الاسد» جاءت لطرابلس مع خمس وزراء (ميقاتي ـ كرامي ـ كرامي ـ نحاس)، يضاف اليهم من الشمال: باسيل (البترون) وغصن (الكورة) وكرم (زغرتا).

وتم إنقاذ التمثيل السني لبيروت (وزيران)… في حين جاء تمثيل البقاع ضعيفا فلم يمثل البقاع الغربي سنيا، ولم تمثل زحلة كاثوليكيا بحقيبة وزارية… كما ان صيدا لم تمثل بأي وزير.

السابق
الحياة: انهماك واشنطن بالثورات ورغبتها في التأثير يقللان فرص المواجهة مع حكومة ميقاتي
التالي
الانباء: 14 آذار عن حكومة ميقاتي: حكومة جسر الشغور والحزب الواحد