1670 مخالفة بناء و230 آلية محجوزة وتوقيف 182 شخصاً

مع تباطؤ حدّة موجة التعدي على الأملاك العامة في الجنوب اللبناني، وتقلص أعمال البناء فوق المشاعات، وصل عدد المخالفات في الزهراني، وصور، والنبطية، حتى التاسع من أيار الماضي إلى 1670 مخالفة، تتراوح من غرفة إلى بناء من طابقين، في حين بلغ عدد الآليات المحجوزة 230 آلية، وعدد الموقوفين 182 موقوفاً. وما تزال الأسباب الحقيقية والواقعية قيد التساؤلات. فما الذي أدى إلى تلك الفوضى، التي تسببت بتشويه نحو 40 في المئة من الأراضي، فانتصبت عليها أبنية تفتقد إلى أبسط قواعد التنظيم المدني، والبنى التحتية. ولا تراعي أي قواعد شرعية ومسكنية يجب توفرها في أي بيت. المواطن الجنوبي، ومنذ إقامته في تلك المنطقة من لبنان، منذ مئات السنين، كان شديد التعلق بالأرض، فقاوم المستعمر والمحتل على مدى عقود.

ولم يتزحزح عن إعلان ولائه للدولة وللسلطة اللبنانية الشرعية. وبقي وفياً للقوانين المرعية. وخلال سنوات الحرب الأهلية في العام 1975، حين انتفى وجود الدولة، وفي ظل غياب كلي للشرعية المركزية لم تحصل تلك التعديات، بل حتى أثناء احتلال المنطقة من قبل العدو الإسرائيلي واختفاء معالم سلطة ومؤسسات الدولة بقيت تلك المشاعات مصانة كرئة يتنفس منها أبناء القرى. ولكن ما الذي تغير في عقل الجنوبي في العام 2011، حتى تحصل استباحة الأملاك العامة والمشاعات؟ وتصبح طائفة بكاملها متهمة بأنها خارجة على القانون، وبشكل فوضوي، شبهه البعض بحالة من التمرد، والإصرار على التمادي في تحدي السلطة ورموزها الشرعية، المادية والمعنوية، السياسية والأمنية، وكل مقوماتها، وتحديدا قوى الامن الداخلي، بحيث أظهرت تلك التعديات الجنوب كيانا مستقلاً قائماً بذاته، لا تنفع معه ولا تسري عليه كل قوانين السلطة المركزية. في الجنوب، بالرغم من اعتراض الكثيرين على ذلك الوضع, هناك من يؤكد على أن ما حصل يعود في جانب منه لاعتبارات سياسية، لا يمكن تجاهلها.

فقسم لا يستهان به من أهالي الجنوب، باتوا يشعرون بأنهم هدف دائم، متروكون لمواجهة أقدارهم منفردين. أو أن هناك مؤامرة على وجودهم كشريحة مجتمعية كبيرة وثابتة، ساهمت في بناء لبنان، وهي من صلب مكوناته الميثاقية. وبعد خمس سنوات من الممارسة السياسية الكيدية تلت حرب تموز من العام 2006، وما حفلت به وقائع "وكيليكس" من "اعترفات" للسياسيين اللبنانيين، طال بعضها الجنوبي في حياته وومتلكاته، وأرضه، ووجوده في قراه… كلها عوامل جعلته في مكان ما يتمرد، ويردّ على ما طاله من السياسيين، ليرفض الانصياع لأوامر السلطة المركزية، لدرجة أن قيادة قوى الأمن الداخلي الإقليمية في الجنوب لم تتمكن من تأمين جرافة واحدة لهدم بعض المخالفات. وحتى إن أمنت الجرافة، صعب عليها تأمين سائق لها في الجنوب ومن الجنوب؟. في المقابل، هناك من يؤكد على أن الفشل في ردع المخالفين والمعتدين على الأملاك العامة، لا يعود فقط لما تقدم من أسباب سياسية، ولا لضعف المرجعيات السياسية في ضبط قواعدها، ولا لوهن في سلطة الدولة وأجهزتها، بل يعود أولا لما حصل في "تجمع يارين" في البيسارية (الزهراني)، إضافة إلى المناخ المذهبي المتفشي، والخشية من تماديه مصحوباً بالضائقة الاقتصادية، لدى تلك الشريحة من المواطنين، وتآكل القيمة الشرائية، وعدم قدرة الشباب على تأمين المسكن في ظل تفلت أسعار العقارات، وارتفاع أسعار الشقق، وغياب أي رقابة، وعدم وجود تخطيط مستقبلي من قبل الدولة يلحظ بناء شقق لأصحاب الدخل المحدود. ومنح الفراغ الحكومي، أو الفراغ السياسي في السلطة التنفيذية، الناس الحافز على تلك التعدي، ناهيك عن كون الخلفية الذهنية السائدة لدى المواطنين تنطلق من أن المخالفات ستتم تسويتها وشرعنتها قانونا، وفقا لما حصل قبل 12 عاما في بيروت وباقي المناطق اللبنانية. وصولاً إلى ما تردد من كلام على ألسنة المخالفين عن ضرورة هدم أو محاسبة "سوليدير"، و "حيتان" مشاريع الأملاك البحرية القائمة على الأملاك العامة، قبل هدم البيوت السكنية التي شيدوها!.

وتؤكد مصادر متابعة أن "التعديات على الأملاك العامة تمت في مناطق يوجد فيها تعدد مذهبي، من الزهراني إلى صور. ولم تحصل في النبطية أو مرجعيون، حيث لا تنوع مذهبياً (سني – شيعي)"، معتبرة أن "ما حصل مخطط مدروس". وفي واقعة تحمل دلالات سياسية، وخلال إحدى جلسات "لجنة الأشغال العامة النيابية"، التي خصصت لمناقشة مسألة التعدي على الأملاك العامة، حضرها وزير الداخلية في حكومة تصريف العمال زياد بارود (قبل أن يستقيل)، والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، الذي أثار الموضوع من زاوية ظهر خلالها وكأنه يستهدف فريقاً سياسياً معيناً، بتغطية المخالفات وفي الوقت نفسه كانه ينطق باسم فريق سياسي محدد. واستدعى ذلك النائب نواف الموسوي للرد موجها كلامه إلى اللواء ريفي بتحميله مسؤولية بدايات بدء مشوار المخالفات والبناء في المشاعات انطلاقا من تغطيته مخالفات مجمع يارين في بلدة البيسارية في الزهراني، بإيعاز مباشر منه، قائلاً: "أنت تحمل وجهة نظر فريق سياسي، وتتحدث باسمه، ولا تتحدث كمدير عام لقوى الأمن الداخلي". وقد أثنى الموسوي على التدابير التي اتخذها قائد منطقة الجنوب الإقليمية في قوى الأمن الداخلي حيال موضوع التعديات، والطريقة التي أدار بها معالجة الأزمة. وفي الوقائع، التي تؤكدها مصادر وثيقة أن فعاليات وأهالي "مجمع يارين" في البيسارية، وقبل 13 آذار الماضي، عقدوا لقاء مع النائبة بهية الحريري في دارتها في مجدليون. وقدموا شرحاً يتعلق بوضعهم لجهة ضرورة قيامهم بأعمال البناء في المجمع.

وتوجوا اجتماعهم بعقد لقاء "استثنائي" مع المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي في مكتبه في مقر المديرية العامة بتاريخ 16 آذار. وهناك من يؤرخ للواقعة بأنه، بعد ذلك الاجتماع، بدأت موجة البناء في البيسارية بشكل كثيف، وبزخم مرتفع ودفعة واحدة، في أكثر من ورشة وبيت. وترافق ذلك مع قطع الطرق وإحراق الإطارات على الطريق الرئيسية المؤدية إلى البيسارية في محاولة لصدّ ومنع القوى الأمنية من القيام بواجبها. مع العلم أن أهالي البيسارية يؤكدون على أنهم لم يكونوا هم البادئين بحملة البناء والتعدي على الأملاك العامة. وأنها كانت قد بدأت في أكثر من قرية في الجنوب، مشيرين إلى أن غالبية أهالي مجمع يارين في البيسارية عملوا على تسوية أوضاعهم القانونية لجهة استحصالهم على صكوك ملكية للعقارات القائمة فوقها بيوتهم. ويقول مصدر سياسي في الجنوب: "إذا كان لقاء النائبة الحريري بوفد فعاليات يارين بصفتها نائبة عن المنطقة طبيعيا ومنطقيا، بغض النظر عما دار فيه. ولكن التساؤلات تدور حول سر ومغزى اجتماع اللواء ريفي بوفد فعاليات يارين". في المقابل، هناك رواية أمنية تروى على أكثر من لسان في الزهراني، مفادها أن الضابط في قوى الأمن، المسؤول عن القوة المكلفة وقف التعديات والمخالفات في يارين، من قبل قيادة منطقة الجنوب الاقليمية، كان خلال وأثناء قيامه بمهمته، يتلقى اتصالا من غرفة عمليات المديرية العامة لقوى الأمن تطلب منه "التروي" خلال تنفيذ المهمة. وكلمة "التروي" تحمل الكثير من الأوجه. وتشير الوقائع التي ترويها المصادر المطلعة في الجنوب إلى أنه خلال الفترة التي تلت بداية المخالفات في مجمع يارين في البيسارية، "جهدت الفعاليات والقوى السياسية والحزبية، والقادة الأمنيون في ضبط واحتواء الموجة، التي فوجئوا بها، ومنعوا بداية محاولة تمددها إلى قرى أخرى، خشية أن تاخذ طابعا مذهبيا قاتلاً يؤدي إلى حساسيات في عدد من قرى الزهراني".

ويؤكد الواقع أن عملية الاحتواء والضبط نجحت بداية ولمدة اسبوع تقريبا، قبل أن تتفشى بشكل محموم، وتنتشر المخالفات في بلدات الزهراني الساحلية المجاورة للبيسارية. وذلك يظهر ويثبت الجهد الاستثنائي الذي قامت به قيادة المرجعية الأمنية المعنية في الجنوب، بقمع مثل تلك المخالفات مع القوى والمسؤولين السياسيين في المنطقة. وأن الفوضى بقيت محصورة، وأظهرت عدم وجود تعبئة مذهبية في الجنوب، وأن استمرار أهالي يارين بمتابعة عملهم، من دون توقف، هو من أوصل لامتداد تلك الظاهرة وشرارتها إلى القرى المجاورة. وعلم أن ذلك الأمر أثارته قيادة منطقة الجنوب الإقليمية في قوى الأمن الداخلي مع الجميع، بمن فيهم القوى السياسية المعنية من أجل وضع النقاط على الحروف. وهكذا امتدت الفوضى التعديات على المشاعات إلى بقية البلدات. ثم بدأت المعالجات للاحتواء، وإبقاء التعديات محصورة ضمن القرى المجاورة للبيسارية، لكن الأمر خرج عن السيطرة، وفشلت كل المحاولات التي قامت بها المرجعيات السياسية من الرئيس نبيه بري إلى قيادة حزب الله في ردع المخالفين. ضمن ذلك المناخ اشتغل في "معمعة" البناء تلك، أصحاب مجابل الباطون، الذين ركبوا الموجة من أوسع أبوابها لعدة أهداف، من بينها التخلص من حال الركود التي كانوا يعانون منها وراحوا يعرضون بيع الباطون الجاهز بالدين وبقروض
ميسرة لآجال طويلة.

في حين ظهر جليا بعض المنتفعين الذين أقدموا على تشييد مشاريع تجارية. وهؤلاء لا يخفون على أحد. وفي الخلاصة، لوحظت نية لهدم بعض المخالفات على شاطئ عدلون، والصرفند في الزهراني. وبالرغم من تعثر تلك المحاولات واختصارها في تلك المنطقة على هدم 55 مخالفة لغاية 26 نيسان الماضي، أكثرها بين الزهراني، وصور، والقليلة، إلا أن هناك خطة لإزالة المخالفات التجارية والمحلات، وعددها 12مخالفة بين الزهراني وعدلون. وقد بلغ عدد المخالفات خلال الفترة الممتدة من 31 آذار، ولغاية 26 نيسان الماضيين في الزهراني 774 مخالفة، وعدد الآليات المحجوزة 51 آلية، وعدد الموقوفين 43 موقوفاً. أما في منطقة صور فـ 284 مخالفة، و9 آليات حجزت، وتم توقيف 3 أشخاص. وفي تفاحتا (النبطية) بلغ عدد المخالفات 60، أوقف أشخاص. وعلى الشواطئ 147 مخالفة بين شاطئ عدلون والصرفند في الزهراني ولا موقوفين. وفي المحصلة يبلغ عدد المخالفات في الجنوب 1265 مخالفة، وقد حجزت 60 آلية، فيما بلغ عدد الموقوفين خمسين شخصا. ثم ما لبث ذلك العدد أن ارتفع حتى 9 أيار الماضي، ليصل إلى 1670 مخالفة، تتراوح من غرفة واحدة إلى بناء من طابقين، في حين بلغ عدد الآليات المحجوزة 230 آلية، وعدد الموقوفين 182 شخصاً.

السابق
انتصار دمشق في … انقرة!
التالي
الشرق الأوسط: الأكثرية الجديدة تكسر الأعراف وتوزر 5 من الشيعة مقابل 7 من السنة