لماذا تشكلت الحكومة … الآن؟

بعد يوم على تشكيل الحكومة حفلت المجالس السياسية في لبنان بالقراءات التحليلية لما استجد وجعل من تشكيل الحكومة امرا مطلوبا بعد ان كان ارجاء التأليف امرا مطلوبا ايضا من نفس الجهات التى دفعت باتجاه تشكيل الحكومة.

فالأشهر الخمس التي مضت منذ تكليف نجيب ميقاتي تشكيل الحكومة الجديدة بعد الاطاحة بحكومة سعد الحريري، لم تشهد الضغط المطلوب من القوى الفاعلة اي سورية وحزب الله باتجاه الاسراع في التأليف.

وقد سبق لوليد جنبلاط ان كشف قبل فترة قصيرة ان حزب الله لا يريد تأليف الحكومة في حين قرأ البعض التأخير في التأليف بانه التقاء مصالح بين اكثر من جهة.

ابرز هذه الجهات هي سورية التى اطاحت مع حزب الله بسعد الحريري بعد ان وصلت المساعي مع السعودية حول المحكمة الدولية الى طريق مسدود، وبعد فشل وساطة قام بها وزيرا خارجية تركيا وقطر في بيروت عندما ابلغا من حزب الله ان سعد الحريري لم يعد مقبولا.

لكن الاطاحة بالحريري سبقت التطورات العربية والانتفاضات في عدد من الدول، كما جاءت قبل انطلاق الحراك داخل سورية نفسها، وهو ما شكل العامل الاساسي في الإرباك الذي ادى الى تعليق التأليف بانتظار الظرف المناسب لسورية ولحزب الله وهما القوتان الفاعلتان الان في الساحة اللبنانية.

وحسب محللين فان التريث من قبل سورية بتأليف الحكومة مرده الى قراءتها لما يمكن ان تكون عليه الحركة داخلها واتجاهاتها وردود الفعل عليها والتى على ضوئها يمكن لسورية ان تحدد شكل الحكومة الانسب لوضعها بعد ان استعادت الامساك بلبنان مع تغيير خريطة القوى لصالحها بانضمام جنبلاط مجددا الى محور سورية وحزب الله.

"حكومة جسر الشغور"
لكن الذي تغيير حسب قراءة القوى المعارضة لسورية هو قرار الحسم العسكري والذي تجلى في جسر الشغور ما دفعها الى الضغط باتجاه التشكيل في لبنان حتى ان نواب في تيار المستقبل وصفوا الحكومة بانها حكومة جسر الشغور.

وحسب اصحاب هذا الرأي فان سورية تريد ان تواكب قرارها بالحسم العسكري باستخدام لبنان ساحة للمواجهة السياسية الى جانب المواجهة العسكرية في الداخل.

فالحكومة اللبنانية الجديدة هي ثاني حكومة بعد ايران توالي سورية في ظرف تتعرض فيه سورية لضغوط على خلفية تعاملها مع التحركات المطالبة بالاصلاح وتغيير النظام.

اما حزب الله الذي اتهمه احد حلفائه الاساسيين اي النائب وليد جنبلاط بانه لا يريد التأليف، فقد كان هو الآخر بحالة من المتابعة لما يجري من حوله ولاسيما في سورية.

وحسب اصحاب هذا الرأي، فإن لحزب الله مصلحة ايضا بعدم وجود حكومة وسط معلومات عن قرب صدور القرار الظني وصعوبة الدفع باتجاه قرار حكومي يرفض التعامل مع المحكمة الدولية بعد ان ابلغ ميقاتي موفدين دوليين انه لن يخطو هكذا خطوة.

وحسب بعض القراءات التحليلية فان حزب الله وتماشيا مع الحاجة السورية بات اقرب الى موقع الراغب في الامساك بالامور من خلال تشكيل حكومة مع توقع ارتفاع الضغط على سورية بعد ان بدا ان التحركات متواصلة مع ما يعنيه ذلك من احتمال ان يكون الحزب احد اوراق الضغط هذه.

اما الطرف الثالث الذي كان اقرب الى التريث في التأليف فهو نجيب ميقاتي نفسه الذي تلقى رسائل دولية وعربية عدة ومباشرة وصلت الى حد دفعه للخوف على مصالحه الاقتصادية ولاسيما ان ميقاتي اتى الى السياسية من باب المال والاعمال ومجمل مؤسساته تعمل خارج لبنان.

وهو بالتالي ونظرا الى حقيقة ان حزب الله اطاح بالحريري على خلفية الموقف من المحكمة الدولية التى يعتبرها الحزب اسرائيلية فضل التريث في تأليف الحكومة ريثما يصدر القرار الظني فيكون عندها خارج الضغوط.

وكان اول شخص زاره بعد اعلان تأليف الحكومة هو ممثل الامين العام للامم المتحدة في لبنان ناقلا اليه رسالة دولية مفادها ان الحكم على الحكومة هو في تمسكها بالتزاماتها الدولية ومن ضمنها المحكمة الدولية.

وبات ميقاتي بالتالي واعتبارا من لحظة الاعلان عن الحكومة تحت ضغط البيان الوزاري وما يمكن ان يتضمنه تجاه هذه النقطة المحورية.

واذا كانت خطوة التأليف قد تمت فان اتجاهات الامور قد تؤدي الى التسريع في وضع البيان الوزاري لأن الحكومة لا يمكن ان تبدأ في العمل الا بعد نيلها الثقة من مجلس النواب على اساس بينها الوزاري.

وحسب اجواء فريق الاكثرية الجديدة فان التوجه هو للاسراع بوضع هذا البيان مع انطلاق البحث بالمخارج للعقد الاساسية، وعلى رأسها المحكمة الدولية والقرارات الدولية ومنها القرار 1701 الذي يقول بنزع سلاح حزب الله قبل اعلان الامم المتحدة وقفا لاطلاق النار بين لبنان اسرائيل.

معلوم ان هذا القرار صدر في خلال حرب 2006 بين اسرائيل وحزب الله وهو ما زال عند نقطة وقف العمليات الحربية.

ومع تأليف الحكومة، ينتقل لبنان الى واقع سياسي جديد هو الاول منذ اغتيال الحريري عام 2005 وتراجع النفوذ السوري في لبنان من خلال تكون مجالس نيابية فيها اكثرية معارضة لسورية.

فللمرة الاولى منذ ذلك التاريخ ينتقل مجلسي النواب والوزراء، مع تحول فرقاء في الاكثرية السابقة الى المعارضة التى بات اكثرية، الى دائرة النفوذ المباشر السوري الايراني من خلال حزب الله وحلفاء سورية وسط تراجع لدور السعودية بدليل قرار سعد الحريري البقاء في الخارج رغم التطورات التى تجري في لبنان وفي محيطه.

السابق
جوبيه: لا تصويت على قرار في شأن سوريا من دون غالبية كافية
التالي
بيل غيتس: اشياء لا تعرفونها