الاخبار: بري ينقذ الأكثريّّة “من كيسه” وواشنطن تحذر من العنف والثأر

بطريقة مفاجئة حتى للمعنيين بمشاورات التأليف والمشتغلين في تذليل العقبات والعقد، ولدت حكومة محمد نجيب ميقاتي الثانية وحكومة الأكثرية الجديدة الأولى، في خطوة لم يُعرف من هو صاحب الفضل الأكبر في تظهيرها بعد طول مخاض. حتى إن المراقبين احتاروا في تحديد من فعلها: هل هو الرئيس المكلف، أم رئيس مجلس النواب، الأكثرية ككل، أم أمر أكبر من الجميع؟

لغاية حوالى الساعة الحادية عشرة من قبل ظهر أمس، كانت أخبار الحكومة على الحال المتروكة عليها منذ مساء أول من أمس: عقدة السنّي السادس غير محلولة، وحل الماروني السادس غير محسوم، وشرط الدرزي الثالث معلق بالحقيبة لا الدولة، إضافة إلى استعصاء كيفية التوفيق بين تمثيل عاصمة الوطن وعاصمة الشمال، وبين الكراميين، ومن أن أين يكون سنيّ المعارضة من طرابلس أم البقاع الغربي أم صيدا و… و….
… وفجأة ظهر الرئيس المكلف نجيب ميقاتي في قصر بعبدا، وتبعه رئيس مجلس النواب نبيه بري.

وبعد اجتماع مع رئيس الجمهورية ميشال سليمان، استدعي الأمين العام لرئاسة مجلس الوزراء سهيل بوجي إلى القصر الرئاسي، وبدأ إعداد المراسيم اللازمة لإعلان الحكومة الجديدة.

في الظاهر بدا الأمر كأن المشتغلين على إنجاز التأليف وصلوا ليل الأحد بصباح الاثنين، حتى توصلوا إلى فكفكة كل العقد، فجاء اجتماعا بعبدا الثنائي ثم الثلاثي، نتيجة لهذه الجهود. لكن الوقائع التي تكشّفت تشير إلى عكس ذلك، فلا العقد فُكّكت ولا الاتفاق حصل. فماذا حصل؟

بحسب مصادر مواكبة للتطورات التي سبقت ولادة الحكومة، فإن ميقاتي قصد القصر الجمهوري أمس وفي جيبه تشكيلة حكومية من 24 وزيراً «على ذوقه»، أي من الشخصيات التي يرتاح ميقاتي إلى العمل معها.

وقد اجتمع مع سليمان وفي نيّته محاولة إقناعه بهذه التشكيلة وتوقيع مرسومها، و«لتنجح أو تسقط في امتحان الثقة» في مجلس النواب.

وعندما انضم بري إلى الاجتماع الثنائي، صُدم عندما سمع بـ«تشكيلة الـ24» وبخلوّها من اسم فيصل كرامي، فقال لسليمان وميقاتي: «فلتكن من 26 وزيراً لأننا متمسّكون بفيصل كرامي، وإذا أصدرتما التشكيلة التي تتحدثان عنها، فهذا يعني فتح مشكلة جديدة، ونحن لن نرضى أبداً». عندها بدأت مفاوضات ثلاثية لتعديل تشكيلة الأمر الواقع التي يحملها الرئيس المكلف الذي لم يرفض التعديل، إلا أنه تجنّب إطالة أمد المفاوضات عبر رميه ما يشبه ورقة الضغط بقوله: «لن أترك بعبدا قبل تأليف الحكومة».

ولم يطل الأمر كثيراً، إذ عندما سأل سليمان وميقاتي، بري، عن كيفية حل قضية توزير فيصل كرمي، وخصوصاً أن بيروت لن تمثل سوى بوزير واحد، ردّ رئيس المجلس: «خذوا من حصتي، ولن أشترط عليكما أي حقيبة. اختارا منها ما تشاءانه». بدت الصدمة على رئيس الجمهورية والرئيس المكلف اللذين لم يفهما بداية على «الأستاذ»، فسارع إلى توضيح موقفه بالأرقام: «أنا مستعد لأن تكون حصة الشيعة من خمسة وزراء في حكومة ثلاثينية، في مقابل 7 وزراء من السنّة. كل ما أريده هو أن تبصر الحكومة النور، وأن يكون فيصل كرامي فيها». وطبعاً وافق سليمان وميقاتي على طرح بري الذي خرج من القصر الجمهوري بعد ساعة من وصوله إليه، رافضاً الإدلاء بأي تصريح للصحافيين، وتاركاً لمرسوم التأليف أن يفصح عن المفاجأة التي تركها وراءه والمتمثّلة في تخليه عن مقعد شيعي، ومن حصته، لحلّ مشكلة السنّي السادس بتوزير سنّي سابع.

مراسيم التأليف

وعند الثالثة إلا ربعاً، أذاع بوجي المراسيم 5816 و5817 و5818، ويتعلق الأول منها باعتبار الحكومة التي يرأسها «السيد سعد الدين الحريري» مستقيلة، وهكذا أصبح الحريري رئيس حكومة سابقاً وهو في الرياض، بعد إسقاط حكومته وهو في واشنطن. ويتعلق المرسوم الثاني بتسمية «السيد محمد نجيب ميقاتي» رئيساً لمجلس الوزراء، أما الثالث فيتضمن تأليف الحكومة الجديدة كالآتي: ميقاتي رئيساً، سمير مقبل نائباً لرئيس مجلس الوزراء، طلال أرسلان وزير دولة، نقولا فتوش وزير دولة لشؤون مجلس النواب، غازي العريضي وزيراً للأشغال العامة والنقل، علي قانصو وزير دولة، علي حسن خليل وزيراً للصحة العامة، محمد الصفدي وزيراً للمال، محمد فنيش وزير دولة لشؤون التنمية الإدارية، وائل أبو فاعور وزيراً للشؤون الاجتماعية، جبران باسيل وزيراً للطاقة والمياه، حسين الحاج حسن وزيراً للزراعة، شربل نحاس وزيراً للعمل، فادي عبود وزيراً للسياحة، سليم كرم وزير دولة، علاء الدين ترو وزيراً لشؤون المهجرين، أحمد كرامي وزير دولة، ناظم الخوري وزيراً للبيئة، فايز غصن وزيراً للدفاع الوطني، شكيب قرطباوي وزيراً للعدل، عدنان منصور وزيراً للخارجية والمغتربين، نقولا نحاس وزيراً للاقتصاد والتجارة، مروان شربل وزيراً للداخلية والبلديات، وريج صابونجيان وزيراً للصناعة، وليد الداعوق وزيراً للاعلام، بانوس منجيان وزير دولة، حسان دياب وزيراً للتربية والتعليم العالي، كابي ليون وزيراً للثقافة، نقولا صحناوي وزيراً للاتصالات، وفيصل كرامي وزيراًَ للشباب والرياضة.

اتصالان من الأسد

ولفت أنه فور إعلان تأليف الحكومة تلقّى رئيس الجمهورية اتصال تهنئة من نظيره السوري بشار الأسد الذي اتصل أيضاً ببري وهنّأه على «الخطوة المهمة التي أدت الى تأليف الحكومة اللبنانية الجديدة، التي سيكون لها، إن شاء الله، انعكاسات على كل العالم العربي».

بيان ميقاتي

ومن قصر بعبدا، تلا ميقاتي بياناً تمنى في مستهله أن تنال الحكومة التي اختار لها شعار «كلنا للوطن، كلنا للعمل»، ثقة اللبنانيين ومجلس النواب، ثم حدد المبادئ والأسس التي ستعمل وفقها، وأهمها: التمسك بتطبيق دستور الطائف تطبيقاً كاملاً، الدفاع عن سيادة لبنان واستقلاله، وتحرير ما بقي من أرضه محتلاً من العدو الاسرائيلي، معاودة حوار وطني هادف وبنّاء بشأن المواضيع التي تتباين آراء اللبنانيين حيالها تحت سقف المؤسسات الدستورية. وأبدى ثقته بأن هذه الثوابت «هي التي تحفظ وحدة لبنان واستقراره، وتحقق التضامن بين أبنائه، وتحمي صيغة العيش المشترك، وتلتزم الأصول والقواعد التي تميز بها لبنان، فنتمكن من مواجهة التحديات التي تنتظرنا، الداخلية والخارجية، بمسؤولية وطنية جامعة».

وعن العالم والعرب والداخل، أكد مواصلة دور لبنان «الرائد في محيطه
والعالم، ودفاعه عن القضايا العربية العادلة وفي طليعتها تحرير الأراضي العربية المحتلة، وحق الشعب الفلسطيني الشقيق في العودة الى أرضه وقيام دولته المستقلة وعدم توطينه في الدول التي تستضيفه». وإذ أعلن الحرص على المحافظة على العلاقات مع كل الدول العربية وتطويرها، والتطلع الى تعاون صادق معها يقوم على احترام كامل ومتبادل لسيادة كل دولة واستقلالها وسلامة أراضيها، قال إن إيفاء لبنان بالتزاماته العربية والاقليمية والدولية «هو من الثوابت في سياسة الحكومة التي ستحترمها»، ولكن «بالتوازي مع تمسكنا بكرامتنا وحرية قرارنا النابع من المصلحة الوطنية العليا التي لا تهاون فيها أو مساومة».

وللداخل، أكد أن حكومته هي حكومة كل لبنان وللبنانيين جميعاً في أي موقع كانوا: في الموالاة أو المعارضة، أو في الوسطية الفاعلة والمتفاعلة، مشدداً على أن «لا تفريق أو تمييز بين من سيوليها ثقته أو من سيحجبها عنها، ولا مسايرة لفريق على حساب آخر، ولا تسليم بمنطق المنتصر والمهزوم، ولا ممارسة كيدية أو انتقامية… فكل ذلك لم يكن، ولن يكون، من شيمنا أو عاداتنا أو تقاليدنا، لأننا نشأنا، وسنستمر بإذن الله، على احترام قيم العدالة والمساواة والتسامح والمحبة».

وتابع مخاطباً اللبنانيين، إن الحكومة الجديدة «تدرك أن مسيرتها ليست
مفروشة بالورود، ولا هي خالية من العوائق والفخاخ والتحديات. لكنها تدرك في المقابل أن إرادتكم الواحدة والمتضامنة، وإيمانكم بوطنكم، واقتناعكم بأن لا بديل من العيش المشترك، تمثّل كلها جسر العبور الى نجاحها في التجاوب مع أمانيكم وآمالكم لمواجهة الأخطار الكبرى والازمات وقطع دابر الفتن، بما يحفظ الوجود ويحمي الوحدة ويصون الكيان»، ليختم بالقول لهم: «لا تحكموا على النيّات أو الأشخاص، بل احكموا على الأداء والممارسة».

وفي حواره مع الصحافيين، تجنّب ميقاتي الرد على سؤال عن وجود تحفظات من حزب الله وحركة أمل على التشكيلة، مكتفياً بتوجيه «كلمة احترام وشكر» لبري، «حيث ما كانت هذه التشكيلة لتبصر النور لولا تضحياته وسعيه الدؤوب ووطنيته المميزة للوصول إلى هذه التشكيلة».
وكشف أن قراره في الساعات الأخيرة كان الإقدام على عرض حكومة أمر واقع، مؤكداً أنه بالفعل كان يعرض على سليمان تشكيلة هذه الحكومة عندما وصل بري، وأنه بناءً على وطنية الأخير «جرى بعض التعديل».

ومن بعبدا قال ميقاتي كلمته ومشى، بعدما سبقه بري، من دون أن تتوافر أجوبة حقيقية عن أسئلة كثيرة: لماذا قرر من صبر 139 يوماً، بعد أقل من أسبوع على جولة مشاورات التأليف الأكثر جدية منذ التكليف، رمي حكومة أمر واقع في وجه الجميع؟ وكيف بساعة واحدة ألغيت تشكيلة الأمر الواقع وخرجت تشكيلة «كلنا للوطن، كلنا للعمل»؟ وما الذي حصل ليطير الشيعي السادس لمصلحة سنّي سابع؟ وما هي المعطيات التي دفعت زعيم حركة أمل إلى الدفع «من كيسه» وكيس الطائفة مقابل أن تبصر الحكومة النور ولو بهذا الثمن؟

هيئة الرئاسة في حركة أمل التي عقدت اجتماعاً طارئاً برئاسة بري، لم تقدم الأجوبة، مكتفية بالقول إن مساهمة الحركة في دفع عجلة التأليف «تمثّل أنموذجاً لكل القوى البرلمانية والقوى السياسية الحية لتقديم ما يلزم من تضحيات في سبيل العبور الى الدولة، ما يستكمل سياسة الوفاق والحوار التي أسس لها الرئيس بري».

وإلى شكر ميقاتي له، اتصل النائب وليد جنبلاط ببري شاكراً جهوده، كما شكر «جميع القوى في الأكثرية الجديدة التي أسهمت وسهّلت عملية التأليف». كذلك حيّت حركة التوحيد الإسلامي رئيس المجلس، معتبرة أنه «بمثل هذه الروح الوطنية يحمى لبنان المقاومة والتنوع، لا بالتحريض المذهبي والطائفي».

وإلى صدور ردود فعل عدة مرحّبة بالتأليف، برز اتصال مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني بسليمان وميقاتي مهنئاً ومتمنياً «نجاح الحكومة في تحقيق ما يصبو إليه اللبنانيون جميعاً»، كذلك اتصل البطريرك الماروني بشارة الراعي ببري وميقاتي وناظم الخوري مهنئاً.

وتلقى ميقاتي اتصال تهنئة من سفير السعودية علي عواض العسيري، واستقبل للغاية نفسها سفير فرنسا دوني بييتون وممثل الأمم المتحدة مايكل وليامز الذي وصف تأليف الحكومة بأنه تطور مهم للبنان، متمنياً أن تدعم الحكومة الجديدة تطبيق القرار 1701 «والتزامات لبنان الدولية».

أول المواقف الخارجية جاء من واشنطن، وعبّر عنه المتحدث باسم الخارجية الأميركية مارك تونر الذي قال إن بلاده ستحكم على الحكومة الجديدة «بناءً على أفعالها»، وقال: «المهم في نظرنا أن تلتزم الحكومة اللبنانية الجديدة الدستور في لبنان، أن تنبذ العنف، وخصوصاً محاولات الثأر من مسؤولين حكوميين آخرين، وأن تحترم التزاماتها الدولية بما فيها قرارات مجلس الأمن الدولي والتزامها حيال المحكمة» الدولية.

كلاكيت أول مرة

عند العاشرة من قبل ظهر غد، يقف الوزراء في قصر بعبدا لالتقاط الصورة التذكارية مع رؤساء الجمهورية ومجلس النواب ومجلس الوزراء. وهي صورة لن تفتقد فقط الوزير طلال أرسلان إن لم يعد عن استقالته، أو يختار بديلاً منه، بل ستفتقد أيّ وجه نسائي للمرة الأولى منذ فترة طويلة.

وإذا كانت استقالة وزير فور إعلان التأليف ليست سابقة في تاريخ الحكومات اللبنانية، إذ سبقها الكثير كاستقالة قائد القوات اللبنانية سمير جعجع من حكومة ما بعد الطائف، فإنّ تخلّي مذهب عن مقعد من حصته لمصلحة مذهب آخر، قد يكون أمراً غير مسبوق في كل حكومات ما قبل الطائف وبعده.

الصورة لن تكون جديدة على 8 وزراء عائدين من الحكومة السابقة، وعلى 5 وزراء سبق أن دخلوا جنات حكومات سابقة، إضافة إلى أنها ستضم 13 نائباً اعتادوا فلاشات المصورين في ساحة النجمة. وإذا استثنينا من كانوا نواباً سابقين أو عرفهم الناس مرشحين للنيابة أو نقابيين، فلن يقف مستغرباً أمام الكاميرا غداً إلا 10 وزراء جدد.

في الصورة غداً سيكون رئيس الحكومة هو الأطول، والوزير وائل أبو فاعور هو الأصغر سناً بـ41 عاماً، فيما ينفرد الوزير سمير مقبل بلقبين: الأكبر سناً بـ72 عاماً، وأول وزير بيئة في لبنان في عهد الرئيس الياس الهراوي.

السابق
الداعوق خلفاً لمتري: هل يكون الإعلام “عريضي”؟
التالي
مروان شربل:الأمن لن يكون بالتوافق