وزير الخارجية لـ”جنوبية”: لتفعيل دور المغتربين ومشاركتهم في الحياة السياسية

(خاصّ جنوبية)
السفير اللبناني السابق عدنان منصور الذي تقاعد عن العمل الدبلوماسي العام المنصرم، صاحب خبرة دبلوماسية عالية اتاحها عمله الدبلوماسي طيلة 36 عاما، قضاها متنقلا بين العديد من الدول والادارة المركزية في وزارة الخارجية. والسفير منصور من الدبلوماسيين الذين مارسوا عملهم الدبلوماسي في العديد من الدول الافريقية، كقنصل وسفير والى كونه مهتما بملف المغتربين اللبنانيين، ومتابع له من خلال وظائفه المتعددة التي شغلها في وزارة الخارجية التقته "شؤون جنوبية" في خضم الاحداث التي شهدتها ساحل العاج اخيرا، في محاولة لتلمس الاسباب التي تجعل المسؤولين في الدولة وفي الاغتراب في حال من الارباك والفوضى والعجز، في مواجهة الازمات في بلاد الاغتراب الافريقي ولاسيما ساحل العاج. الى جانب السبل التي يمكن اعتمادها للحد من الاثار الكارثية على اللبنانيين التي اصابت اللبنانيين المغتربين في هذا البلد. هنا تساؤلاتنا واجوبة للسفير عدنان منصور:

• كيف تقرأما يجري في ساحل العاج وموقع الاغتراب اللبناني في الاحداث الجارية هناك؟

إن حوادث العنف التي جرت مؤخراً في ساحل العاج لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة في القارة الأفريقية. إذ أن العديد من دول هذه القارة تشهد حالة من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني، حالة تترك الأبواب مشرّعة من وقت إلى آخر أمام اضطرابات وثورات وحروب قبلية وعرقية وقومية دامية، لا تعكس نتائجها السلبية فقط على أبناء هذه الدول، إنما تترك تداعياتها وتأثيراتها ونتائجها السيئة على الجاليات الأجنبية المتواجدة فيها، وبالذات على أبناء الجالية اللبنانية التي غالباً ما تكون العصب الرئيس بين الجاليات الأجنبية الأخرى، لما تشكله من أهمية اقتصادية وجالية فاعلة ومؤثرة.
هذا الواقع الأفريقي يستدعي منا التنبه والحيطة واتخاذ إجراءات مسبقة لاستيعاب ما قد يحصل مستقبلاً من مخاطر ولو بالحد الأدنى تتهدد أبناء الجالية اللبنانية. إذ لا يجوز ترك الأمور للحظة الأخيرة حتى إذا ما انفجر الوضع فجأة تصبح الجالية رهينة وفريسة الحرب والقتل والنهب والذعر وهي تبحث عن فرصة وطريقة سريعة للخلاص ومغادرة البلاد بأي شكل من الأشكال في ظل ظروف صعبة وحرجة للغاية.
فبالإضافة إلى دور السفارات اللبنانية المتواجدة في هذه البلدان وقيامها بجهودها الإيجابية، فإنه من المناسب أيضاً والضروري جداً أن تقوم فروع الجامعة اللبنانية الثقافية المتواجدة في دول القارة الأفريقية، لا سيما في الدول التي تتعرض وتشهد بها من آن إلى آخر اضطربات وحوادث دموية بالتعاون مع أبناء الجالية ووجهائها وبالتنسيق مع السفارات اللبنانية ومديرية المغتربين في وزارة الخارجية على إنشاء لجان طوارئ دائمة لها صندوقها المالي يغذى شهرياً أو سنوياً من قبل أبناء الجالية ووجهائها كلٍّ حسب قدرته وطاقته. كما تقوم هذه اللجان بربط المجموعات من أبناء الجالية في البلد المعين بوسيلة اتصال تسهّل للجنة الطوارئ عند الضرورة وكلما دعت الحاجة التواصل معها وذلك عند اندلاع اضطرابات وحوادث عنف تهدد حياة اللبنانيين، وتوجيهها لما يجب القيام به.
من الملاحظ أنه في كل مرة تشهج جالياتنا في أفريقيا اضطرابات وحوادث عنف، حتى تبدأ موجة من الانتقادات يميناً وشمالاً لا توفر أحداً تحمّل المسؤولية للآخرين. لأن أبناء الجالية غالباً ما يجدون أنفسهم فجأة وسط بحر هائج من أعمال العنف والقتل والنهب للممتلكات، فيصبحوا أسرى للصدة والفلتان الأمني وأعمال العنف والافتقار وللتنظيم فيدفع ذلك بكل واحد للبحث بأي شكل من الأشكال عن وسيلة للخلاص والخروج من البلاد سالماً.

• فما هي الخطوات المطلوب القيام بها من المغتربين والمسؤولين لمواجهة تطورات سياسية وامنية مفاجئة؟

إن إنشاء لجنة طوارئ دائمة وصندوق مالي تابع لها يساعد كثيراً أبناء الجالية على امتصاص المعاناة وتخفيف عذابهم وهم يواجهون الأيام الصعبة.. إذ أن هذا الصندوق كفيل أن يساعد اللجنة على تأمين طائرات وتغطية مصاريفها لنقل من يرغب بالمغادرة إلى لبنان، دون حاجة إلى انتظار الوقت الضائع للقيام بالاتصالات وكيفية البحث عن التحويل ولعل التجربة التي مرت بها الجالية اللبنانية في زائير (الكونغو) كانت نموذجاً. فهذا البلد شهد وخلال سنتين بين عام 1991 و1993 أعمال عنف رهيبة، ونهب واسع النطاق. وقتها وقف وجهاء الجالية وأبناؤها وبالتنسيق المباشر مع السفارة، وقفة مشرّفة في كنشاسا وبرازافيل أمّنت وعلى الفور ما هو مطلوب منها لتغطية الرحلات الجوية التي نقلت أبناء الجالية من برازافيل إلى بيروت. مع العلم أن أبناء الجالية في برازافيل أمّنوا الإقامة الكريمة ووضعوا أنفسهم بتصرف إخوتهم القادرين في كنشاسا. فتم ترحيل اللبنانيين بكرامة إلى بيروت خلال أيام قليلة دون حادث يذكر. فجاء هذا الترحيل نتيجة لمسؤولية تحملها أكثر من فريق دون تحميل الدولة اللبنانية أي عبء مالي.

• أين تكمن مسؤولية الدولة اللبنانية والدور المطلوب منها؟

إن المسؤولية كبيرة تقع على عاتق الدولة اللبنانية حيال جالياتها المنتشرة في دنيا الاغتراب وبالذات في أفريقيا. فهذه الجاليات بما تقدمه للبنان، تشكل شرياناً مالياً لا يتوقف مما يعزز ميزان المدفوعات اللبناني، ويساعد مباشرة ويساهم في بناء الوطن الأم ويوفر الغطاء الضروري لأمنه الاجتماعي والمعيشي والاقتصادي، ويخفف بشكل ملحوظ من أعباء الأزمة الاقتصادية والحياتية والإنسانية في لبنان. لذلك لا بد للدولة من إعطاء المغتربين اللبنانيين الرعاية والاهتمام الكافي، ومنحهم التسهيلات والضمانات الضرورية اللازمة التي تحثهم على القيام بتنفيذ مشاريع حيوية للبنان وتوفير المناخ المؤاتي لهم للنهوض بالقطاع الاقتصادي والمالي ككل ومشاركتهم في الحياة السياسية وإعطائهم دوراً فاعلاً على الأرض، والاستفادة بشكل واسع من طاقات الاغتراب اللبناني الهائلة وتوظيفها في الوطن الأم في مجالات التنمية والاستثمار والبناء لا سيما في المشاريع التي تم فائدتها على شريحة عريضة من اللبنانيين وتوفير الحل لهم، وكذلك تكريم من يستحق منهم وإطلاق أسماء من يقومون بمشاريع تخدم الوطن على شوارع ومؤسسات عامة لهم فيا حضور ودور مؤثر وفاعل.

• كيف يمكن منع حصول أزمات أخرى في مواجهة المغتربين اللبنانيين؟

إن قدر اللبنانيين المتواجدين في أفريقيا هو أن يتحملوا من آن إلى آخر المشاكل والاضطرابات التي تشهدها بعض بلدان القارة ولو أن هذه المشاكل وحوادث العنف والنهب الواسع النطاق نأخذ أحياناً كثيرة منحى عنيفاً ودموياً. فالمخاطر يضعها المغترب اللبناني في حسابه جيداً وهو يعلم مسبقاً مدى الاهتزاز وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني للعديد من دول القارة الأفريقية، وبالتالي عليه فهم وإدراك الحساسيات والمشاكل السياسية في دول القارة وعدم الانغماس في هذه المشاكل والانحياز لأي فريق سياسي كان حتى لا يترتب عن ذلك فيما بعد ردود فعل عنيفة في أوساط سياسية حاكمة أو شعبية تطال اللبنانيين ومصالحهم بشكل مباشراً وغير مباشر تطيح لجنى العمر ومكتسباته.
لذلك عليه أن يتكيّف بحسه وبراعته محاولاً أن يتجنب في الوقت الحرج أقصى ما يمكن يتجنّبه من خسائر. إن المغتربين عصب الاقتصادي اللبناني يستحقون منا كل تقدير واحترام. فكل ما حصلوا عليه لم يكن بالأمر السهل كما يتصور البعض. حصلوا عليه بالعرق والدم والدموع مع ما رافق ذلك من هموم وبُعد عن الوطن والأهل والأصحاب ومسقط الرأس. ولهذا فإن الحفاظ على مكاسبهم وأرزاقهم واستمراريتهم في القارة الأفريقية حاجة وضرورة اقتصادية وإنسانية ووطنية.

(كادر)
السفير عدنان حسن منصور
من مواليد برج البراجنة – لبنان 1946. مجاز في العلوم السياسية والإدارية من الجامعة اليسوعية. دكتوراه في العلوم السياسية. التحق بالسلك الدبلوماسي 2/1/1974. تنقل في العديد من المواقع الدبلوماسية في دول عربية وغربية وفي الادارة المركزية الى حين بلوغه سن التقاعد في العام 2010.
كما شارك في العديد من المؤتمرات كممثل لدولة لبنان. يحمل ثلاثة لغات: العربية، الفرنسية، الإنكليزية، وإلمام بالفارسية. له محاضرات عديدة ألقيت في بلدان عدة. ودراسات تعد للطبع.
حائز على عدة أوسمة. متأهل من السيدة ليلى فاخوري، ولهما ثلاثة أولاد: حسن وحسام وليال.

من 2/1/1974 إلى 7/8/1977، تقلب في مديرية الشؤون السياسية والقنصلية – مديرية الشؤون الاقتصادية – مديرية الشؤون الإدارية والمالية في وزارة الخارجية. آب 1977 – نيسان 1981، قائماً بأعمال السفارة وقنصلاً في الخرطوم (السودان). أيار 1981 – كانون الثاني 1984، مستشار السفارة في أثينا (اليونان). 1984، قنصلاً عاماً للببنان في ملبورن – ولاية فكتوريا (استراليا). 1984 – 1985، الإدارة المركزية – مدير مكتب الأمين العام. 1985 – 1990، قنصلاً عاماً للبنان في الاسكندرية – جمهورية مصر العربية. 1990 – آب 1994، سفيراً للبنان فوق العادة مطلق الصلاحية لدى كنشاسا – الكونغو الديمقراطية (زائير). 1994 -1/5/1999، مديراً للرموز والاتصالات (الشيفرة) في وزارة الخارجية. من 28/5/1999 – 18/6/2007، سفيراً فوق العادة مطلق الصلاحية لدى الجمهورية الإسلامية الإيرانية. 1/8/2007 – 2010، سفيراً في بروكسل واللوكسمبورغ ولدى الاتحاد الأوروبي والمنسق للبنان في الاتحاد من أجل المتوسط.
كما شارك في العديد من المؤتمرات كممثل لدولة لبنان. يحمل ثلاثة لغات: العربية، الفرنسية، الإنكليزية، وإلمام بالفارسية. له محاضرات عديدة ألقيت في بلدان عدة. ودراسات تعد للطبع.
حائز على عدة أوسمة. متأهل من السيدة ليلى فاخوري، ولهما ثلاثة أولاد: حسن وحسام وليال.                                     
نشرت في عدد أيار 2011.
 

السابق
ابو دهن تمنى على سليمان استيضاح السفير علي عن المسجونين اللبنانيين
التالي
“الراي”: نصح أميركي وفرنسي وسـعودي للحريري بالبقاء خارج لبنان خشية اغتياله