عن التأليف وغباوات وطنية

يبدو أن "حرب الطابق الثاني" قد هدأت، على ما يظهر من عناوين الصحف ونشرات الأخبار.
وبصرف النظر عمّا إذا كانت انسحبت من الواجهة إلى الكواليس إفساحاً في المجال لحروب أخرى… يتساءل اللبناني العنيد عمّا انتهت إليه تلك الأعجوبة التي خرجت بأسلحة اللايزر من الأفلام الأميركية إلى.. "بيت الدرج" في العدلية، وعن الأسس (الدستورية) التي جرى توقيع الهدنة بناءً عليها…
السؤال ينطلق بدافع الحُشرية اللبنانية المتأصلة في هذا الشعب الذي اعتاد أن يتطلّب معرفة كل شيء، ويسمّي ذلك ديمقراطية.
أنا شخصياً لا أعرف. لكن هذا ليس مهماً الآن. الأهم هو لُغز ذلك الساحر الذي أعاد الأفعى إلى الكيس.
وبينما أتساءل في سرّي، يقوم الحُلفاء من نومهم، فيتثاءبون، ثم يحيّون بتحيّة الكشّافة قبل أن ينطلقوا إلى التأكيد بأن القضية كلّها قد انتهت وصارت وراءنا (يحسبونني معهم). ويضيفون بلهجة الظفر:"خلص"، تباوس الشباب… وصافي يا لبن. يكررون ذلك ويحلفون يمين. وأنا، في غمرة البحث عن عمل أملأ به بطالتي، أجد في جبيني سبباً مستجدّاً للقلق والأرق، معتقداً أن الخطر ما زال جاثماً مثل لُغم على طريق عام، وكل خوفي هو من الأفعى التي في الكيس، والتي لا أصدّق بأنها… تحوّلت إلى هدهد، على الرغم من ثقتي بالطائف وبالسفيرة وبغُربان الوطن الذين يسمّون أنفسهم تحبُّباً بالزعماء.
لكن…
كيف انتهت تلك الحرب العالمية في العدلية؟
أنا لا أعرف. وهذا يزعجني. وما يزيد في التنغّيص أن شوفير اللواء أشرف ريفي يعرف وأنا لا أعرف. لكن ما يخفف الوطأة هو أن أحداً في جمهورية الذين يعرفون كل شيء، لا يعرف شيئاً عن مفاتيح الطابق الثاني الذي ما زال مقفلاً (!!!).
ما أعرفه فقط هو أن الوزير شربل نحّاس نال العقوبة التي يستحق بإزاحته عن حقيبة الاتصالات، ليُمضي الفترة التأديبية في وزارة العمل، كما ذكرت الأنباء… وأنه تقبّل هذه العقوبة من دون أيّ ضجيج. والصمت هنا يشبه الاعتراف بالذنب؛ وقد يعني استنتاجاً أن الأمر ليس موجهاً عن قصد ضد آل نحّاس. يشجّعنا على هذا القول أن نحّاساً آخر سيتربّع على الاتصالات، كما تذكر عجائب التأليف.
وبهذه المناسبة لا بد من توجيه الشكر للبيك الذي كان صاحب الوصفة العجائبية: نجيب ميقاتي.
ويبقى تساؤل ساذج.
لا أدري من أين يأتي الجنرال ميشال عون بكل هذا الصبر الذي يبذله ليتحمّل صفاقة وثقل دم مُنظّري حليفه الكبير، خصوصاً وأنهم يُقنعونه بأن معاقبة وزيره بعد ترويعه باللايزر، تُساوي انتصاراً للمقاومة.
لكنه الحبّ، وهو على ما قال القدماء، أعمى.
ولا عتب على الجنرال الوطني الحرّ، فحليفه الكبير يملك الكثير من مقوّمات الجمال والإثارة ولا شك، بل هو الأجمل في صنفه… في حين أن العاشق قليل الذكاء في أحسن الأحوال.
مرة سأل آدمُ اللهَ عن سبب جمال حوّاء، فقال: لكي تحبّها؛ فسأله عن سبب غبائها، فقال: لكي تحبك.

السابق
LBC: أنصار النائب طلال ارسلان يقطعون طريق أوتوستراد خلدة وسماع إطلاق نار كثيف
التالي
السير الذاتية لرئيس الحكومة وبعض الوزراء