تحليلات لبنانية

أصعب ما في الازمة السورية الراهنة النظر اليها من الزوايا اللبنانية المتعددة، التي يحكمها الكثير من المشاعر والمواقف المسبقة، المبنية على عقد قديمة، وأوهام جديدة. وهي كلها تحط من قدر السوريين جميعا، على اختلاف انتماءاتهم، سواء كانوا مع النظام أو ضده.

وأطرف ما في تلك المتابعة اللبنانية للأزمة السورية الأخطر في تاريخ النظام الحالي الحاكم منذ أكثر من اربعين عاما، هو انه ما زال هناك بعض المسؤولين والسياسيين اللبنانيين الذين يتصرفون ويتحدثون كأن شيئا لم يحصل في سوريا، متمسكين بالاعتقاد الجازم في ان كل ما جرى طوال الاشهر الثلاثة الماضية ليس سوى سحابة صيف عابرة في السماء السورية واللبنانية، سرعان ما ستنجلي وتعود الامور الى مجاريها الطبيعية.

وأغرب ما في القراءات اللبنانية للحدث السوري المدوي، ذلك الاقتناع الراسخ لدى بعض اللبنانيين بأن النظام في دمشق والرئيس بشار الاسد سيخرج قريبا بنصر حاسم على معارضيه، متفوقاً حتى على والده الرئيس الراحل حافظ الاسد الذي سحق معارضيه البعثيين ثم الاسلاميين في ثمانينيات القرن الماضي، واستفاد من غالبية شعبية واضحة ومن شبه إجماع عربي ودولي على دعم مشروعه لضمان استقرار سوريا.. وهو ما يمكن ان يتكرر مع الابن في أي لحظة، برغم الإجماع العربي والدولي شبه التام على إدانة سلوكه الامني والسياسي الراهن!

أما أشد القراءات اللبنانية طرافة وغرابة في آن، فهي تلك التي تحلل الداخل السوري مثلما تحلل الداخل اللبناني، وتفترض أن ثمة رئيساً في دمشق يخضع لحصار من أسرته وطائفته وأجهزته الامنية، يعيق برنامجه المعلن والاكيد للإصلاح السياسي، وهو ما يختصر الازمة الراهنة كلها في سوريا، التي لن تنتهي إلا اذا تجرأ الاسد على محيطه المباشر.. وهو ما سيفعله حتما، عاجلا أم آجلا.

ولا تستقيم تلك التحليلات الغريبة من دون النظر الى الجانب الآخر الأكثر إثارة للدهشة، حيث تلوح في الافق ملامح صراع بدأ بالفعل في صفوف المعارضين على وراثة الاسد، وعلى طريقة حكم سوريا، وكتابة دستورها الجديد، وسبل تغيير وجهتها السياسية.. من دون ان يلاحظ أحد منهم ان الشارع السوري يتحرك بعفوية مطلقة، ومن دون أي تعليمات تنظيمية من الداخل أو الخارج، وهو سيفرض جدول أعماله على جميع القوى السياسية التي تدعي أنها تديره.

نقطة اللقاء الوحيدة بين مختلف التقديرات اللبنانية هي ان الجميع متفائلون بأن الازمة السورية لن تستمر حتى نهاية العام الحالي: إما أن النظام قادر على الحسم خلال الاشهر الستة المقبلة. أو أن معارضيه جاهزون لتولي الحكم في مدة لا تتجاوز تلك الفترة. وان غدا لناظره قريب.. وهو متصل الى حد بعيد بالانتظار الليبي الذي أوشك على الانتهاء أو الانتظار اليمني الذي انتهى بالفعل.

الازمة السورية لم تكن مفاجئة ابدا، لا في حافزها الداخلي ولا في سياقها العربي. لكن تفاصيلها هي عبارة عن سلسلة من المفاجآت التي لا يمكن أحداً أن يتمكن من تقدير نتائجها. ولعل هذا هو سرها الاخطر.

السابق
عون من مليتا: سنلوي ذراع أميركا كما لوينا ذراع اسرائيل
التالي
في ليلة العمر يضيع جنى العمر!