المفتي يدعو “العقلاء” إلى التغيير

كانت لافتة دعوة مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني الجمعة الفائت الشعب الصابر الى الخروج والمطالبة بالتغيير، مع تأكيده المسبق والاكيد التمسك باتفاق الطائف مدخلا الى بقاء لبنان بصيغته الفريدة، بعدما أرسى الاتفاق المذكور، بأخطائه وخطاياه، التوازن الطائفي الذي يؤمن مشاركة الجميع في السلطة، فلا اكثرية ولا اقلية، بل عقد اجتماعي يجب ان يظل قيد التطوير وفق الاسس والمبادئ التي ميّزت قيام هذا الوطن.

ووضع المفتي يده على جرح اللبنانيين النازف، اذ اكد ان الغربة "ليست دائما غربة المكان والزمان، فقد نكون بين أهلنا وأولادنا وأحبابنا وتحتوينا أوطاننا، لكننا نبقى غرباء… فكم من لبناني يعيش اليوم في وطنه وفي منزله وهو أشد غربة من الغريب؟" وان لبنان "اليوم في غربة واللبنانيين أيضا في غربة، لبنان وطن جعلناه بأيدينا في مهب الريح، تتقاذفه انقسامات الداخل على وقع أحداث أمنية متنقلة منذ سنوات طويلة، كما تتقاذفه انقسامات الخارج على وقع أوضاع إقليمية تراوح بين التأزم والتفجير والتغيير، ولبنان متوكئ على صاعق يصعب تفكيك عناصره المتداخلة إلى حد الاستحالة على التفكيك".

لكن الاخطر في خطبة المفتي كان الدعوة الى المطالبة بالتغيير، والناس للخروج الى الشارع، وكلامه هذا سيف ذو حدين: اولا التغيير الحقيقي ليس
ممكنا وفق كثيرين مع اتفاق الطائف، اذ بحفاظه على التوازن الطائفي جعل الدولة من دون رأس او مرجع، وثانيا لا يمكن ايضا ضبط حدود التغيير المأمول في ظل انفلات القيود والضوابط في المحيط العربي كله، وتحكّم الشارع في سيل المتغيرات التي لن ترسو عاجلا على استقرار اكيد، وفي هذا خوف من فوضى وانواع من التدخلات الخارجية.

ثم ان المفتي قباني اعلن على الملأ يأسه من الطبقة السياسية اللبنانية المتحكمة والمحكومة بكل الامور، وخصوصا في ظل عجز بدا اكثر فاكثر في عملية تأليف الحكومة، اذ قال المفتي ان "على عقلاء اللبنانيين وليس سياسييهم فقط أن يفكروا مليا في ما يصنعون قبل فوات الأوان، مع تجديد التزام الطائف لا الخروج عليه، فهو الأساس".

هكذا اوقعنا سماحته في تناقض محيّر، فبين دعوته الى المطالبة بالتغيير والتمسك بالطائف، بعكس ما ذهب اليه البطريرك الماروني الذي ناقض سلفه القائل بتطبيق الاتفاق المذكور قبل العمل على تعديله، وجدنا انفسنا في حيرة من امرنا وخصوصا ان لا تعريف واضحا للعقلاء. لذا بات مطلوبا من القمة الروحية التي اجتمعت قبل مدة في بكركي واكدت الثوابت الوطنية ان تعقد حلقتها الثانية، في دار الفتوى ربما، وان تخرج بدعوة مدروسة الى التغيير الايجابي، واستباق ما قد يجري اذا ما ظل هذا السيل الجارف في عالمنا العربي ماضيا بلا هوادة.

السابق
ولادة الحكومة أمام “لغم” السنّي السادس
التالي
أيّ “ضرب” أكله وئام ورفاقه؟