القرارات الصعبة

اختصر أحد الحاضرين قراءته الوضع في سورية ببضع عبارات. قال ان سورية انضمت الى نادي الدول المضطربة التي أصابها الربيع العربي في استقرارها ووضعها أمام أسئلة صعبة عن المستقبل وسبل الخروج من الحاضر المأزوم والأثمان المترتبة على اعتماد هذا الخيار أو ذاك.

ورأى، في جلسة ضمت عدداً من السياسيين، أن ثلاثة اشهر من الاحتجاجات أفضت الى المشهد التالي: محاولة الجمع بين الحل الأمني ووعود الإصلاح لم تفلح في استعادة الاستقرار. نشأ على الأرض وضع ينذر بأزمة طويلة. السلطة غير قادرة على وضع حد نهائي للاحتجاجات. الاحتجاجات غير قادرة على إطاحة السلطة. استخدام القوة المفرطة لإنهاء الاحتجاجات ألحق أضراراً بصورة سورية في الخارج. خسرت دمشق علاقتها مع الدوحة. تراجعت علاقتها مع أنقرة. انتقلت علاقتها مع باريس من الود والتشجيع الى المرارة والرغبة في العقاب.

أعرب المتحدث عن أمله بألا تقع سورية في خطأ الإسراف في الرهان على الموقف الروسي. روسيا الحالية هي غير روسيا القديمة أو الاتحاد السوفياتي. مصالحها الهائلة مع أوروبا لا تقارن بمصالحها مع سورية، على رغم أهمية الأخيرة خصوصاً لجهة توفير موقع على المتوسط. صحيح أن سورية صاحبة تجربة في مقاومة الضغوط الدولية، لكن الفارق اليوم هو ان الضغوط من الخارج يواكبها اضطراب في الداخل.

رأى المتحدث أن الخيار الأقل كلفة حتى الساعة هو أن يقود الرئيس بشار الأسد عملية التغيير، شرط أن يتخذ قرارات صعبة وربما مؤلمة: تقليص دور حزب البعث لإشراك أطياف سياسية كانت ممنوعة أو مهمشة، وتقليص سيطرة المؤسسة الأمنية على الحياة السياسية وحريات المواطنين. لن يكون الأمر سهلاً لكن الخروج من المأزق متعذر من دون مجازفة من هذا النوع، ستساهم في عزل المجموعات التي تراهن على فرض التغيير عبر استخدام السلاح.

متحدث آخر اعتبر ان على سورية ان تعيد صوغ موقعها الإقليمي، في ظل توازن قوى يرفض التسليم بحقها في استخدام الأوراق التي جمعتها سابقاً، ومكّنتها من لعب أدوار عراقية ولبنانية وفلسطينية. وأضاف ان بعض العلاقات التي كانت مصدر قوة، قد يتحول عبئاً لدى اختلاف الظروف كالتحالف مع إيران و «حزب الله». قد لا يكون المطلوب إنهاء هذه العلاقات وربما تكفي إعادة التفكير في درجة استخدامها وتأثيرها في سياسات الداخل والخارج معاً.

طال النقاش وتباينت آراء الحاضرين. الأكيد هو ان التطورات في سورية حاضرة على الشاشات، وفي اللقاءات، وكذلك في الغرف المغلقة. يكفي ان يتصل الصحافي بأصدقائه في بغداد وعمان وبيروت وأنقرة ليدرك حجم القلق في الدول المجاورة لسورية. غرق سورية في نزاع دموي طويل سيرتب أثماناً باهظة. انفجار الخريطة السورية سيكون كارثياً. العقلاء في العواصم الأربع ما زالوا يراهنون على الخيار الأقل كلفة، وينتظرون من دمشق قرارات صعبة تقلب مسار الأحداث. وعامل الوقت بالغ الأهمية في هذا النوع من الأزمات، خصوصاً حين يلتقي اضطراب الداخل بضغوط الخارج.

السابق
مشـروع قانـون لبنانـي للأحـوال الشخصيـة
التالي
الشرق الاوسط: فوز كبير لأردوغان قد لا يمنحه القدرة على تعديل الدستور